وزير الدفاع الأوكرانيّ: المسلم الذي يثق به زيلينسكي

2023-09-07

وزير الدفاع الأوكرانيّ: المسلم الذي يثق به زيلينسكي


في 3 أيلول 2023، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تغييراً متوقّعاً لوزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف (57 عاماً)، بعد سريان تقارير عن فساد في المجهود الحربي، لا سيما في مراكز التجنيد الإجباري، حيث ثبت تزوير وثائق طبّية للتهرّب من القتال. لكنّ زيلينكسي زاد أمراً آخر لتبرير التغيير، وهو حاجة المعركة إلى مقاربات جديدة وأشكال أخرى من التواصل. وكانت المفاجأة تعيين التتريّ المسلم رستم عمروف ليكون وزيراً للدفاع في أدقّ مرحلة من الحرب الروسية الأوكرانية، وفي خضمّ الهجوم المضادّ الأوكراني المنطلق منذ حزيران الماضي، والذي ما يزال يعاني من صعوبات ميدانية جمّة. فما هي المميّزات التي يتمتّع بها عمروف حتى جيء به إلى هذا المنصب؟ وما هي مآلات وصول أوّل مسلم إلى هذا المنصب الرفيع، لا سيّما في هذه الأيام العصيبة؟ إنّ نظرة متأمّلة في سيرة الرجل وكفاياته ومهاراته ونشاطاته، تجعل منه مرشّحاً غير اعتيادي لدولة ينخرها الفساد منذ عقود، وتعيش أزمة هويّة وتداخل تاريخي وجغرافي وثقافي مع روسيا جارتها (شقيقتها) الكبرى، وأزمة جيوبوليتيكية عويصة تهدّد مصيرها كدولة مستقلّة.

رجل لكل الفصول
تقول صحيفة “كييف بوست kyiv Post” تحت عنوان: “رجل لكلّ الفصول، رستم عمروف خيار زيلينسكي كوزير للدفاع“، إنّ وزير الدفاع الجديد يبلغ من العمر 41 سنة، (عمر زيلينسكي 45 سنة). ولد في سمرقند بأوزبكستان السوفيتية، حيث كانت أسرته تعيش في المنفى مع 200 ألف تتريّ، بأوامر من ستالين عام 1944. عاد إلى شبه جزيرة القرم مع أسرته وهو صغير. هو رجل أعمال ناجح، انخرط في شؤون القرم كمستشار لمصطفى جمليف، الزعيم التاريخي لتتر القرم، وعضو البرلمان الأوكراني. وبعد ضمّ روسيا للقرم عام 2014، أضحى عمروف مشرفاً بالشراكة على مبادرة “منصّة القرم”، وهي التي أنشأها البرلمان الأوكراني في كانون الأوّل عام 2020. وتتمثّل أهدافها في تنفيذ مسار برلماني لشبه جزيرة القرم، وإنشاء جمعية برلمانية مشتركة للدعوة إلى استعادة السيطرة على أجزاء من البحر الأسود وبحر آزوف. ووافقت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وتركيا ومولدوفا وسلوفاكيا على المشاركة في المبادرة التي تقوم بصياغة حوالي 20 مشروع قانون حول السكان الأصليين في شبه الجزيرة، ووضع تتار القرم، والتعديلات الدستورية المتعلّقة بشبه جزيرة القرم. وشارك عمروف على أرفع المستويات في مفاوضات إطلاق الأسرى وإخلاء المدنيين من القرم لدى ضمّ روسيا لشبه الجزيرة عام 2014. وفي عام 2021، قارن عمروف استيلاء روسيا على القرم بما قام به ستالين عندما نفى الشعب التتريّ المسلم من القرم. وترحيل التتر بحسب تعبير عمروف هو “إحدى أفظع الجرائم التي ارتكبها النظام السوفيتي، عندما قرّر الطاغية ستالين إبادة شعب كامل”. وهو أحد مؤسّسي صندوق الرعاية الوطنية لشبه جزيرة القرم وعضو مجلس إدارته. ومن بين مشاريع الصندوق، بناء مجمّع ثقافي وتعليمي لتتر القرم في كييف بدعم تركي، وبذا يكون المجمّع مركزاً متعدّد المهامّ لتتر القرم ومسلمي أوكرانيا. وأشرف عمروف على بناء ألف شقّة للنازحين من تتر القرم وغيرهم من الأوكرانيين بدعم تركي. وفي أوائل نيسان 2021، اتفق زيلينسكي والرئيس التركي رجب طيب إردوغان على البدء ببناء الشقق.

تقول الصحيفة الأوكرانية إنّ عمروف فضلاً عن أنّه أثبت مؤهّلاته كسياسي، وكمفاوض بارع، ونزيه على وجه خاصّ، إلا أنّ ثمّة عوامل أخرى رجّحت اختياره وزيراً للدفاع

مسيرة لافتة
انتُخب عمروف نائباً في البرلمان الأوكراني، كعضو في حزب Holos (الصوت أو التصويت)، عام 2019. والحزب المذكور ليبرالي ويؤيّد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وكشف عمروف عن مهاراته في العمل من وراء الستار، أثناء المفاوضات مع الروس من أجل محاولة إيجاد حلّ دبلوماسي للاجتياح الروسي لأوكرانيا عام 2022. اعتمد عليه زيلينسكي أوّلاً كمستشار له في مجال العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، ثمّ بعد ذلك عضواً في الوفود الأوكرانية للتفاوض مع روسيا، سواء في الأسابيع الأولى للاجتياح، أو في اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود في تموز 2022، وقد توقّف العمل به في تموز الماضي. وربّما المنصب الذي تسلّمه العام الماضي، ويدلّ على مدى الثقة بأمانته ونظافة كفّه، هو رئاسته صندوق أملاك الدولة، والذي أنشئ للإشراف على خصخصة القطاع الصناعي المملوك من الدولة، وهو مجال حسّاس نظراً لما يكتنفه من فساد عريض، كما حصل في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، لا سيما في روسيا الاتحادية، عندما أفضت الخصخصة العشوائية إلى ظهور طبقة الأثرياء الجدد، أو الذين يُطلق عليهم “الأوليغارشيون”. وعانت أوكرانيا أيضاً منذ استقلالها عام 1991، من فضائح كثيرة في مجال الخصخصة، لذا كان تأسيس الصندوق المذكور لمكافحة الفساد، ووُضع عمروف على رأسه. وهذا يشير أوّلاً إلى ثقة زيلينسكي به، وهو الذي يحتاج بشدّة إلى ثقة المانحين الغربيين بنظامه في خضمّ حرب ضروس، ويؤكّد ثانياً أهليّة الرجل. وعندما طلب الرئيس الأوكراني من البرلمان تثبيت تعيين عمروف وزيراً للدفاع، قال: “أنتم تعرفون هذا الرجل جيّداً. ولا يحتاج عمروف إلى مزيد من التعريف به”.

رستم عمروف هو الوجه الجديد لأوكرانيا بما يُشيع الثقة في الداخل والخارج بالنظام الأوكراني الذي يخوض حرباً مصيرية لاسترجاع الأراضي المحتلّة

لماذا اختير عمروف؟
تقول الصحيفة الأوكرانية إنّ عمروف فضلاً عن أنّه أثبت مؤهّلاته كسياسي، وكمفاوض بارع، ونزيه على وجه خاصّ، إلا أنّ ثمّة عوامل أخرى رجّحت اختياره وزيراً للدفاع. فوضع تتريّ من شبه جزيرة القرم على رأس وزارة الدفاع، يرسل إشارة قويّة إلى روسيا بأنّ أوكرانيا لن تتخلّى عن القرم، ولن تتنازل عنها ولن تقبل قرار الضمّ لروسيا كأمر واقع في أيّ مفاوضات مقبلة. كما أنّ العلاقات التاريخية والثقافية الغارقة في الزمن بين تتر القرم وتركيا قد تكون حافزاً إضافياً للرئيس التركي إردوغان لإكمال ما بدأ به مع بوتين لتجديد اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، كما في أيّ مفاوضات للسلام مع روسيا للخروج من هذا المأزق. وتضيف الصحيفة أنّ تعيين مسلم على رأس وزارة الدفاع قد يكون له صدى معيّن في العالم الإسلامي مع انخراط المملكة العربية السعودية في مناقشات دولية لإنهاء الحرب، وذلك في المؤتمر الذي استضافت فيه 40 دولة في جدّة في أيار الماضي. وكان عمروف قد عقد لقاءات مع وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عندما كان رئيساً لصندوق أملاك الدولة قبل أن يستقيل من منصبه في 5 أيلول الجاري، حيث ناقش مع وليّ العهد قضية إعادة إعمار أوكرانيا عندما تنقضي الحرب. من جهة أخرى، اشتُهر عمروف بأنّه رجل صارم لجهة تصدّيه للفاسدين، أفراداً ومؤسساتٍ، في منصبه السابق رئيساً لصندوق أملاك الدولة. وبالنظر إلى كلّ مؤهّلاته وتجاربه الناجحة، فهو قادر على إثبات كفاياته في منصبه الجديد، وزيراً للدفاع، في التفاوض، كما في الحفاظ على مستوى الدعم العسكري الذي تتلقّاه أوكرانيا من شركائها، لا سيما في المسائل الحسّاسة، وفي ما يرتبط بشكل خاصّ بطلب الحصول على صواريخ بعيدة المدى، حيث يحاذر الأميركيون تزويد أوكرانيا بتلك الصواريخ حتى لا تُضرب روسيا نفسها، فيتفاقم التوتّر العالمي وصولاً إلى ما لا تُحمد عقباه.  

إقرأ أيضاً: لماذا نجا بريغوجين من عقاب بوتين؟

بإيجاز شديد، رستم عمروف هو الوجه الجديد لأوكرانيا بما يُشيع الثقة في الداخل والخارج بالنظام الأوكراني الذي يخوض حرباً مصيرية لاسترجاع الأراضي المحتلّة. فهو الأمين الموثوق، وينفع حضوره في إبعاد شبهة الفساد، وتعزيز حملة مكافحة الفاسدين. وهو كذلك المفاوض العنيد الذي لن يتخلّى عن موطنه الأصلي شبه جزيرة القرم في أيّ مفاوضات مقبلة. وهو بالدرجة نفسها لن يوفّر جهداً عسكرياً لتحرير القرم بالقوّة، عبر تزويد الجيش الأوكراني بكلّ ما يحتاج إليه لتحقيق الهدف.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: HishamAlaywan64@

مواضيع ذات صلة

هكذا وصلت إسرائيل إلى “البايجرز” واللاسلكيّ

في 7 أيلول الجاري، كان قائد “المنطقة الوسطى” في الجيش الأميركي الجنرال إريك كوريللا في إسرائيل. في اليوم التالي، تمّت عملية مصياف. أكبر عملية إسرائيلية…

من يملك شجاعة الاعتراف “بالهزيمة” التقنيّة؟

.. علينا جميعاً وفي مقدَّمنا الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أن نمتلك الشجاعة والجسارة للقول إنّ العدوّ الإسرائيلي هزمنا تقنياً ويتفوّق علينا في…

المرشد في استحضار التّاريخ دون المستقبل

“غد بظهر الغيب واليوم لي     وكم يخيب الظنّ بالمقبل ولست بالغافل حتى أرى         جمال دنياي ولا أجتلي لبست ثوب العيش لم أستشِر    وحرت فيه بين…

لبنان… الرأي قبل شجاعة الشجعان

لم يكد دخان ونار التفجيرات الصغيرة في أجهزة النداء القديمة، المعروفة باسم “بيجر” يهدآن، حتى اندلعت موجة نارية جديدة، مستهدفة هذه المرة أجهزة الجوال، وغيرها…