قرّر برلمان الاتحاد الأوروبي المؤلّف من أحزاب وتكتّلات أوروبية اعتبار الحرس الثوري “منظّمة إرهابية”. بنى توصيته على الفظائع التي نزلت بالمدنيين الإيرانيين من مختلف القوميات والإثنيات الـ11 الموجودة داخل الحدود الإيرانية إثر استشهاد الشابة مهسا أميني، وعلى الجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادات الداخلية والخارجية التي نفّذها الحرس وكان منها أخيراً القصف العنيف على المدنيين والمدارس والمستشفيات والمباني السكنية شمال العراق.
بالنسبة إلى الحرس الثوري، المهمّ هو اقتلاع الانتفاضة الشعبية من جذورها، وأن لا يرى شعار “زن زندكي أزادي” (المرأة الحياة الحرّيّة) على أيّ حائط أو لافتة، وألّا يسمع به ليلاً من على شرفات منازل الأحياء الشعبية في العاصمة طهران و161 مدينة انتفضت.
قرّر برلمان الاتحاد الأوروبي المؤلّف من أحزاب وتكتّلات أوروبية اعتبار الحرس الثوري “منظّمة إرهابية”
إيران تهدّد أوروبا
غير أنّ البرلمان الأوروبي المنتخَب تُعتبر قراراته “غير ملزمة” للمفوّضية الأوروبية، وإن كان لمقرّراته أثر معنوي يتوجّب على المفوضية “احترامه”. وفي مقابل هذا القرار، حشدت إيران كامل قواها بوجه المفوضية لمنعها من وضع هذا القرار موضع التنفيذ. فإلى جانب ماكينتها الإعلامية، وجماعات الضغط التابعة لها المنتشرة في دول أوروبا وامتلاكها إذاعات ومحطّات تلفزة وصحف ناطقة بالفارسية وباللغات الأوروبية، جنّدت مسؤوليها لمنع أوروبا من الإقدام على هذه الخطوة التي تناقشها دول الاتحاد منذ عام 2011 وتتردّد في الإقدام على وضعها موضع التنفيذ.
لذا كانت سلسلة تهديدات أطلقها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان للردّ على أوروبا:
– الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، إذا أقدمت الكتلة الأوروبية على تصنيف “الحرس الثوري كياناً إرهابياً”.
– قال عن البرلمان الأوروبي إنّه “أطلق النار على نفسه” و”إذا لم يعدّل موقفه فإنّ أيّ إجراء مضادّ يبقى وارداً”.
– القرار “يعبّر عن مشاعر بعض المشرّعين في البرلمان الأوروبي”. وأضاف عبداللهيان أنّه تلقّى من ممثل الإتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، “تطمينات معيّنة” تؤكّد أنّ المفوضية الأوروبية لن تقدم على هذه الخطوة.
في هذا الوقت، اعتبر رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أنّ “جيوش الدول الأوروبية جماعة إرهابية”، مهدّداً إيّاها بأنّها ستواجه ردّاً إيرانياً مماثلاً، “ولن يكون منتسبوها آمنين في المنطقة”، مشدّداً على أنّ “أيّ خطأ لا يُغتفر من الأوروبيين ستردّ عليه إيران بخطوة مماثلة”.
يحمل هذا الكلام الأخير في مضامينه رسالة واضحة بأنّ هناك مخطّطات إيرانية للنيل من الجيوش الأوروبية الموجودة في المنطقة.
واكب هذه الحملة التهديدية عضو هيئة رئاسة البرلمان النائب علي رضا سليمي الذي لفت إلى أنّ “إيران ستعلن جميع المؤسّسات العسكرية الأوروبية إرهابية، حتى مستشاروها لن يشعروا بأمان في سفاراتهم”.
ما زال الغرب يخضع، منذ احتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 دبلوماسياً وعاملاً فيها في العام 1979، للتهديدات الإيرانية وينحني أمام ابتزازات حكم الملالي
مقايضة البرلمان الأوروبيّ
بيد أنّ رسول سنايي راد، نائب الشؤون السياسية في المكتب العقائدي والسياسي، التابع للمرشد الإيراني، رفع من مستوى التهديد والابتزاز، فشملت تهديداته حرّية الملاحة في الخليج العربي، واعتبر أنّ “تصنيف الجيوش الأوروبية على قائمة الإرهاب سيعطّل حركتهم في المياه الإقليمية، وهذا الأمر يعرّض الأمن الإقليمي والدولي للخطر”.
في إشارة أخرى إلى تهديد الملاحة، قال النائب محمد حسن أصفري: “نسعى وراء مشروع يقيّد حركة السفن الأوروبية في مضيق هرمز”. ونقلت وكالة “إيلنا” عنه قوله: “إذا لم يتراجع البرلمان الأوروبي عن قراره، فإنّنا سنتابع الإجراءات في برلماننا، وسنحدّ من حركة سفنهم في مضيق هرمز بموجب قرار طارئ، ولهذا من الأفضل أن يتراجع البرلمان الأوروبي ويتحلّى بالعقلانية قبل فوات الأوان”. وذهب أبعد من ذلك، عندما صرّح أنّ “من المؤكّد أنّ فرض العقوبات على الحرس لن يكون منفصلاً عن نهاية الاتفاق النووي، وهذا ليس في مصلحة الأوروبيين”.
من جانبه، تحدّث وزير الاستخبارات الإيراني إسماعيل خطيب، في بيان، عن “الردّ المتماثل”، فقال: “سيتحمّل الأوروبيون قريباً تكاليف بشرية ومالية باهظة بحيث يندمون على قرار برلمانهم آلاف المرّات”. وأضاف مهدّداً: “الأوروبيون في المنطقة التابعة لإيران وبقيّة دول المنطقة لديهم وجود عسكري وأمنيّ في إطار حلف الناتو… لا يمكنهم بسهولة الحفاظ على قواعدهم وقواتهم العسكرية والأمنيّة”.
إذاً التهديدات المشار إليها من باب الابتزاز تُلخَّص بالتالي:
– تهديد القوات الأوروبية في المنطقة، سواء أكان ضمن حلف الناتو أو قوات اليونيفيل أو غيرهما.
– التهديد بالانسحاب من الاتفاق النووي.
– تهديد الملاحة الإقليمية والدولية من خلال مهاجمة سفن أوروبية تجارية في الخليج العربي ومضيق هرمز.
– تهديد الدبلوماسيين الأوروبيين في المنطقة والعالم.
أمام هذه التهديدات المتضمّنة ابتزازاً واضحاً، مضافاً إليها الرهائن الذين احتجزتهم طهران، ولا سيّما منهم الفرنسيين والبلجيكيين، ما زال الغرب يخضع، منذ احتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 دبلوماسياً وعاملاً فيها في العام 1979، للتهديدات الإيرانية وينحني أمام ابتزازات حكم الملالي.
الدقّة في مذكّرات بومبيو
ما يؤكّد ذلك أكثر هو ما ورد في مذكّرات وزير الخارجية الأسبق مايك بومبيو من أنّ “النظام الإيراني تنظيم إرهابي وحسب”، وأنّه “اتّخذ هيئة دولة بما فيها من مكوّنات”. ويضيف بومبيو أنّ وصوله إلى مراتب عليا كشف له أيضاً أنّ “النخب الحاكمة في الولايات المتحدة، ومن بينها (الرئيس الأسبق دونالد ) ترامب نفسه، لم تكن في وارد إطاحة النظام وقطع رأسه”.
إقرأ أيضاً: هجوم أصفهان: أميركا ترفع العصا في وجه إيران
تبجّح وزير خارجية إيران بتلقّيه تطمينات من جوزيب بوريل الذي قال للصحافيين قبل اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد في بروكسل: “وضع الحرس الثوري على لائحة الإرهاب أمر لا يمكن أن يصدر بقرار من دون حكم من محكمة. القرار من المحكمة أوّلاً. لا يمكنك أن تقول أنا أعتبرك إرهابيّاً لأنّك لا تعجبني”، وأضاف: “ينبغي على محكمة في دولة عضو بالاتحاد الأوروبي أن تصدر إدانة قانونية ملموسة قبل أن يتمكّن التكتّل نفسه من التحرّك في هذا الخصوص”.
إذاً مرّ التهديد ونجح الابتزاز الإيراني، وخضعت الدول الأوروبية لمصالحها بحجّة حماية أرواح الرهائن!
*كاتب لبناني مقيم في دبي
لمتابعة الكاتب على تويتر: BadihYounes@