روسيا والمثليّة الجنسية: ما قصة “المليار الذهبيّ”؟

مدة القراءة 6 د

وافق مجلس النواب الروسي (الدوما)، يوم الأربعاء الماضي، على قانون يمنع تغيير الجنس من خلال إجراء جراحة أو ضمن سجلّ النفوس، وذلك في مؤشّر إلى تشدّد الكرملين في توجّهاته المحافظة، ليس فقط في رفض المثليّة، وإنّما في محاربتها باعتبارها “خطراً داهماً” على المجتمع الروسي، وما يشبه “حصان طروادة” يستطيع الغرب من خلاله اختراق المجتمع وزرع جواسيسه في الداخل الروسي.

يفرض القانون الجديد حظراً شاملاً على التدخّلات الطبّية الهادفة إلى تغيير الجنس، لكنّه يلحظ استثناءات تسمح بهذا النوع من التدخّل الجراحي في حالات التشوّهات الخلقية في تكوين الأعضاء التناسلية عند الأطفال، لكنّ العمليات المشابهة تتطلّب موافقة حكومية. 

يقول زعيم الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو البطريرك كيريل الأول إنّ فكرة زواج المثليّين هي “إشارة بالغة الخطورة إلى قيام الساعة”

هذه الخطوة، بحسب رؤساء الكتل النيابية الرئيسية، “تستند إلى الدستور” الذي يدافع عن “القيم العائلية التقليدية”، ويحدّد الزواج بأنّه “ارتباط بين رجل وامرأة” فحسب.

من جهته، اعتبر نائب رئيس مجلس الدوما بيوتر تولستوي، مثلاً، أنّ الدوما “يحافظ بذلك على روسيا بقيمها الثقافية وأسسها التقليدية لأحفادنا”، ويضع حاجزاً لـ”منع دخول أيديولوجية الغرب المعادية للأسرة”. 

هذا وترى روسيا أنّ البلاد تشهد تطوّراً ملحوظاً في عمليات تغيير الجنس التي تشمل أطباء “غير نزيهين” وعلماء نفس وشبكات من منظّمات يقودون نشاطاتهم “المدمّرة” ضدّ المراهقين وعنصر الشباب. 

لهذا تتّحد السلطات الروسية مع الكنيسة الأرثوذكسية لزيادة منسوب الترويج لسياسات محافظة أخلاقياً، بمواجهة الدول الغربية التي يصوّرها الطرفان بأنّها “منحطّة”. 

على مدى سنوات قاومت الحكومات الروسية المتعاقبة مسيرات المثليّين، على الرغم من تغريم المحاكم الأوروبية لحقوق الإنسان روسيا منذ عام 2010. وأخيراً رفضت العاصمة موسكو 100 طلب لتنظيم مسيرات للمثليّين، وبرّرت السلطات في موسكو رفضها لذلك بـ”خطر تعرُّض المشاركين للعنف” بسبب رفض الروس لهذا النوع من التجمّعات.

روسيا المحافظة… مسيحيّاً وإسلاميّاً

يُنظر إلى روسيا أنّها بلد محافظ يعتنق الديانة الأرثوذكسية بنسبة تزيد على 50%، ولا تعتمد الانفتاح الذي تتّبعه مثيلاتها في الدول الأوروبية وفي الولايات المتحدة.

إلى جانب المسيحية هناك الديانة الإسلامية، التي تُعتبر ثاني أكبر ديانة في روسيا مع ما يقترب من نحو 17 مليون مسلم (14% من الروس)، وهم بدورهم محافظون، بل متشدّدون أحياناً عندما تدعو الحاجة، خصوصاً حينما يتعلّق الأمر بالتعاليم الإسلامية.

ترى روسيا أنّ الغرب لا يكتفي بوجود الشذوذ واقعاً، وإنّما يسعى إلى البحث له عن قوانين من خلال منظومات تشريعية متكاملة تضمن له عدم التعرّض والملاحقة. وبذلك تصبح هذه الفئة مؤثّرة في بيئتها وفي رسم المعادلات السياسية، فتتحوّل إلى أداة لضرب الخصوم والأعداء على السواء

‎يقول زعيم الكنيسة الأرثوذكسية في موسكو البطريرك كيريل الأول إنّ فكرة زواج المثليّين هي “إشارة بالغة الخطورة إلى قيام الساعة”.

جعل هذا الواقع روسيا عرضة للانتقادات ومحطّ اتّهامات غربية بقمع المثليّين جنسياً والتمييز الاجتماعي ضدّهم. لكنّ السياسة التي تطبّقها موسكو يوافق عليها أكثرية المواطنين الروس، كما تؤيّد الأغلبية الساحقة من السكّان القوانين المتعلّقة بالمثليّة، إذ تشير استطلاعات الرأي، التي أجرتها العديد من المؤسّسات داخل روسيا، إلى وجود أغلبية ترفض تقبّل المثليّة وقوانين تمييز المثليّين.

جعلت استماتة الغرب للتبشير بالمثلية الجنسية المراقبين في حيرة إزاء الأسباب الحقيقية والأهداف من وراء هذه الحملات التي وصلت بالغرب، في بعض الحالات، إلى فرض المظاهر المثليّة بالقوّة وفي كلّ المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، بل حتى وصل الأمر به إلى معاقبة المعارضين!

خطر استخباراتيّ… لبلوغ “المليار الذهبيّ”؟

تعتبر الأوساط الروسية أنّ الشذوذ هو السبب الرئيسي لانتشار الأمراض الخطيرة، مثل الإيدز والسيلان والزهري وجدري القرود الذي ظهر أخيراً، ومن هذا المنطلق تعتبر أنّ محاربة الشذوذ ضرب من ضروب “الوقاية الاستباقية” للمجتمع الروسي.

ترى الأوساط نفسها أنّ الدعم الغربي للمثليّة والشذوذ يأتي ضمن “خطة ممنهجة” تهدف إلى تقليص عدد سكّان الأرض، وضرب خصوبة الجنس البشري، وصولاً إلى “المليار الذهبي” (عدد سكّان الأرض). يعني بلوغ هذا الرقم التقليل من التكاثر قدر المستطاع. فمن خلال المثلية ستتراجع الخصوبة في الدول، إن كان في الدول النامية التي تهدّد العالم المتحضّر بالهجرة والأزمة، أو في الدول المتحضّرة الغربية حيث ستتراجع الميزانيّات والمصاريف الاجتماعية وأكلاف التقاعد والطبابة.

هذه النظرية اعتبرها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قبل نحو سنة التفسير الوحيد لدعم الغرب للمثليّة، إذ قال إنّ التفسير الوحيد لهذا الدعم ينطلق من نظريات بعض الفلاسفة التقدّميين، الذين يعتقدون أنّ “المليار الذهبي” سيقرّر مصير القضايا السياسية، لأنّ الموارد لن تكفي بأيّ حال من الأحوال.

إلى هذا تتّهم روسيا الغرب من خلال دعمه لهذه المظاهر بمحاولة خلق فرص اقتصادية جديدة بغية البحث عن منافع مادّية لأنّ المثليّة والشذوذ قادران على خلق استثمارات جديدة تدرّ على الشركات الغربية أموالاً طائلة، سواء عبر الجمعيات أو المنظّمات التي تعمل على الترويج لها، أو من خلال الأعمال الدعائية والتجارية، لأنّ القدرة الشرائية لهذه الفئة قويّة ومتطلّباتهم متنوّعة وعديدة. فانتشار المثليّة يعني انتشار نوادٍ ومطاعم ومقاهٍ، وألبسة ومستحضرات ولوازم خاصة بالمثليين. وهذا كفيل بخلق استثمارات جديدة متمايزة تعيد “إنعاش” الرأسمالية بواسطة عناوين ومضامين جديدة.

يكمن الخوف الروسي الأكبر من انتشار هذه الظواهر في التركيبة البيولوجية لهذه الفئة من البشر. إذ تعتبر روسيا أنّ دعم هذه الفئة من الأشخاص المضطهَدين والمنبوذين في مجتمعاتهم وبلدانهم سيسهّل استخدامهم مع الوقت، وسيجعلهم “حصان طروادة” يمكن استخدامه استخباراتياً في “مهمّات خاصة” أبعد من التحرّكات الاجتماعية، قد تصل إلى حدود دفعهم إلى مناهضة الحكومات وافتعال الأزمات تحت مسمّيات الحقوق.

إقرأ أيضاً: كوسوفو: الفتيل لن يشتعل

تقول الإحصاءات إنّ بين 3% و5% من سكّان العالم لديهم استعدادات سلوكية للاستجابة لمؤثّرات خارجية تدفعهم إلى الوقوع في المثلية الجنسية، وبالتالي تنظيم ورعاية هذه النسب المتواضعة والدفع إلى منحها حقوقها وحمايتها ستجعل أيّ جهة داعمة لها قادرة على التحكّم بها والسيطرة عليها… ثمّ توجيهها.

لهذا ترى روسيا أنّ الغرب لا يكتفي بوجود الشذوذ واقعاً، وإنّما يسعى إلى البحث له عن قوانين من خلال منظومات تشريعية متكاملة تضمن له عدم التعرّض والملاحقة. وبذلك تصبح هذه الفئة مؤثّرة في بيئتها وفي رسم المعادلات السياسية، فتتحوّل إلى أداة لضرب الخصوم والأعداء على السواء.

*كاتب لبناني مقيم في موسكو

مواضيع ذات صلة

الصراع على سوريا -2

ليست عابرة اجتماعات لجنة الاتّصال الوزارية العربية التي عقدت في مدينة العقبة الأردنية في 14 كانون الأوّل بشأن التطوّرات في سوريا، بعد سقوط نظام بشار…

جنبلاط والشّرع: رفيقا سلاح… منذ 100 عام

دمشق في 26 كانون الثاني 2005، كنت مراسلاً لجريدة “البلد” اللبنانية أغطّي حواراً بين وليد جنبلاط وطلّاب الجامعة اليسوعية في بيروت. كان حواراً باللغة الفرنسية،…

ترامب يحيي تاريخ السّلطنة العثمانيّة

تقوم معظم الدول التي تتأثّر مصالحها مع تغييرات السياسة الأميركية بالتعاقد مع شركات اللوبيات التي لها تأثير في واشنطن، لمعرفة نوايا وتوجّهات الإدارة الأميركية الجديدة….

الأردن: 5 أسباب للقلق “السّوريّ”

“الأردن هو التالي”، مقولة سرت في بعض الأوساط، بعد سقوط نظام بشار الأسد وانهيار الحكم البعثيّ في سوريا. فلماذا سرت هذه المقولة؟ وهل من دواعٍ…