كانت لافتةً الدراسة “القانونية” التي تمّ تداولها للمحامي عبده جميل غصوب تعليقاً على قرار الصرف من الخدمة الذي أصدره المجلس التأديبي للقضاة المؤلّف من القضاة جمال الحجار رئيساً وأيمن عويدات وميرنا بيضا عضوَين، والذي قضى بصرف النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان غادة عون من الخدمة.
تكتيكات عسكريّة لدراسة قانونيّة
اللافت في تلك الدراسة أنّها اعتمدت تكتيكات أشبه أكثر بتلك التي تُستخدم في المعارك العسكرية منها بتلك المستخدمة في النزاعات القضائية، عبر ما يُشبه نصب الكمائن والفِخاخ التي تجلّت في محاولة المحامي غصوب استدراج النيابة العامّة التمييزية إلى إقحام نفسها في مسار تنفيذ قرار المجلس التأديبي في حين أنّ أيّ مادّة في قانون تنظيم القضاء العدلي لا تنصّ على أيّ دور لها في تنفيذ مثل هذا القرار.
اللافت أيضاً أنّ تلك الدراسة لم تكتفِ بعملية الاستدراج المكشوفة، بل وإن نجحت في أن تخفي في مفرداتها عملية الإلهاء وتحييد أدوار المراجع المختصّة فعلاً في إعطاء قرار المجلس التأديبي مفاعيله الفورية، وبالتالي وقف القاضية عون عن العمل، إلّا أنّه ليس من الصعب حتى من دون تمعّن اكتشاف عملية التحييد بين سطور الدراسة أو المناورة التي قام بها المحامي غصوب.
اللافت في تلك الدراسة أنّها اعتمدت تكتيكات أشبه أكثر بتلك التي تُستخدم في المعارك العسكرية منها بتلك المستخدمة في النزاعات القضائية
التحييد الذي قصده جيّداً المحامي غصوب طال تحديداً مراجع ثلاثة: رئيس التفتيش القضائي ووزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وليس من الصعب فهم خلفيّة هذا التحييد متى نظرنا إلى محاولة الاستثمار مذهبياً وطائفياً للقرار الصادر بحقّ القاضية غادة عون لحَرف النظر عن المخالفات التي تناولها القرار والتي أفضت إلى صرفها من الخدمة.
دسّ السّمّ في العسل
لن نشارك المحامي غصوب اعتباراته في التحييد، فنحن لا نرى أنّ النائب العامّ التمييزي القاضي غسّان عويدات سنّيّ، ولا نرى أيضاً أنّ كلّاً من وزير العدل ورئيس هيئة التفتيش بالإنابة، الذي أُحيل على التقاعد قبل أيّام، ورئيس مجلس القضاء الأعلى من الطائفة المارونية الكريمة، وبالتالي ليس من حرج على أيّ مرجع من بين تلك المراجع أن يتحمّل مسؤوليّته من دون أن يرميها على الآخرين. فليس قرار المجلس التأديبي بصرف القاضية غادة عون أوّلَ قرار صرف لقاضٍ يصدر عن هذا المجلس، بل ثمّة قرارات عدّة صرفت قضاةً من عدّة مذاهب وطوائف، فالمجلس التأديبي ينظر في مخالفات القاضي وليس في طائفته.
بأيّ حال، وما دام المحامي عبدو غصوب يبدي في دراسته حرصاً كبيراً ويولي أهميّةً كبيرةً لتنفيذ قرار الصرف الصادر بحقّ القاضية غادة عون من دون تأخير، فالأجدر دعوته، سواء بصفته القانونية أو بصفته مواطناً صالحاً، إلى أن يتقدّم من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود ورئيس هيئة التفتيش القضائي بالإنابة القاضي مالك صعيبي ووزير العدل القاضي هنري خوري، بطلب تطبيق المادّة 90 من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تنصّ على أنّه “لوزير العدل أن يوقف عن العمل بناء على اقتراح مجلس هيئة التفتيش القضائي، القاضي المُحال على المجلس التأديبي. يتقاضى القاضي الموقوف عن العمل نصف رواتبه وتعويضاته”، خصوصاً أنّه سبق لرئيس هيئة التفتيش بالإنابة أن اقترح ولوزير العدل هنري خوري أن استجاب لاقتراحه بوقف قضاة عن العمل عند إحالتهم إلى المجلس التأديبي، وهو ما ينطبق على القاضية غادة عون التي تجاوز وضعها القانوني الإحالة، بل إنّ هذه الإحالة قد اقترنت بقرار صرف من الخدمة، مع التأكيد أنّ قراراً كهذا ليس من شأنه أن يعالج شوائب كثيرة طبعت عمل القاضية غادة عون قبل وبعد إحالتها إلى المجلس التأديبي، لكن من شأن تحمّل التفتيش القضائي ووزير العدل مسؤوليّاتهما ولو متأخّرين أن يبثّ التفاؤل على قاعدة المثل القائل: “أن تأتي متأخّراً خيرٌ من أن لا تأتي أبداً”.
إقرأ أيضاً: من هو “الرجل” الذي طرد غادة عون؟
الجدير بالذكر أنّ المحامي عبده جميل غصوب سبق له أن أصدر دراسة قانونية في شهر كانون الثاني 2023 تفيد أنّ المحقق العدلي قاضي تحقيق وقاضي ملاحقة في آن واحد. مفتياً بعودة القاضي طارق البيطار الى ممارسة مهامه رغم دعاوى الرّد المقدمة بحقه. معتبراً أنّ المحقق العدلي هو قاضي تحقيق وقاضي ملاحقة في آن واحد، وهو ما أثار اشتباكاً قضائياً كبيراً حول عدم صوابية هذه الدراسة من الجهة القانونية، خصوصاً أنها تخالف اجتهادات مراجع قضائية أعلى من المحقق العدلي ومنها محكمة التمييز الجزائية والهيئة العامة لمحكمة التمييز.
* مرفق pdf دراسة المحامي غصوب.