إسرائيل: الجيش يحمي “الديمقراطية”.. بوجه نتنياهو؟

2023-08-06

إسرائيل: الجيش يحمي “الديمقراطية”.. بوجه نتنياهو؟


دخل  الكنيست الإسرائيلي عطلته الصيفية التي تستمر لمدة شهرين ، بعدما أقر قانون المعقولية الذي قسم الشارع  الإسرائيلي إلى نصفين.

بإقرار إسرائيل قانون تقليص “حجّة المعقولية” (هي حجّة تبنّاها القانون الإسرائيلي لمراقبة السلطة التنفيذية، تتيح لمحكمة العدل العليا التدخّل عندما يكون عمل السلطة التنفيذية غير معقول بشكل متطرّف، وبالتالي يحقّ لها إلغاء قوانين وقرارات إدارية بذريعة أنّها “غير معقولة”)، تكون الدولة العبرية قد دخلت مرحلة “الكهنوتية” السياسية، ولم يعد “المجمع الكهنوتي” مجرّد شريك فاعل في الحكم، وإنّما الحاكم الفعليّ لإسرائيل، الذي يسير كقطار سريع لحسم الثنائية الثقيلة، التي حملتها إسرائيل مبكراً بين الهويّة الدينية والهويّة العلمانية.

لم يعُد الحريديم والمتديّنون أشباحاً ثانويين في المجتمع الإسرائيلي كما كانوا في بداية تأسيس إسرائيل. فهم اليوم رؤساء وزارات الجيش والداخلية والتعليم، وهم اليوم يلفّون الحبل حول عنق إسرائيل العلمانية.

دخل  الكنيست الإسرائيلي عطلته الصيفية التي تستمر لمدة شهرين ، بعدما أقر قانون المعقولية الذي قسم الشارع  الإسرائيلي إلى نصفين

في المقابل، وصلت حركة التمرّد إلى صفوف الجيش، رفضاً لـ”الانقلاب القضائي”. المحلّل الفلسطيني والمتخصّص في الشأن الإسرائيلي، عاهد فروانة، يقول في حديث لـ”أساس”، إنّ “سيطرة التيار الديني بشقّيه الأرثوذكسي والقومي، وانتقاله من هامش الحياة السياسية إلى المركز، أشعل الضوء الأحمر في وجه الجنرالات الإسرائيليين، الذين قادوا حملة تمرّد واسعة، هي الأخطر في تاريخ المؤسّسة العسكرية، لأنّه لطالما سُمّي الجيش الإسرائيلي “بوتقة الصهر” التي تصهر كلّ التناقضات الأيديولوجية والتجاذبات السياسية والصراعات الحزبية والطائفية في إسرائيل، لكن أصبح يمثّل الآن أحد أضلع الأزمة في إسرائيل أو ربّما رأس الحربة فيها”.

لطالما تفاخر بنيامين نتانياهو بما سمّاه “نقاط القوّة الأربع لإسرائيل”، التي نسبها إلى نفسه وسياسته، وهي: القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة السياسية والقوة الناعمة، التي وصفها لخّصها بأنّها “الاندماج بين التراث اليهودي والتميّز الحالي”.

لكنّ نتانياهو، بتحالفه مع الحريديم، دمّر كلّ هذه النقاط. وبحسب المحلّل الإسرائيلي ألوف بن، فإنّ نتانياهو بنسخته الحالية يرعى فقط قوّة واحدة هي “التراث اليهودي”، وفق التفسير الأرثوذكسي والعنصري جدّاً، و”ذلك من أجل مصالحه الخاصة”.

بات نتانياهو يعوّل على المتديّنين الذين يتوالدون بكثرة ورهَن مستقبله السياسي بهم، وتحالف مع أشخاص يصرّون على دراسة التوراة، بدلاً من العمل أو الخدمة الإجبارية في الجيش. وقد حوَّل ميزانيات ضخمة للتعليم الحريدي التي بوساطتها سينمو جيل من الجاهلين والعاطلين عن العمل.

إطلاق يد “المتطرّفين” في الحكومة

يهدف الانقلاب القضائي، الذي يقوده الثالوث الجديد، وزير العدل ياريف لفين، ورئيس لجنة الدستور سمحا روتمان، بغطاء من نتانياهو، إلى إزالة الكوابح التي وضعتها المحكمة العليا وجهاز المستشار القانوني للحكومة أمام تطبيق حلم الدولة اليهودية الديكتاتورية.

يدرك التيار العلماني في إسرائيل أنّ الأمر لا يتعلّق بالقضاء، بل إنّ الثورة القضائية هي مفتاح الدخول نحو عالم مختلف ومتخلّف، ونحو نزع لباس العلمانية عن الدولة العبرية وإلباسها زيّ الحاخامات الأسود، وإقامة شريعة “الهالاخاة” (الشريعة اليهودية” بدل القوانين الوضعية) باعتبارها الهويّة الأكثر انسجاماً مع التكوين والثقافة اليهوديَّين والمبرّر لوجود إسرائيل في فلسطين.

الكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور إبراهيم الإبراشي يعتبر أنّ “ما تشهده إسرائيل هو تحوّل خطير نحو استيلاء التيار الديني على كلّ مفاصل الدولة في مواجهة التيار العلماني”، ويقول في حديث لـ”أساس” أنّ “هذا ما استفزّ حتى أقرب حلفاء إسرائيل. فواشنطن والاتحاد الأوروبي حذّرا تل أبيب من خطورة سيطرة الحريديم والمتديّنين على شكل ووظيفة الدولة العبريّة”.

لطالما تفاخر بنيامين نتانياهو بما سمّاه “نقاط القوّة الأربع لإسرائيل”، التي نسبها إلى نفسه وسياسته، وهي: القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة السياسية والقوة الناعمة، التي وصفها لخّصها بأنّها “الاندماج بين التراث اليهودي والتميّز الحالي”

لذلك أصبحت المؤسّسة العسكرية في تل أبيب تشكّل رأس حربة في دعم التظاهرات ضدّ الانقلاب القضائي، عبر إعلان قطاعات منها التوقّف عن الخدمة العسكرية، وهو ما يهدّد جدّياً بتفكّك الجيش الإسرائيلي. ووصلت الاحتجاجات ضدّ “إصلاحات” حكومة نتانياهو القضائية إلى أكثر الأماكن حساسية، إذ هدّدت مجموعة من كبار علماء الطاقة النووية بالاستقالة. وذكرت القناة الإسرائيلية الـ13 أنّ الحديث يدور عن عشرة خبراء نوويّين، معتبرةً أنّهم شخصيات تحمل على عاتقها “القدرات النووية الإسرائيلية”.

من جهتها، تحدّثت صحيفة “واشنطن بوست” في افتتاحيّتها عن أنّ “الأرض تتصدّع تحت أقدام نتانياهو”، و”يبدو أنّ نتانياهو اقترب من الجرف، فماذا بعد؟”. وعلّقت الصحيفة بأنّ نتانياهو وحلفاءه أثاروا أزمة سياسية ذات أبعاد هائلة، وربّما كانت الأكثر تأثيراً في تاريخ إسرائيل.

تفكّك الجيش.. سقوط الدولة؟

الكاتب الفلسطيني عبد المجيد سويلم يعتبر “الحديث عن تفكّك الجيش الإسرائيلي حالياً قد ينطوي على مُبالغات كبيرة، وأنّ خصوصيّة النظرة للجيش في المجتمع الإسرائيلي تُلقي بثقلها الكبير في “الوعي” الإسرائيلي، إلّا أنّ بعض المؤشّرات باتت بالمقابل تفرض نفسها على المراقب للوضع الإسرائيلي”.

لكن هل أصبح سيناريو الحرب الأهلية في إسرائيل قريباً؟ وهل وصل الشرخُ في المجتمع الإسرائيلي إلى مرحلة الاحتراب الداخلي بين الحارديم وبين العلمانيّين؟ وهل أصبح العدوُّ الرئيس للإسرائيليّين هو العدوّ الداخلي الإسرائيلي لا العدو الخارجي؟.

تعقيباً على ذلك يستذكر الكاتب الفلسطيني توفيق أبو شومر “قول الحاخام إبراهام كارليتس حينما التقى ديفيد بن غوريون رئيس وزراء إسرائيل الأوّل عام 1952 وقال له: نحن المتديّنين وأنتم اليساريّين شبيهان بعربتين التقتا عند جسرٍ ضيّقٍ، العربة الأولى هي عربة الحارديم المملوءة بالدين والتاريخ والتراث، والثانية عربتكم اليسارية الفارغة من الدين والتاريخ والتراث، لكنّ هذا الجسر لا يحتمل مرور العربتين في وقت واحد، لذا على العربة الفارغة أن تُفسح المجال لمرور عربة الحارديم المحمّلة بالدين والتاريخ”!

التهديد الداخلي… أخطر

لكن منذ متى كان الجيش الإسرائيلي حارس عتبة الديمقراطية في إسرائيل؟

إقرأ أيضاً: فتح المرونة والعقلانيّة والاعتدال… ماضياً وحاضراً

يجيب الكاتب الإسرائيلي ألوف بن: “لا توجد تناقضات كبيرة أكثر من التناقض بين الجيش، وهو تنظيم غير ديمقراطي بشكل واضح، وبين الديمقراطية. هل أصبحنا نشبه تركيا؟ أين بالضبط تعلّم الجنرالات لدينا الديمقراطية؟ في الثكنات؟ هل في قصبة نابلس؟ هل من خلال فرض الديكتاتورية العسكرية على الشعب الفلسطيني؟ وهو ما يشكّل أساس نشاطاتهم منذ عشرات السنين؟ وهل تعلّم جنرالات إسرائيل الديمقراطية من خلال المجازر ضدّ الفلسطينيين، والتصفيات والاعتقال السياسي والإداري، والحصار، والتحقيق تحت التعذيب؟ الآن الجنرالات هم رؤساء الاحتجاج الديمقراطي؟ إيهود باراك، ودان حالوتس نداف ارغمان، يورام كوهين ويوفال ديسكن يقفون الآن في واجهة النضال الديمقراطي بعدما وقفوا على رأس جهاز يعمل في الأراضي الفلسطينية بطرق الشتازي وهو جهاز المخابرات والشرطة السرّية في ألمانيا الشرقية”.

مواضيع ذات صلة

“الطّوفان” في لبنان.. من الإسناد إلى الحربِ الشّاملة

قبل سنةٍ بالتّمام والكمال استيقظَ العالم بأسره على مشاهِد من غزّة لم يكُن من السّهل تصديقها. مُقاتلون من حركة حماس يعبرون السّياج الأمنيّ الفاصل بين…

بين نيويورك والضّاحية: الجحيم يتكلّم!

شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه…

فرنسا تسابق الوقت: هل تنجح حيث فشل الأميركي؟

من المتوقع أن تشمل جولة وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في الشرق الأوسط بيروت في زيارة هي الثانية له بطلب من الرئيس إيمانويل ماكرون…

هوكستين غائب عن السّمع ومجلس الأمن معطّل والكلمة للميدان

البلد متروك لقدره. بهذه المعادلة البسيطة، القاسية بتداعياتها، يمكن اختصار حال الاتّصالات الدولية مع المسؤولين اللبنانيين حيال العدوان الإسرائيلي المتمادي. لا اتّصالات دولية جدّية قادرة…