تفاصيل 7 أيّار “بارت تو”: بلا اجتياح… ولا دوحة!

مدة القراءة 7 د

يُحكى في بيروت أنّ وليد جنبلاط قال لحزب الله: إذا تمسّكتم بمرشّحكم حتى الأخير، ستدفعون جبران باسيل إلى التفاهم مع سمير جعجع، وهو ما سيدخلنا في نفق مجهول النهاية، خبرناه من قبل…

ويُحكى أنّ حزب الله قال لباسيل: إذا لم تقبل معنا بسليمان فرنجية رئيساً، سنكون نحن وأنت أمام رئيس لا تريده…

ويُحكى في باريس أنّ تصوّراً عمليّاً بات جاهزاً هذه المرّة لآليّة تنفيذيّة يُقرّها اجتماع دولي مرتقب لأجل لبنان هناك…

كلّ الحكي والهمس يوحي بشيء من سيناريو 7 أيار ونتائجه، لكن من دون سلاح ولا اجتياح.

لكنّ الأخطر، ماذا لو كان بلا دوحة ولا تسوية؟ هنا تنطلق حكاية التفاصيل والأسرار.

                                ********************************

الانهيار والارتطام

على الرغم من كلّ شيء يظلّ مفيداً لا بل ضرورياً تعداد مؤشّرات الانهيار الشامل، أو نُذُر لحظة الارتطام الكبير:

في الدولة ثلاث سلطات: التشريعية باتت شبه معطّلة. إذ لا تشريع في ظلّ شغور رئاسي. ولا قدرة ذاتية لمجلس كهذا على انتخاب رئيس في كلّ المدى المنظور، علماً أنّه برلمان منبثق من عطب تمثيليّ أساسيّ، ولو بعد شهور قليلة على مسرحيّة تنويبه. وهو العطب الناجم عن عيوب قانون الانتخاب. يكفي أن نعرف أنّ نوّاب هذا البرلمان كلّهم حازوا 62 في المئة فقط من أصوات المقترعين التفضيلية، أو 30 في المئة فقط من الناخبين. هو قانون نسبيّ (قال) أعطى 62 في المئة من المقترعين، يمثّلون 30 في المئة من الناخبين، مئة في المئة من المقاعد، وحرم 37 في المئة من المقترعين فعليّاً من أيّ مقعد..

ويُحكى في باريس أنّ تصوّراً عمليّاً بات جاهزاً هذه المرّة لآليّة تنفيذيّة يُقرّها اجتماع دولي مرتقب لأجل لبنان هناك

السلطة التنفيذية معتورة أيضاً بحكم كونها دستوريّاً مستقيلة تصرِّف أعمالاً، ثمّ تجتهد لتعمل بشكل استثنائي من خارج النصوص والأعراف. وهي كانت قبل اعتوارها بالشغور، معطوبة بالتشكيل والتمثيل أيضاً، لكونها تأسّست من ضمن الانقلاب على جوهر الدستور. ففي الدستور مجلس الوزراء هو مركز القرار الإجرائي الأوّل في البلاد، لا هيئة مندوبين ممثّلين ممسوكين بخيوط ومحرَّكين بإيماءات يُدارون بالرسائل النصّية الصغيرة جدّاً. وهو ما ظهر فاضحاً بعد الشغور الرئاسي، بحيث عطّلوا أنفسهم وعطّلوا الدولة، ونقلوا العطل والعطب إلى مرحلة لم يكونوا معدّين لها، من فراغ فوق فراغات…

كان لا يزال هناك شيء أو شكل من سلطة قضائية. تفجّرت في اليومين الماضيين، كما لم يحصل في تاريخ لبنان، أو حتى في أدبيّات الشأن القضائي في أيّ دولة حديثة.

 

الخطر الآتي

لكنّ السلسلة لا تتوقّف عند هذا الحدّ، بل الأسوأ أنّه في ظلّ هذه المعطيات بالذات، تزداد بشكل فطريّ مطّرد حقول الألغام:

فلنذكر منها ثلاثة تكفي للتفجير:

ـ أوّلاً، التحقيقات الأوروبية في الملفّات المالية والتحويلات المصرفية. وهي مسألة تتخطّى تفاصيل الوفد القضائي الأخير وحيثيّات مقابلاته في بيروت ومحاضر جلسات المستمَع إليهم. فالمشهد الأوسع لهذه القضية يرسمه قرار البرلمان البلجيكي حول كلّ المسألة الماليّة اللبنانية، الذي أُقرّ في 18 الجاري بعد أكثر من 13 شهراً على تقديمه. والتوقيت ليس صدفة وحسب، إلّا لمن يعتمد المصادفات تبريراً لجهله أو لعجزه. قرار برلماني يشكّل نوعاً من إحاطة دولية شاملة لكلّ الوضع اللبناني. فيه من حزب الله وإيران إلى حقوق المثليّين، ومن تحويلات أموال كل الأشخاص المعرّضين سياسيّاً (peps) إلى تفجير المرفأ و17 تشرين، وصولاً طبعاً إلى ضرورة انتخاب رئيس وتشكيل حكومة وإصلاحات وصندوق نقد…

ولِمن ينسى أو يتناسى أبعاد هذا القرار التشريعي البلجيكي، تذكيران بسيطان: أوّلاً أنّ المسافة الجغرافية بين برلمان بروكسل ومؤسّسات الاتحاد الأوروبي فيها، يمكن اجتيازها سيراً على الأقدام. وثانياً، أنّ القوانين البلجيكية تمنح قضاءها صلاحية دولية. وبالتالي فهو قادر نظريّاً على ممارسة مفاعيل قوانين بلده وتشريعاته، في كلّ مكان من العالم.

هي علامة أولى من علامات الإعداد لمقاربة جديدة للأزمة اللبنانية.

ـ ثانياً، ملفّ انفجار مرفأ بيروت. قد يُكتب الكثير عن هذه الجريمة. من تغريدة دونالد ترامب بُعيد وقوع الزلزال عن إحاطة أمنيّة له بحصول “هجوم” على المرفأ، إلى استذكار ميشال عون لهذه المعلومة في ظلّ “سوء التفاهم” مع حزب الله، انتهاء بملاحظة البطريرك الراعي، وهو يستقبل أهالي الضحايا، عن “صدفة” تعطُّل كلّ الأقمار الصناعية لحظة الانفجار

إنّه مسار مريب للأحداث يُتوقّع أن يُستكمل خلال أيام بثلاثة تطوّرات جديدة قد لا تخلو من جديد خطير: التحقيق القضائي الفرنسي، الذي يُحكى، على عكس كلّ ما يُعلَن، أنّه بات يملك كلّ معطيات كلّ التحقيقات موثّقة ومُسندة، ثمّ همس كثير في بيروت وخارجها، عن نتائج فحوصات مخبرية جنائية طابقت بين الموادّ التي دمّرت بيروت، وبين مثيلاتها في جرائم دولية كثيرة، وصولاً إلى الإعلان عن وثائقيّ غير مسبوق يُطلَق في باريس في 5 شباط المقبل يجمع معلومات وشهادات حارقة لأمنيّين دوليّين.

ـ يبقى الملفّ الثالث المتعلّق بقرار العقوبات الأميركية الأخير على إحدى الشركات الماليّة اللبنانية. إنّه قرار يذكر، للمرّة الأولى في سلسلة القرارات الأميركية المماثلة أو المشابهة، مصرف لبنان خمس مرّات في نصّ مقتضب. ويأتي خصوصاً في سياق شبهات أو مزاعم عن عمليّات تهريب للدولارات الأميركية من بيروت إلى عواصم “مارقة” بالنسبة إلى واشنطن. كلّ ذلك فيما بغداد تنوء تحت أزمة مماثلة، نتيجة شبهة تحوّل مؤسّساتها الماليّة شرياناً نقديّاً لطهران.

هكذا تكتمل عناصر الحبكة المأساوية أو التفجيرية. شيء ما يشبه سيناريو 7 أيار 2008.

يومذاك بدأت اللعبة بانفجار نهر البارد وموقف حزب الله من معركته. اليوم تبدأ المأساة بانفجار أكبر في مرفأ بيروت ومواقف مماثلة متعدّدة أو متقاطعة من معركة التحقيق فيه.

يومذاك استُكملت اللعبة بفيديو كاميرات مدرج مطار بيروت. اليوم كلّ كاميرات لبنان مركّزة على مندرجات فضائح التحقيق بقضية مرفأ بيروت.

يومذاك أُنجز السيناريو بأزمة شبكة اتصالات حزب الله. اليوم يعود الكلام عن أزمة اتّصال مَن بمَن، وهو ما ترك المتفجّرات في ذلك العنبر المشؤوم.

هل باتت كلّ عناصر السيناريو جاهزة لإطلاق صرخة “أكشن”؟!

 

زمنٌ مُستعاد

ثمّة أمر أساسيّ ناقص. قبل نحو 15 عاماً، كانت المسرحية مركّبة بالكامل بشكل مسبق. كان ساركوزي ذاهباً إلى دمشق، وبشار الأسد مدعوّاً إلى عرض 14 تموز في الشانزيليزيه. وكان الثنائي العربي التركي جاهزاً للملمة الزجاج المكسور. وكانت الدوحة قد أدارت سلفاً محرّكات طائراتها، لإقلال “المتآمرين” إليها على مقاعد الدرجة الأولى، قبل أن تعيدهم إلى بيروت بعد اتّفاقهم كمؤتمرين، “دوكما” وقوفاً في الكابينة السياحية.

ويومذاك، كي لا ننسى، كان ميشال سليمان على أهبة الاستعداد والجهوزيّة، ليقف متفرّجاً، ثمّ يتقبّل تهانئ كوشنر، كما روى هو شخصيّاً بأسى وأسف عظيمين… صورة أخرى لم تعد قائمة اليوم.

ماذا إذن؟ هل هناك من يعدّ لفيلم بلا خاتمة؟ 7 أيّار بلا دوحة ولا تسوية؟

إقرأ أيضاً: خارطة طريق 2023 من “البلطجيّ” إلى الأحفاد…

ماذا لو فوجئ الممثّلون، من أبطال وكومبارس، في حمأة التصوير، بأنّ المنتجين غيّروا مشهد الختام بدون علمهم أو من خارج النصّ؟ أو قرّروا تمريناً ارتجالياً في اللحظة القاتلة، لحظة إسدال الستارة؟ أصحاب النيّات السيّئة، أو المتطيّرون بحكم تجارب سابقة مريرة، يتساءلون: ماذا لو كان حزب الله قد طوى صفحة الطائف، وجعجع غير ممانع على وهم، وباسيل على مقامراته ورهانات الدجّالين من زوّار واشنطن بعد يومين، من سماسرة ترسيم وعمولات، وبكركي مشغولة بحيادها اللندنيّ الأخير، وجنبلاط مكتفٍ بحرفة البقاء حيّاً، و”أمّة” رفيق الحريري مختزَلة بين منفى طوعيّ-قسريّ وبين جناح فندق قبرصيّ… فيما الخارج كلّه سئم منّا حتى القرف؟  

عندئذٍ قد نكون أمام نفق أحاديّ المسار صوب الهاوية… مجرّد لفت نظر لهواة السلطة وأصحاب أهواء المراكز والمقاعد.

 

لمتابعة الكاتب على تويتر: JeanAziz1@

مواضيع ذات صلة

“استقلال” لبنان: سيادة دوليّة بدل الإيرانيّة أو الإسرائيليّة

محطّات كثيرة ترافق مفاوضات آموس هوكستين على وقف النار في لبنان، الذي مرّت أمس الذكرى الـ81 لاستقلاله في أسوأ ظروف لانتهاك سيادته. يصعب تصور نجاح…

فلسطين: متى تنشأ “المقاومة” الجديدة؟

غزة التي تحارب حماس على أرضها هي أصغر بقعة جغرافية وقعت عليها حرب. ذلك يمكن تحمّله لسنوات، لو كانت الإمدادات التسليحيّة والتموينية متاحة عبر اتصال…

السّودان: مأساة أكبر من غزّة ولبنان

سرقت أضواء جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وجرائم التدمير المنهجي التي ترتكبها في مدن لبنان وقراه، الأنظار عن أكبر جريمة ضدّ الإنسانية…

على باب الاستقلال الثّالث

في كلّ عام من تشرين الثاني يستعيد اللبنانيون حكايا لا أسانيد لها عن الاستقلال الذي نالوه من فرنسا. فيما اجتماعهم الوطني والأهليّ لا يزال يرتكس…