اتّحاد العائلات البيروتيّة: “الكهنة” يصارعون الإصلاح..

مدة القراءة 11 د

تتّجه الأنظار اليوم الإثنين إلى اجتماع الهيئة العامّة لاتّحاد العائلات البيروتية الذي ينعقد قبل يوم واحد من انتهاء ولاية الهيئة الإدارية الحالية والدخول في الفراغ بعد تأجيل انتخابات الهيئة الإدارية للاتحاد عقب قرار اللجنة القانونية عدم قانونية هذه الانتخابات لعدم استيفاء عدد من الجمعيات المشارِكة الشروط المطلوبة.

 

3 سيناريوهات

يواجه اجتماع الهيئة العامّة ثلاثة سيناريوهات:

1- الموافقة على قرار اللجنة القانونية، أي تأجيل الانتخابات (التي طارت في موعدها القانوني) والدعوة إلى انتخابات جديدة وفق المهل القانونية للنظام الداخلي للاتّحاد، الأمر الذي يحتّم تأجيل الانتخابات إلى ما بعد انتهاء شهر رمضان.

2- عدم الموافقة على التأجيل إلى ما بعد شهر رمضان والذهاب إلى خيار أسلم، وهو تأجيل موعد الانتخابات لمدّة محدّدة لتتمكّن الجمعيات من تسوية أوضاعها، ثمّ تُجرى الانتخابات قبل شهر رمضان، بمن حضر من الجمعيات المستوفية للشروط، وهو الخيار الذي تؤيّده العائلات المستقلّة والعائلات صاحبة الولاء لتيّار المستقبل، فيما تنأى بنفسها عنه العائلات المنضوية تحت راية ثلاثيّ الرؤساء السابقين، أي الرئيس الحالي محمّد عفيف يمّوت والرئيسَين السابقين محمّد أمين عيتاني ومحمّد خالد سنّو.

3- وقوع الخلاف في الهيئة العامّة وتطيير الانتخابات إلى ما بعد شهر رمضان، مع عدم منح الصلاحية للهيئة الإدارية الحالية، وهنا يدخل الاتحاد في المحظور، وهو أن يصل التشرذم إلى حدّ تنفيذ هذه الانتخابات عبر القضاء أو وزارة الداخلية من دون أن يكون لهذه الهيئة أيّ صلاحية في إجرائها، وتمتدّ الأمور معها إلى ما لا يمكن لأحد أن يتكهّن به، وهو السيناريو الأكثر خطورة.

يؤكّد تيار المستقبل عبر مصادر مقرّبة منه لـ”أساس” أنّ “التيار منفتح على الجميع، وأيّ شخص مهنيّ كفوء نحن معه بغضّ النظر عن انتمائه”

المعركة الأخيرة للكهنة

الصراع المستجدّ داخل أروقة الاتحاد وبعيداً عن السيناريوهات المطروحة يمكن توصيفه بالمعركة الأخيرة التي يخوضها كهنة الاتحاد المتمثّلين بالرؤساء السابقين له في مواجهة التيّار المعارض الذي يُطالب بإصلاح نمط العمل داخل الاتحاد والذهاب به إلى الاستقلالية الكاملة عن التيّارات السياسية.

 

أسباب التأجيل القانونيّة

نبدأ من الأسباب القانونية التي أدّت إلى تأجيل الانتخابات، كما يفسّرها رئيس اللجنة القانونية ماجد دمشقيّة الذي يرى في هذا القرار خطوة تطويرية وإصلاحية كي يكون الاتحاد أكثر تمثيلاً للعائلات المنضوية فيه، “فاليوم هناك جمعيات عائلية ليس لديها هيئات إدارية منتخَبة، وهناك جمعيات لم تُجرِ انتخابات داخلية منذ 2007 و2010 و2013… واليوم يقولون نحن رؤساء جمعيات وأمناء سرّ جمعيات، وقد وقّعوا أوراقاً بترشيح فلان وفلان على انتخابات الاتحاد”. ويفسّر دمشقية، في حديثه إلى “أساس”، أنّ “الجمعية التي ليس لديها هيئة إدارية منتخَبة ومدّة صلاحية قانونية بموجب إفادة من وزارة الداخلية، لا يمكن اعتبارها من الهيئة الناخبة في الاتحاد، بل تكون بحكم المجمّدة، وخوضها للانتخابات سيعرّض الانتخابات لاحقاً للطعن”.

يجزم دمشقية أنّ القرار لا يصبّ في صالح فريق دون آخر بدليل أنّ “جميع الأفرقاء المعنيّين بالانتخابات ممتعضون من تأجيل الانتخابات”، لأنّ كلّ فريق يحاول أن يكتسب أكبر عدد من الأعضاء المرشّحين في الهيئة الإدارية، “لكن بالنسبة إليّ وإلى اللجنة القانونية الاتجاه مغاير، والغاية محض قانونية، فهم ينظرون من ناحية الربح والخسارة وأمّا اللجنة القانونية فقد درست الموضوع من ناحية كيف يمكن أن يرتدّ هذا إيجاباً على الاتحاد عندما يصبح أكثر تمثيلاً لهذه العائلات. فنجاح الجمعية يرتدّ إيجاباً على الاتحاد، وكذلك عدم تنظيمها سينعكس سلباً”.

 

لكن لماذا لم تتنبّه اللجنة إلى هذه المشكلة القانونية من قبل؟ لماذا قبل أيام فقط من موعد الانتخابات؟

يوضح دمشقية هذا الأمر بالقول إنّها المرّة الأولى التي تُعرض على اللجنة طلبات لدراسة مدى قانونية طلبات الترشيح، ولا ينكر أنّ الانتخابات الماضية جميعها جرت من دون أن تقدّم الجمعيات الإفادات اللازمة من وزارة الداخلية، ويبرّر ذلك بأنّ اتحاد العائلات البيروتية بأكثريّته كان يدور في فلك الحريري، وكان الرئيس سعد الحريري ومن قبله الرئيس الشهيد رفيق الحريري المرجعية السنّية الأكبر لبيروت وبالتالي للاتحاد، وكانت تتمّ الانتخابات بالعُرف، و”أمّا اليوم فلا مرجعية لبيروت أو لهذا الاتحاد يمكن أن تؤثّر، ولذلك النظام أو القانون وحدهما هما اللذان يجب أن يكونا المؤثّرين ولا بدّ من المحافظة عليهما للمحافظة على الاتحاد”.

بدأت الجمعيات باستكمال مستنداتها المطلوبة، ويؤكّد دمشقية أنّ جمعيّتين أو ثلاثاً تتقدّم يومياً بالإفادات المطلوبة، إذ إنّ النقص كان 30 جمعيّة من أصل 95. وعن طلبات الترشيح كان معظمها غير مستوفٍ للشروط في الاجتماع الأول لدراسة الطلبات في 13 شباط، فتمّ منح أصحابها مهلة أسبوع لتصحيح طلباتهم، وقاموا بذلك ما عدا 3 مرشّحين غير مستوفين للشروط، بحسب دمشقية الذي يؤكّد أن لا إمكانية لتقصير المهل وإجراء الانتخابات قبل رمضان لأنّ ذلك يعرّضها للطعن، وسيكون على المرشّحين إعادة تقديم طلبات ترشّحهم من جديد، لكن مع حفظ مستنداتهم السابقة إذا كانت مستوفية للشروط، لتسهيل إعادة ترشّحهم، وأمّا موعد الانتخابات الجديدة فهو رهن اجتماع الهيئة العامة يوم الإثنين.

ينفي عيتاني قصّة صدامه مع أحمد الحريري، وما قاله له من أنّ وصاية “المستقبل” على اتحاد العائلات انتهت. ويجزم أنّه “لم يتمّ التواصل مع أحمد الحريري في هذا الشأن

عن سوء نيّة

ينظر وليد كبّي، وهو من التيار المعارض، بريبة إلى التأجيل متخوّفاً من أن يؤدّي إلى الوقوع في الفراغ، ويؤكّد أن لا حسن نيّة في التأجيل، لأنّ هناك حلولاً ثانية لعدم التأجيل، “لكنّهم لا يريدونها لأنّها لا تناسبهم وتخسّرهم انتخابياً، فالتمديد لشهرين أو ثلاثة هدفه إحداث تغيير في الهيئة العامة ومنح الوقت لبعض العائلات التي ليس لديها إفادات جديدة منذ 2002 أو 2010 ليتمكّنوا من الاستفادة منها انتخابياً وزيادة كتلتهم الانتخابية”.

ويسأل كبّي: لماذا كان تعيين الانتخابات قبل 3 أيام فقط من نهاية ولاية الهيئة الإدارية في نهاية شباط، فيما لو تمّ تعيين موعد الانتخابات قبل شهر من اليوم لما كانت وصلت الأمور إلى هنا؟ فيجيب: “هذا سوء نيّة وقلّة دراية واحتراف في العمل الاجتماعي والإداري والشرعي”. ويتابع حديثه إلى “أساس”: “كنّا اليوم 85 عائلة، والجمعيات القانونية عددها 55 عائلة، من بينها 30 عائلة لا يحقّ لها التصويت، لكنّ الإدارة رأت أنّ معظم الأصوات ليست لصالح الإدارة الحالية، وأنّ الانتخابات ستقلب الطاولة لتكون الكلمة فقط للعائلات المستقلّة والخارجة عن أيّ وصاية، لكنّهم يريدون البقاء بالقوّة، ونحن نريد هيئة إدارية من 18 شخصاً يعملون بجدّ وإخلاص لبيروت وبشفافيّة وتعاون، والأهمّ أنّهم غير فاسدين”.

يرى كبّي أنّ ميزان القوى اليوم، أي قبل تسوية أوضاع الجمعيات المخالِفة، ينقسم إلى ثلاث قوى: تريو الرئيس الحالي والرئيسين السابقين، وحجمهم بين 15 إلى 20 بأفضل الأحوال، والجمعيات التي تنضوي تحت راية الولاء لتيار المستقبل، وحجمها أيضاً 15 إلى 20 عائلة، والفريق الثالث هو العائلات المستقلّة التي تضم ما يقارب 40 عائلة، وهم مستقلّو اللقاء العائلي التشاوري. ويضع كبّي كلّ ما يجري في إطار محاولات فريق التريو الرئاسي ليكون وضعه أفضل في التفاوض مع الفرق الأخرى وتقسيم المقاعد.

 

فساد ماليّ

يشير مصدر معنيّ بالهيئة العامة، في حديثه إلى “أساس”، إلى الفساد المالي الذي شهده الاتحاد في انتخابات أيار النيابية، ويقول: “ماجد دمشقية، المرشّح الذي دعمه تريو الرؤساء دون غيره من مرشّحي الاتحاد خلافاً لأخلاقيات ومبادئ الاتحاد، أبلغنا بلسانه أنّ يمّوت ربح من الرئيس فؤاد السنيورة 350 ألف دولار. وتلفت معلومات “أساس” إلى أنّ هناك امتعاضاً كبيراً من تيار المستقبل في هذا الموضوع، وأنّ الحريري اقترف خطأً كبيراً يوم مدّد له، لكنّه في أيار الماضي اكتشف غلطه ويحاول تصحيحه اليوم عبر سحب الغطاء عن يمّوت، وتصفية الحسابات معه في انتخابات الاتحاد، ويؤكّد المصدر ما نُشر من أنّ الرئيس الحريري رفض منح التريو موعداً خلال زيارته لبنان لمناسبة ذكرى 14 شباط.

هذا وعلم “أساس” أنّ تيار المستقبل غير راضٍ عن تأجيل موعد الانتخابات، ويعتبر أنّ القضية ما كانت “مستاهلة” التأجيل، وأنّه ما كان يحقّ للهيئة الإدارية قبل أيام من الانتخابات أن تطالب الجمعيات بإفادات لم تطلبها يوماً من قبل، بل كان يجب استدراك الموضوع باكراً بحيث يكون لدى الجمعيات الوقت الكافي لتسوية أوضاعها القانونية قبل نهاية ولاية الهيئة الإدارية الحالية وليس في آخر أسبوع من هذه الولاية.

ينسحب الامتعاض على الكابتن عماد حاسبيني المرشّح في انتخابات الاتحاد، الذي يرفض تأجيلها وإعادة تقديم طلب ترشيحه من جديد، قائلاً “نحن غير مسؤولين عن الأخطاء التي حصلت، فالهيئة الإدارية قبلت ترشيحاتنا وأوراقنا قانونية”. ويلوّح بالطعن بالتأجيل لدى وزارة الداخلية، وهو الأمر الذي ترى فيه مصادر متابعة أنّه غير مجدٍ لأنّه ريثما يتمّ الطعن ثمّ دراسته في الوزارة وصدور القرار المتعلّق به تكون انقضت المدّة التي تتطلّب تأجيل الانتخابات وإعادة الدعوة إلى إجرائها من جديد. ولا يفترض حاسبيني سوء النيّة في هذا التأجيل، لكنّه يؤكّد أنّه إهمال وعدم انضباط في عمل الهيئة.

يخوض حاسبيني معركته تحت عنوان رفض الهيمنة السياسية والشخصية على الاتحاد: “فالاتحاد لا يملكه أحد، بل هو لبيروت وعائلات بيروت، وليس لزعيم ولا لنائب، وليس هناك حقّ لأيّ شخص أن يهيمن عليه”.

وعلم “أساس” أنّ تيار المستقبل غير راضٍ عن تأجيل موعد الانتخابات، ويعتبر أنّ القضية ما كانت “مستاهلة” التأجيل

الإتصال بالحريري

يخالف الرئيس السابق للاتحاد محمد أمين عيتاني الآخرين فيرى أنّ التأجيل كان ضرورياً، وأنّ هناك خطأً أساسيّاً بنيويّاً كان يجب تصحيحه، فالهيئة الإدارية للاتحاد الحالية هي التي تدعو إلى الانتخابات وتضع الشروط المطلوبة التي تخوّل الأعضاء الترشّح أو الانتخاب. “في أوّل عهد الاتحاد كان عدد الجمعيات صغيراً، ولتسهيل الأمور وتيسير مشاركة الجمعيات كان لا يتمّ التدقيق بالإفادات سنويّاً، وسار ذلك كعُرف من دون اعتراض، لكن اليوم يجب أن نطبّق النظام الداخلي”.

ينفي عيتاني قصّة صدامه مع أحمد الحريري، وما قاله له من أنّ وصاية “المستقبل” على اتحاد العائلات انتهت. ويجزم أنّه “لم يتمّ التواصل مع أحمد الحريري في هذا الشأن، ولم يحصل هذا الاتصال أبداً، بل التواصل قائم مع العائلات نفسها فقط، للخروج بلائحة توافقية توفّر على بيروت والعائلات مشاكل التشرذم”.

من جهته يؤكّد تيار المستقبل عبر مصادر مقرّبة منه لـ”أساس” أنّ “التيار منفتح على الجميع، وأيّ شخص مهنيّ كفوء نحن معه بغضّ النظر عن انتمائه”. ويضيف المصدر: “حالياً هناك 22 مرشّحاً من أصل 33 مقرّبون من التيار، فيما البقيّة لا مشاكل لنا معهم”.

ويختم مصدر التيار: “لا تدخُّل مباشراً لـ”المستقبل” في الانتخابات، لكنّ الاتحاد أسّسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري ولم نطلب يوماً أن يكون لتيار المستقبل، لكنّنا لن نرضى أن يكون لأيّ شخص آخر”.

 

العودة إلى المبادئ الأساسيّة

بدوره يرفض الدكتور فوزي زيدان، الرئيس السابق للاتحاد، قرار تأجيل الانتخابات، ويحمّل المسؤولية للهيئة الإدارية الحالية التي لم تنتبه إلى ضرورة إعادة النظر في الوضع القانوني للجمعيّات.

ويرى أنّه كان من الممكن إجراء الانتخابات بمن حضر “لأنّ الجمعيات التي وضعها غير قانوني ومُنحت مهلة أسبوع ولم تصحّح وضعها هي جمعيات غير مهتمّة أو جدّية”.

إقرأ أيضاً: العائلات البيروتية.. ثلاثة أرقام للتغيير

لا يعتقد زيدان أنّ سوء النيّة يكمن وراء التأجيل، بل يضعه في إطار عدم الدراية بالموضوع والفوضى غير الخلّاقة التي تشبه الفوضى الحاصلة في البلد.

ويضيف: “بالنسبة إليّ الاتحاد ليس جمعية خيرية، فكلّ جمعية عائلية تهتمّ بشؤون عائلتها، لكنّ هدف الاتحاد الأساس هو أن يكون قوّة ضغط أو lobby من أجل بيروت وأهل بيروت لدى السياسيين والمسؤولين”.

ويكشف زيدان أنّه يعمل على لائحة توافقية، وأنّه وصل قبل قرار تأجيل الانتخابات إلى مراحل متقدّمة في المباحثات بلغت أكثر من 80 في المئة تقريباً، وسنعاود العمل من حيث توقّفنا لإعادة الزهو للاتحاد وتحقيق مبادئه الأساسية”.

مواضيع ذات صلة

هدنة الـ60 يوماً: الحرب انتهت… لم تنتهِ!

بعد عام ونحو شهرين من حرب إسناد غزة، و66 يوماً من بدء العدوّ الإسرائيلي عدوانه الجوّي على لبنان، واغتياله الأمين العامّ لـ”الحزب” السيّد حسن نصرالله،…

ألغام سياسيّة أمام الجيش في الجنوب!

بعدما أصبح وقف إطلاق النار مسألة ساعات أو أيام، لا بدّ من التوقّف عند العنوان الأوّل الذي سيحضر بقوّة على أجندة “اليوم التالي” في لبنان:…

أميركا مطمئنّة.. ونتنياهو “يسرق الوقت”

عاد الموفد الأميركي آموس هوكستين من زيارته إلى المنطقة، ووصل إلى العاصمة الاميركية أمس. وقبل أن يصل إلى واشنطن كان قد طمأن عين التينة إلى…

مبعوث ترامب إلى الشّرق الأوسط: معجب “بروحانية” نتنياهو..

تشبه الشّخصيّات التي رشّحها الرّئيس الأميركيّ المُنتخب دونالد ترامب شخصيّته الجدليّة. فهو كما فاجأ المراقبين يومَ فازَ في انتخابات 2016، وبفوزه الكبير في انتخابات 2022،…