دخل الملف النووي السعودي، للمرّة الأولى، إلى واجهة النقاشات والمفاوضات في المنطقة، ليزاحم “النووي الإيراني” على النجومية السياسية والإعلامية، وليضع “النووي الإسرائيلي” على طاولة البحث و”العدالة” الإقليمية.
ويبدو أنّ هذا الملف له وزنه في المُحادثات، العلنيّة منها والسّريّة، التي راحت تتسارع من الرّياض ومسقَط إلى طهران وباريس والدّوحة، بين السعودية وإيران، وكذلك بين إيران ودول الخمسة + 1.
يُضاف إلى هذا الملف، ويتفرّع منه على الأرجح، بندٌ حول حقّ الشّعب الفلسيطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وفق القرارات الدولية. باعتبار الفلسطينيين مقيمين تحت سيف السلاح الإسرائيلي.
دخل الملف النووي السعودي، للمرّة الأولى، إلى واجهة النقاشات والمفاوضات في المنطقة، ليزاحم “النووي الإيراني” على النجومية السياسية والإعلامية، وليضع “النووي الإسرائيلي” على طاولة البحث و”العدالة” الإقليمية
ما الذي يجري في المنطقة؟
نبدأ من مدينة جدّة السّعوديّة التي زارَها وزير الخارجيّة الأميركيّ أنتوني بلينكن، حيث استقبله وليّ العهد السّعوديّ محمّد بن سلمان بعد مُنتصَف ليْل 7 حزيران الجاري. وغاب وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان عن استقباله على أرض مطار الملك عبد العزيز الدوليّ.
بدا شكل الاستقبال وكأنّه إعلاناً سيّاسيّاً عن الصيغة الجديدة للعلاقات الأميركيّة – السّعوديّة بعدما شهِدَت تجاذباً امتدّ على مستوى العالم وشملَ الصّين وروسيّا وأوكرانيا. وهو تأكيدٌ على أنّ الرّياض جعلت نفسها شريكاً في تقرير طبيعة العلاقة، تماهياً مع تطوّر دورها في المنطقة والعالم، والتغييرات في سياساتها الخارجيّة، وقرارها في تنويع شراكاتها الإقليمية والدولية بما يناسب مصلحة شعبها.
النوويّ والتطبيع
بحسب المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” من مصدرٍ مسؤول في وزارة الخارجيّة الأميركيّة، بحث وزير خارجيّة بايدِن مع بن سلمان ملفّات أساسيّة، أبرزها:
الأوّل: أعاد التأكيد على رغبة إدارة بايدن في تطبيع العلاقة بين السّعوديّة وإسرائيل، باعتبارها مُفيداً له داخليّاً. إذ لم يُسجّل أيّ “إنجازٍ” جدّيّ على صعيد السّياسة الخارجيّة منذ دخوله البيت الأبيض في كانون الثّاني 2021. وتريدُ الإدارة الدّيمقراطيّة التطبيع كجائزة ترضيةٍ لرئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو لإسكاته إذا أعادت العمل بالاتفاقٍ النوويّ مع طهران. فنتنياهو يحتاج التطبيع داخليّاً أيضاً. إذ كان قد وضع التطبيع في أعلى سُلّم أولويّاته الخارجيّة التي أوكلها لوزيره إيلي كوهين، مُهندِس اتفاقات التطبيع مع الإمارات والمغرب والسّودان.
لكنّ وليّ العهد السّعوديّ كان واضحاً مع بلينكن: لا تطبيع مجّانيّاً، والشّروط السّعوديّة لا تزال على حالها فيما خصّ قبول إسراائيل مبادرة السّلام العربيّة، بل وأُضيفَ إليها “البرنامج النّوويّ السّعوديّ”.
السّعوديّة استبقَت زيارة بلينكن بمُقرّرات القمّة العربيّة التي خرَجَت من جدّة بالتأكيد العربيّ على إعادة إحياء مُبادرة السّلام العربيّة كحلّ للقضيّة الفلسطينيّة. وهذا ما أعادَ بن سلمان ذكره أمام ضيفه الأميركيّ.
لم يكتفِ بن سلمان بشرطِ المُبادرة العربيّة فقط. بل اشترط على واشنطن وتل أبيب القَبول ببرنامج نوويّ سعوديّ، أسوةً بالبرنامجيْن الإسرائيليّ والإيرانيّ، مُؤكّداً في الوقت عينه أنّ المملكة تطمح لبرنامج نوويّ سلميّ لا يُهدّد أمنَ المنطقة. لم يُعارض بلينكن شروطَ بن سلمان، ووعَد بالعملِ لدى تل أبيب والإدارة الأميركيّة لمحاولة إنجاز التطبيع مع تل أبيب قبل نهاية العام الجاري.
الثّاني: هو الملفّ السّوريّ. فقد طلب بن سلمان من الأميركيين ألّا يقفوا في وجه “الإجماع العربيّ، وأن يتفهّموا خصوصيّة الوضع العربيّ من دون أيّ تدخّل سلبيّ”. كما طرح سُبلَ إنهاء الأزمة السّوريّة سلميّاً وإعادة دمشق إلى الخارطة السّياسيّة. أيضاً لم يُعارض بلينكن بشكلٍ كامل، وإن نقلَ تحفّظَ إدارة بايدن. وتشير المعلومات إلى أنّ منسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ بريت ماكغورك سيزور المملكة قريباً لاستكمال الملفّات.
وليّ العهد السّعوديّ كان واضحاً مع بلينكن: لا تطبيع مجّانيّاً، والشّروط السّعوديّة لا تزال على حالها فيما خصّ قبول إسراائيل مبادرة السّلام العربيّة، بل وأُضيفَ إليها “البرنامج النّوويّ السّعوديّ”
مسقط والدّوحة: النوويّ واليَمَن
بين باكورة الحراكات الإقليميّة، كانَ وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان يحطّ رحاله في العاصمة القطريّة الدّوحة والعاصمة العُمانيّة مسقط، وذلك بعدما زار وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان إلى فرنسا، وبعدما التقى بن فرحان في طهران.
عبد اللهيان التقى في الدّوحة أمير دولة قطر الشّيخ تميم بن حمد آل ثاني، ونظيره القطري الشّيخ محمّد بن عبد الرّحمن.
وفي مسقط التقى نظيره العُمانيّ بدر البوسعيدي والمُتحدّث باسم الحوثيين محمّد عبد السّلام، وأبلغ الأخير ما اتّفقَ عليه مع نظيره السّعوديّ في طهران حول ضرورة التزام الحوثيين بوقف دائم لإطلاق النار قبل نهاية العام الجاري، والاتجاه نحول حلّ سياسي دائم.
في العاصمتيْن اقتصرت الإيجابية على الملفّ النوويّ وتبادل السّجناء مع الغرب. تُتابع مسقط والدّوحة تنشيط الاتصالات المُباشرة وغير المُباشرة بين طهران وواشنطن. وقد نجحَتا في جمع الإيرانيين والأميركيين في مسقط، كما نجحت الوساطات في عقد 4 اجتماعات بعيداً عن الإعلام بين مندوب إيران في الأمم المُتحدة أمير سعيد ايرواني والمبعوث الأميركيّ إلى إيران روبرت مالي في نيويورك.
تشير مصادر “أساس” إلى أنّ الأسابيع المُقبلة تحملُ انفراجات جديدة في ملفّ السّجناء الغربيين، إذ تعمل إيران على إطلاق سراح 4 مُعتقلين فرنسيين، في مُقابل أن تتجنّب باريس “الخطاب المُتوتّر” تجاه إيران، وأن تعمل على الحدّ من عمل مُنظّمة مُجاهدي خلق المُعارضة، التي تتخذُ من العاصمة الفرنسيّة مقرّاً لها. وهذا ما حصلَ يوم الثّلاثاء، إذ منَعت الشّرطة الفرنسيّة تجمّعاً للمُعارضين الإيرانيين في باريس، واعتلقَت بعضاً منهم بحجّة “أنّ التّظاهرة قد تتعرّض لهجومٍ إرهابيّ”.
إقرأ أيضاً: لبنان “المُتخلّف” 4 سنوات… عن تقويم المنطقة
هذه الإيجابيّات قد تنعكس إيجاباً أيضاً على الاتفاق النّوويّ مع إيران، الذي تحتاجه إدارة بايدن قبل موعد الانتخابات، وإن كانَ اتفاقًا غير معُلنٍ يكبح جماح تخصيب اليورانيوم في إيران، إلى حين فرز أصوات النّاخبين الأميركيين في تشرين الثّاني 2024.
في الجزء الثاني غداً:
فرنسا تبني المفاعل النووي السعودي؟
لمتابعة الكاتب على تويتر: IbrahimRihan2@