البطريرك يطالب بتحييد لبنان… والسيّد يعلن تحييد إيران

مدة القراءة 6 د


في خضمّ الحرب ضدّ غزّة طرح بعض المناصرين للحزب السؤال عن “الحياد البطريركي”. اعتقدوا أنّ البطريرك الماروني بشارة الراعي يحيّد نفسه عن هذه الحرب التي تفتك بأهل غزّة. في حين أنّه ومن روما حيث كان يشارك في أعمال سينودس أساقفة الكنيسة الكاثوليكيّة الذي استمرّ طوال شهر تشرين الأول، أعلى الصوت ضدّ هذه الحرب الوحشيّة. وطالب المجتمع الدوليّ بالتحرّك لإنقاذ الفلسطينيين من حرب الإبادة.

الكنيسة تُناصر “غزّة الجريحة”

من بكركي جدّد البطريرك المارونيّ في قدّاس الأحد استنكاره لما يحدث “في غزّة الجريحة”. وكرّر دعوته في افتتاح مجلس البطاركة والاساقفة الكاثوليك المنعقد في بكركي لمدّة اسبوع، فقال: “نجتمع وشبحُ الحرب الدائرة بين إسرائيل والفلسطينيين جاثم على حدودنا الجنوبية. وفيما نستنكر بشدّة هذه الحرب الإبادية والمدمِّرة والتهجيرية بحقّ الشعب الفلسطيني، فإنّنا نتضامن معهم وندافع عن قضيّتهم ونساند الحلّ بإنشاء الدولتَين، ونطالب المجتمع الدولي بالعمل على إيقاف هذه الحرب وما تنطوي عليه من قتل وتدمير وتهجير وتدنيس للأرض التي قدّسها المسيح الفادي بأقدامه وغسلها بدمه المُراق على الصليب”.

هدف الحزب واضح، وهو إعطاء بعد سنيّ للمواجهة. يبدو أنّه نجح في ذلك بعد كلام مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان

البطريرك يطالب بتحييد لبنان

فيما يعمل الحزب على استجلاب الحرب الإسرائيليّة ضدّ غزّة إلى لبنان، ناشد الراعي “المسؤولين في الدولة اللبنانية العمل على تحييد لبنان عن ويلات هذه الحرب المدمِّرة، وعلى القيام بدوره السياسي والدبلوماسي الداعم للقضية الفلسطينية، وهو أجدى. وذلك في التمسّك بتطبيق قرار مجلس الأمن 1701 الذي يأمر إسرائيل والحزب بالوقف الفوري لكلّ الهجمات والعمليات العسكريّة من الجانبين”.

لا يشبه طلب البطريرك تحييد لبنان من قريب ولا من بعيد ضغوطات الأميركيين والفرنسيين وغيرهم في هذا الاتّجاه. فهؤلاء يريدون تحييد لبنان خدمة لإسرائيل بهدف عدم تشتيت قواها العسكريّة في حربها التدميريّة في غزّة. بيد أنّ مطالبة البطريرك تأتي انسجاماً مع اقتراح حياد لبنان الذي طرحه منذ سنوات وإنقاذاً لما بقي من دولة ومؤسّسات وشعب واقتصاد ومجتمع في لبنان. إذ كيف للبنان أن “يخوض مغامرة حرب ولا سلطة فيه؟ موقع رئاسة الجمهوريّة فارغ منذ أكثر من سنة. والحكومة عاجزة عن الاضطلاع بمسؤوليّاتها كاملة لأنّها حكومة تصريف أعمال. والمجلس النيابيّ لا يقوم بواجبه كما يجب لأنّه “هيئة ناخبة” في ظلّ شغور في موقع الرئاسة، وبسبب الانقسام الحاصل حول انعقاد جلساته”، تسأل مصادر كنسيّة.

تضيف المصادر المشاركة في اجتماعات مجلس الأساقفة والبطاركة الكاثوليك: “لماذا على لبنان الانخراط وحده من بين الدول العربيّة في هذه الحرب؟”. وتسأل المصادر: “ماذا عن سوريا؟”. فهي لم توقّع اتفاق سلام مع إسرائيل كغيرها من دول الطوق. ولها أرض محتلّة في الجولان. وتتعرّض منذ سنوات لغارات سلاح الجوّ الإسرائيليّ. ومنذ اندلاع حرب غزّة قصف هذا السلاح مطارَي دمشق وحلب مرّتين. وأخرجهما من الخدمة. ولم يصدر عن نظام بشّار الأسد “الممانع” أيّ دعم عسكريّ ولا سياسيّ نصرة لغزّة”.

لا يعني كلام المصادر الكنسيّة أبداً رغبة الكنيسة في توسّع الحرب. فالكنيسة داعية سلام. هذا ما عبّر عنه البابا فرنسيس من الفاتيكان والبطريرك الراعي من بكركي بالقول: “في الحرب الجميع خاسرون”.

في مقابل تحييد إيران يعمل الحزب منذ 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) على توريط لبنان وسُّنّته في الحرب

السيّد يعلن تحييد إيران

تعرف المصادر الكنسيّة أنّه ليس للدول العربيّة الانخراط في حرب خطّطت لها إيران وقرّرتها من أجل أهداف لها في المنطقة. وها هي تدفع بلبنان للانخراط فيها من خلال المواجهات في الجنوب بين الحزب والجيش الإسرائيليّ، في حين أنّ الأمين العام للحزب أعلن عدم تورّط إيران في هجوم حماس.

في إطلالته قال نصرالله إنّ عمليّة “طوفان الأقصى” كان قرارها “فلسطينياً مئة في المئة، وكان تنفيذها فلسطينياً مئة في المئة، وأخفاها أصحابها عن الجميع”. وأضاف: “هذا الأداء من الإخوة في حماس أكّد الهويّة الحقيقيّة للمعركة، وقطع الطريق على تزييف وتحريف الأعداء بالحديث عن علاقات فصائل المقاومة الإقليميّة”. وتابع: “عادة عندما تصير معركة معيّنة في لبنان وفلسطين يقولون من باب الكذب والتضليل إنّها لخدمة إيران وأهدافها”.

وهنا نسأل: “لماذا لم تقُم حماس بهجومها قبل إعادة ترتيب علاقاتها مع الحزب التي كانت قد تراجعت على خلفية الحرب في سوريا؟ ولماذا سعى نصرالله شخصياً إلى مصالحة الحركة مع النظام السوريّ؟ ولماذا زار قائد فيلق القدس قاآني لبنان منذ حوالي سنة وعقد “جلسات سرّية مع قادة حماس والحزب؟”، كما كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأميركيّة في تقرير نشرته في 13 تشرين الأول. وأضاف التقرير أنّه خلال العام الماضي، “كانت هناك دلائل على أنّ إيران ووكلاءها يستعدّون لاتخاذ نهج أكثر عدوانية تجاه إسرائيل”.

ما ورد في تقرير نيويورك تايمز أكّدته أقوال مقاتلي حماس الذين اعتقلتهم إسرائيل. فقد اعترف هؤلاء بأنّهم تدرّبوا على العملية الأخيرة لمدّة عام.

السيّد يتّفق مع الأميركيّين والإسرائيليّين

كلام “السيّد” عن عدم وجود أيّ دور لإيران في هجوم حماس يتّفق مع تصاريح الأميركيّين والإسرائيليّين. فبعدما أعلن أكثر من مسؤول أميركيّ عدم تورّط إيران قال المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي، نير دينار، إنّ “المخابرات الإسرائيلية ليست لديها أيّ معلومات تفيد بأنّ إيران هي التي بادرت أو شاركت أو ساعدت بشكل مباشر في الهجوم المروّع”، عِلماً أنّ المسؤول الإسرائيلي عاد وقال إنّه “من ناحية أخرى.. من السذاجة الاعتقاد بأنّ الموجودين في طهران استيقظوا صباح السبت وفوجئوا بسماع أخبار ما حدث”.

إقرأ أيضاً: لبنان من “مرج زهور” رفيق الحريري… إلى النصف حرب

الحزب يورّط السُّنّة في لبنان

في مقابل تحييد إيران يعمل الحزب منذ 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) على توريط لبنان وسُّنّته في الحرب. لم يكتفِ بإطلاق المواجهة العسكريّة مباشرة معها، إنّما فتح الجبهة الجنوبيّة أمام فصائل سنّيّة فلسطينيّة ولبنانيّة. فقامت كتائب القسّام، الجناح العسكريّ لحركة حماس، بإطلاق الصواريخ والمسيّرات باتجاه إسرائيل. كما شاركت في المواجهة “سرايا القدس” التابعة للجهاد الإسلاميّ و”قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلاميّة.

هدف الحزب واضح، وهو إعطاء بعد سنيّ للمواجهة. يبدو أنّه نجح في ذلك بعد كلام مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان الذي أعلن أنّ “الدفاع عن الأرض والعرض والدم هو واجب دينيّ ووطنيّ وإنسانيّ، ولن نسمح أن يستمرّ الاحتلال بالعدوان على أهلنا وشعبنا بشتّى الطرق العسكريّة والدبلوماسيّة…”، ووجّه “تحيّة إكبار واحترام وتقدير لأهلنا في فلسطين وجنوب لبنان الصامدين الصابرين والمدافعين عن أرضهم في مواجهة غطرسة العدوّ وآلته العسكرية الإرهابية”.

مواضيع ذات صلة

حلب تعكس عمق مأزق إيران والحزب… والنّظام السّوريّ

يرفض الحزب أخذ العلم بما حلّ به وبلبنان. يصرّ على أنّه حقّق انتصاراً على إسرائيل متجاهلاً كلّ ما له علاقة بالواقع. يشير هذا التجاهل للواقع…

إيران في سوريا: العسل المرّ

منطق “شرعيّة” وجود مجموعات الحزب والميليشيات الإيرانية على الجبهات في سوريا يقول إنّ النظام في دمشق هو من طلب. وإنّ هذه القوى هي التي استجابت….

7 عسكريين إسرائيليين يجيبون: لماذا لم “نقضِ” على الحزب؟

خاضت إسرائيل الحرب ضدّ الحزب في لبنان تحت عنوان سياسي كبير: “إضعاف إيران يبدأ بإضعاف أذرعها”. وكان أوّل أهدافها السياسية المباشرة تفتيت “وحدة الساحات”، وعزل…

سوريا: أخطاء الأسد… أعادت المتطرّفين

أخطأ الرئيس بشار الأسد عندما تصرّف وكأنّه المنتصر في الحرب قبل أن تضع أوزارها ويستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية. اتّكأ على إيران وروسيا أكثر…