يتوجّه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع في 6 حزيران المقبل لانتخاب ثالث مجلس في أربع سنوات. الظاهرة غير صحيّة على الإطلاق، إلّا أنّ القيادة السياسية في الكويت، عبر الخطابات التي ألقاها وليّ العهد الشيخ مشعل الأحمد باسمه أو نيابة عن أمير الدولة الشيخ نوّاف الأحمد، ترمي الكرة دائماً في ملعب الشعب الكويتي بصفة كونه مصدر السلطات. تفعل ذلك لتصحيح التمثيل النيابي كلّما اقتضى الأمر وانسدّت آفاق التعاون بين المجلس والحكومة.
كان مجلس 2020 الذي رأسه مرزوق الغانم ساحة قتال بين مجموعة نيابية اعتبرت أنّ الوقت مناسب لها لتغيير المنظومة السياسية القائمة بين برلمان معروفة توجّهاته وحكومة يرأسها صباح الخالد. واجهت الحكومة الكثير من التحدّيات، أهمّها مواجهة جائحة “كوفيد – 19” وما رافقها من شلل كامل ضرب الاقتصاد وعطّل تقريباً مختلف المرافق العامّة والخاصّة.
هذه المجموعة النيابيّة، التي يُقال إنّ تناغماً حصل بينها وبين أقطاب من خارج البرلمان، استطاعت شلّ السلطة التشريعية تماماً، وجلس أعضاؤها في مقاعد الوزراء وعطّلوا الجلسات ودخل بعضهم بميكروفونات أسواق بيع الجملة في الساحات إلى قاعة عبد الله السالم (قاعة البرلمان)… واستكملت تحرّكها باعتصام لعدد من النواب باتوا في المجلس تحت عنوان “رحيل الرئيسين”، أي مرزوق الغانم وصباح الخالد.
كان لهؤلاء ما أرادوا، خصوصاً أنّ القيادة الكويتية لم ترَ سبيلاً للخروج من الأزمة غير العودة للانتخابات. حرص وليّ عهد الكويت على دعوة الشعب الكويتي إلى حسن اختيار ممثّليه، واعتذر صباح الخالد عن عدم تولّيه رئاسة الحكومة مجدّداً، كذلك فعل الشيخ الدكتور محمد الصباح، فتمّ تكليف الشيخ أحمد النواف ابن الأمير الذي شغل منصبَي نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية تشكيل حكومة رافقت مجلس 2022 الذي فازت بغالبية مقاعده المعارَضة، وبينها تمثيل إسلامي كبير جمع بين الإخوان والسلف والقبليّين، وحتى من الجانب الشيعي كان التمثيل كبيراً وأكثر من ذي قبل. لم يترشّح مرزوق الغانم للانتخابات وفاز برئاسة المجلس المخضرم أحمد عبد العزيز السعدون.
يتوجّه الكويتيون إلى صناديق الاقتراع في 6 حزيران المقبل لانتخاب ثالث مجلس في أربع سنوات
لم تمضِ أسابيع حتى ظهرت الأمور على حقيقتها. بدت الكتل البرلمانية وكأنّها أحزاب منقسمة لكلّ منها أولويّته. كتلة ترى أنّ أسلمة المجتمع أولويّة، وغالبية أعضائها وقّعوا على “وثيقة القيم” التي يصفها معارضوها بأنّها وثيقة قندهار، وتدعو إلى منع الاختلاط في الجامعات والمؤسّسات وإقفال المسابح المختلطة وغيرهما من الأمور. كانت هناك كتلة ترى أنّ البرامج الشعبوية مثل إسقاط القروض أولويّة، وأخرى ترى في ضرب غرفة التجارة أولويّة، وكتلة ترى في إقرار قانون العفو أولويّة، وأخرى تريد تعديل النظام الانتخابي. ونظراً إلى أنّ صوت القوانين الشعبوية أعلى ويدغدغ عواطف الكويتيين، مثل إسقاط القروض ورفع الرواتب، كان لا بدّ من حصول صدام مع حكومة لا تملك أن تضرّ بالموازنة العامة للدولة، فما يصحّ في الندوات والوعود الانتخابية لا يستقيم في الميزان العلمي.
حصل الصدام وعلت أصوات نواب مجلس 2022 ضدّ أحمد النواف رئيس الحكومة، وتمّ تهديده بالاستجواب. قُدّم فعلاً استجواب لعدد من الوزراء فرفض أحمد النواف حضور الجلسات فترة طويلة، ثمّ قدّم استقالة حكومته. في هذه الأثناء حكمت المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم حلّ مجلس 2020 وأمرت بإبطال مجلس 2022 والعودة إلى المجلس الذي يرأسه مرزوق الغانم وسط مطالبات من الجميع بمن فيهم معسكر الغانم بحلّ المجلس والعودة إلى الإرادة الشعبية لتقرّر. أمّا المعارضون، من أعضاء مجلس 2022، فرفضوا قرار المحكمة وطالبوا بإبطاله وإعادة مجلسهم. بل ما زال نائب رئيس هذا المجلس محمد المطير يضع صفته في وسائل التواصل الاجتماعي التابعة له بأنّه “نائب رئيس مجلس الأمّة”.
دخلت الحياة السياسية في الكويت هنا بما يصفه المراقبون مرحلة عدم توازن. نواب 2022 المعارضون يضربون بالقضاء. نواب 2020 يريدون انتخابات جديدة مع مفوضية عليا لمراقبة نزاهتها لأنّ لديهم وثائق تثبت حصول تزوير في انتخابات 2022. خلافات بين مرزوق الغانم وأحمد النواف رئيس الحكومة لرفضه تأدية القسم أمام برلمان 2020 بحجّة أنّه منزوع الشرعية الشعبية. وكان لمرزوق الغانم طلّة إعلامية قويّة هاجم فيها أحمد النواف وقال إنّ عليه التزام الدستور والقوانين. لكنّ هجوم مرزوق أعاد النواب المعارضين للالتفاف حول رئيس الحكومة الذي كانوا يهاجمونه ليس حبّاً به إنّما كرهاً بمرزوق.
لم يكن أمام وليّ عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد، وسط هذا المشهد الذي يشلّ الحياة العامّة، إلّا أن يحلّ البرلمان مرّة أخرى انتصاراً لإرادة الشعب حسب كلامه، رابطاً بين أوضاع الداخل والخارج في مرسوم الحلّ قائلاً: “إنّ قرار الرجوع إلى الأمّة مصدر السلطات لتقرّر اختيار ممثّليها” جاء “احتكاماً إلى الدستور ونزولاً واحتراماً للإرادة الشعبية وصوناً للمصالح العليا للبلاد وحفاظاً على استقرارها”.
لم تمضِ أسابيع حتى ظهرت الأمور على حقيقتها. بدت الكتل البرلمانية وكأنّها أحزاب منقسمة لكلّ منها أولويّته
ما إن أُعلن مرسوم الحلّ حتى أعلن مرزوق الغانم نيّته الترشّح للانتخابات في تغريدة حصدت 4 ملايين مشاهدة خلال 8 ساعات، وهو ما يشي بأنّه مستعدّ للاحتمالات كلّها، فإمّا أن يصبح رئيساً للمجلس ويعيد رسم العلاقة مع السلطة التنفيذية، وإمّا يعود نائباً مع كتلة مؤيّدة، وبذلك ستحسب له الحكومة حسابات كثيرة.
الانتخابات بعد نحو شهر ستعيد الكويتيين إلى الصناديق لاختيار من يمثّلهم وترك من يمثّل عليهم، ولا شكّ في أنّ السؤال الأبرز هو عن صبر القيادة الكويتية التي ترى التعطيل في كلّ مكان والشلل في كلّ قطاع في بلد كان يسمّى درّة الخليج ومستشفى الخليج وجامعة الخليج وفنّ الخليج فإذا به في مؤشّرات التنمية في المرتبة المعاكسة لكلّ ذلك…
إقرأ أيضاً: “كسر عظم” في انتخابات الكويت
هل يتمّ إحداث صيغة تفصل بين المسار التنموي والمشاريع المستقبلية وبين العلاقة بين الحكومة والبرلمان؟ ربّما صار لزاماً عند صنّاع القرار الاستماع إلى دعوات تطوير الدستور بدءاً بنظام انتخابي جامع يُلزم المرشّحين برامج وطنية اقتصادية، وانتهاء بتنظيم العلاقة بين السلطات، مروراً بقيام مجلس شبيه بمجلس الشيوخ كي تنضبط وتتوضّح العلاقات بين السلطات على أن تمشي المشاريع قدماً إلى أمام.