من المتوقع أن يثير كتاب الدبلوماسي الفرنسي العريق موريس غوردو مونتانيو:Les autres ne pensent pas comme nous (الآخرون لا يفكّرون مثلَنا)، ضجة كبيرة في عواصم العالم.
في الجزء الثاني نتناول توققاته الغريبة باحتمال عودة الثورة إلى الجزائر وانبعاث الإسلاميين، بينما المغرب بالنسبة للكاتب هو صاحب الشرعيّة الوحيدة في الصحراء الغربيّة.
الثورة والإسلاميّون عائدون إلى الجزائر
– إنّ جمود الجزائر في ما يتعلّق بالصحراء الغربيّة لن يستمرّ حتماً على المدى الطويل. لا يمكن لأحد أن يتجاهل أصل شرعيّة المملكة الشريفية، التي تكمن في ولاء المقاطعات للملك. وقد أكَّدت المسيرة الخضراء بقيادة الملك الحسن الثاني أنّ شرعية مطالبة المغرب بالأراضي المعنيّة أمرٌ لا يمكن إنكاره، وأنَّ الصحراء كانت شريفية الانتماء قبل الاستعمار الإسباني. ثمّ إنَّ الرئيس شيراك الذي كان قريباً جدّاً من المغرب والذي كان مُتمسّكاً بعلاقة وثيقة مع الجزائر، كان صلباً في موقفه هذا (المؤيّد لمغربيّة الصحراء)، وذلك لاعتباره أنّ الأمرَ مصيريّ بالنسبة للتوازن الداخليّ للنظام المغربيّ واستقراره، وكذلك بالنسبة للمنطقة. وقد طلب منّي شيراك المشاركة جنباً إلى جنب مع المغاربة في المشروع الذي يقوده الوزير الطيّب الفاسي – الفهري من أجل حكم ذاتيّ واسع للصحراء الغربية، مع احترام سيادة العرش، انطلاقاً من أنّ الحكم الذاتيَّ يمكن أن يلبّي تطلّعات الشعوب الأصليّة. والوضع ما زال حتّى اليوم على حاله.
جمود الجزائر في ما يتعلّق بالصحراء الغربيّة لن يستمرّ حتماً على المدى الطويل. لا يمكن لأحد أن يتجاهل أصل شرعيّة المملكة الشريفية، التي تكمن في ولاء المقاطعات للملك
– هل الاتفاق الثلاثي الذي تمّ توقيعه في عام 2019 بين إسرائيل والولايات المتحدة والمغرب، والذي تُرجم بإقامة علاقات دبلوماسيّة بين المغرب وإسرائيل، واعتراف الأميركيين بالسيادة المغربيّة على الصحراء الغربيّة، سوف يطوّر موقف الجزائر ويفتح بالتالي حقبةً جديدةً بين البلدين؟ من السابق لأوانه معرفةُ ذلك، لكنَّ التطوّر السياسي الملحوظ للجزائر، والمبادرات الأخيرة والاستفزازيّة التي قام بها المغرب حيال الحكم الذاتي لمنطقة القبائل، لا يدعوان إلى التفاؤل.
– إنّ مأساة الجزائر تتمثّل في أنَّ البلاد مجمّدة في قالبٍ منذ بدايات الاستقلال، من قِبَل سُلطة ما زال كوادرُها السابقون في موقع السلطة اليوم، ويبدو أنّ إمكانيات هذه البلاد، وخصوصاً فرص شبابها، مكبوحةٌ تماماً. ففي بلدٍ يُشكّل الشباب نسبةً كبيرةً من شعبه، ويطمحون إلى العيش بحُرّية، أي أن يتنقّلوا، ويعملوا، ويُظهّروا فرص التنمية المتعدّدة في الجزائر، يُصبح تناقض كهذا قابلاً للتفجير وإشعال الشارع.
– إنّ سلسلة التظاهرات التّي سُميت بـ”الحراك”، والتي حلّلها بدقّة Xavier Direncourt الذي كان مُمثّلنا مرّتين في الجزائر، ومراقباً دقيقاً لحقائق هذا البلد، ووضع كتاباً بعنوان “l’Enigme algérien” (الأحجية الجزائريّة)، لم تكن مجرّد حركة احتجاجٍ تقليديّة، بل عبّرت عن استياء ويأس جيلٍ يشعر بأنَّه محرومٌ من مستقبله بسبب طبقة قياديّة لا تقدّم له أيَّ مشروع وطنيّ جدير بهذا الاسم.
– هل الركود الحاليّ يُمكن أن يصبح أرضاً خصبة للإسلام الراديكالي، كما كان حالُ بعضِ الدول العربيّة وحتّى الجزائر في تسعينيات القرن الماضي؟ لا أحد يستطيع استبعادَ ذلك ما دام المشرفون على الإسلام السياسي يعرفون كيف ينظّمون شبكاتهم التضامنيّة والمساعدات الاجتماعيّة، التي، على الأقلّ عند انطلاق الوسائل الفعّالة لانفجارهم، وُلدت من التناوب الصعب بين الأجيال.
الرئيس شيراك الذي كان قريباً جدّاً من المغرب وكان مُتمسّكاً بعلاقة وثيقة مع الجزائر
– ماذا تستطيع فرنسا أن تفعل؟ أن تكون أوّلاً جاهزة لمواكبة الجزائر في عملية الانتقال تلك، شرط أن تكون هذه المساعدة مقبولة علانية من قبل الجزائريين أنفسهم. وعلينا بالتالي أن نقفز فوق شعار دبلوماسيّتنا المتعلّق بالجزائر والقائل “لا تدخّل ولا تجاهل”. علينا أن ندير ظهرنا للتجاهل، لأنَّ تطوّر التوازنات الجزائريّة سينعكس مباشرة على توازناتنا. وعلينا أن نتعلّم قول ما ينبغي أن نقوله، من دون خوف من جدل محتمل أو حتميّ من الجهة الأخرى للمتوسّط.
– لا يستطيع الجزائريون أن يرفضوا حقّنا بالتعبير عن رأينا في مواضيع تهمّهم، بينما هم لا يخجلون في فعل ذلك حيالنا. ثمّ علينا أن نواصل استخدام القنوات المؤسّساتيّة للعلاقات الفرنسيّة الجزائريّة لرفع مستوى التعاون في مختلف المجالات، وذلك بدلاً من القبول في معظم الأحيان بمماطلة اللجان المشتركة التي تؤجّل الملفّات إلى أجل آخر على الرغم من سمتها الطارئة.
– إنّ عدداً من العقبات يُعيق (اتحاد) المغرب، والجزائر مسؤولة عن ذلك على نحو واسع، فمشروع اتّحاد المغرب العربي طيّ النسيان منذ فترة طويلة، وقد فخّخته صراعات المسؤولين، وأيضاً عدمُ القدرة على تخطّي مسألة السيادة على الصحراء الغربيّة. والنتيجة أنَّ الحدود بين المغرب والجزائر مقفلة منذ عام 1994.
إقرأ أيضاً: مستشارُ شيراك(1): قلنا لبوش إنّ احتلال العراق سيقوّي إيران والشيعة
موريس غوردو مونتانيو كان قد بدأ حياته دبلوماسياً في الهند، ثمّ سفيراً في اليابان وبريطانيا وألمانيا والصين، ثمّ صار المستشار الأول للرئيس الديغولي جاك شيراك وأشهر مبعوثيه إلى العالم. وهو الذي عمل مع الأميركيين بعد حرب العراق على صياغة القرار 1559 لإخراج الجيش السوري من لُبنان ونزع سلاح الميليشيات. ويُبدي في الكتاب خشيةً لافتةً على مصير فرنسا من التفكّك. ويطرح أسئلةً كثيرةً عمّا إذا كان المسلمون اليوم، يعرفون فعلاً، الفكرَ العميق لكبار مفكّريهم الذين تأثّروا بأفلاطون وأرسطو، وإذا كان الفرنسيون يعرفون من هو ابنُ عربيّ أو غيره. ويتساءل عمّا إذا كان ينبغي تعديل المبادئ التي تقوم عليها الجمهوريّة الفرنسيّة.
هو كتابٌ جديرٌ بالقراءة والنقاش وربّما ببعض الحوار مع الكاتب.
لمتابعة الكاتب على تويتر: samykleyb@