نتانياهو.. هل ينقذ إيران؟

مدة القراءة 6 د

بعد تصاعد التوتر بين إيران من جهة، والغرب، أوروبا والولايات المتحدة الأميركية من الجهة الأخرى، ولجوء طهران إلى تطوير أنشطتها في تخصيب اليورانيوم، يبرز العامل الإسرائيلي بوضوح في هذه المرحلة، خاصة بعد عودة بنيامين نتانياهو إلى رئاسة الحكومة والتركيز المباشر على مصادر الخوف والقلق الإسرائيليَّين من الأنشطة الإيرانية النووية والإقليمية.

عودة نتانياهو إلى تسليط الضوء على مصادر الخطر والتهديد الإيرانيَّين، نووياً وإقليمياً، على العكس من اهتمامات الحكومة السابقة، تعني إمكانية عودة المنطقة إلى حالة من التوتّر غير المرغوب به لدى عواصم القرار، وخاصة واشنطن في ظلّ الحرب الروسية على أوكرانيا. لهذا قد تشكّل مواقف رئيس الوزراء الإسرائيلي ورقة في يد إيران تبتزّ بها هذه العواصم، وتدفعها نحو قرار استئناف المفاوضات، وتمهّد الطريق للوصول إلى اتفاق جديد بانتظار انتهاء الحرب الأوكرانية. خاصة أنّ الحاجة الدولية إلى مصادر الطاقة الإيرانية لم تعد مطلباً ملحّاً، بعدما استطاعت هذه الدول التغلّب نسبياً على “جنرال البرد” الذي راهنت عليه موسكو وطهران لابتزاز المجتمع الدولي وتحسين شروطهما التفاوضية.

وإذا كان الهاجس النووي لدى الغرب يتقدّم على غيره في الأزمة مع إيران، فإنّ التورّط الإيراني في حرب أوكرانيا من خلال سلاح المسيّرات يشكّل مدخلاً إلى وضع هذا التورّط على طاولة التفاوض باعتباره جزءاً من البرنامج الباليستي الذي يشكّل تهديداً لأمن منطقة غرب آسيا واستقرارها، وتحديداً منطقة الشرق الأوسط.

إذا كان الهاجس النووي لدى الغرب يتقدّم على غيره في الأزمة مع إيران، فإنّ التورّط الإيراني في حرب أوكرانيا من خلال سلاح المسيّرات يشكّل مدخلاً إلى وضع هذا التورّط

إذ أصبحت واشنطن وأوروبا تنظر إلى هذا الملف بعين القلق لِما لسلاح الطائرات المسيّرة من دور في الحروب المستقبلية، ولِما حقّقته إيران على هذا الصعيد. ويعيد هذا الأمر طرح ملف النفوذ الإقليمي لإيران ودورها في العديد من العواصم والساحات الإقليمية من اليمن والعراق مروراً بسوريا وصولاً إلى لبنان وفلسطين.

فإذا استطاعت هذه العواصم إجبار إيران أو جرّها إلى بحث هذا الملفّ، فلن يكون بمقدروها حينئذٍ التنصّل من مسؤوليّتها عن هذا الدور والنفوذ الذي تمارسه وتستخدمه في تعزيز دورها على الساحتين الإقليمية والدولية.

 

المواقف الإيرانية

في هذا السياق صدر عن عدد من المسؤولين الإيرانيين في الأسابيع الأخيرة أكثر من رسالة تتعلّق بأزمة المفاوضات النووية، وهي التالية:

1- الموقف الذي أطلقه رئيس المجلس الاستشاري الأعلى للسياسات الاستراتيجية والخارجية وزير الخارجية الأسبق كمال خرازي، وطالب فيه بخفض مستوى الشروط الإيرانية وحصرها بمطلب الحصول على ضمانات من الجانب الأميركي بالالتزام بالاتفاق مستقبلاً.

2- الحراك الدبلوماسي الذي قام به وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان على هامش قمّة بغداد 2 التي استضافتها العاصمة الأردنية، واللقاء الذي عقده مع منسّق العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي يلعب دور الوسيط في المفاوضات الثنائية الإيرانية الأميركية.

3- الزيارة التي قام بها عبداللهيان لسلطنة عمان، واللقاء مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الذي انتهى بإعلان قبول إيران بأيّ مبادرة يراها الوسيط العماني مناسبةً لإعادة الحرارة إلى خطّ المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة.

تهدف مساعي طهران لإعادة الحرارة إلى المسار التفاوضي بينها وبين واشنطن من جهة، وبينها وبين الترويكا الأوروبية من جهة أخرى، إلى إيصال رسالة إلى هذه العواصم بأنّ:

1- رهانها على انهيار النظام من الداخل نتيجة الحراك الشعبي الذي انطلق قبل أربعة أشهر على أثر مقتل الفتاة مهسا أميني على يد شرطة الأخلاق، بحيث يكون مجبراً على تقديم تنازلات استراتيجية، هو رهان في غير محلّه.

2- النظام وأجهزته الأمنية استطاعا إعادة فرض سيطرتهما وقمع هذا التحرّك.

3- هناك عمليّة إصلاحية شرعت في تطبيقها السلطة التنفيذية مع الفريق الاقتصادي، وكانت بدايتها تغيير رئيس البنك المركزي، وذلك ضمن خطة للسيطرة على انهيار العملة الوطنية أمام الدولار بعدما وصلت إلى مستويات غير مسبوقة، إذ تجاوز سعر صرف الدولار حاجز 43 ألف تومان. وقد تستمرّ هذه العملية وتطال عدداً من الوزراء والقيادات الاقتصادية في إدارة الدولة.
أميركا غير مستعجلة.. أوروبا تصعّد

في المقابل، تبدو الإدارة الأميركية غير مستعجلة حتى الآن، أو متروّية في ملاقاة الرغبة الإيرانية. فهي تحاول استغلال الحاجة الإيرانية إلى الخروج من دائرة العقوبات لإعادة ترميم وضعها الداخلي وخفض مستويات التوتّر الذي يعود في جانب أساسي منه إلى الأزمة الاقتصادية، منتظرةً أن تُجبر هذه الضغوط إيران على مراجعة تحالفها مع روسيا الذي أخذ في الأشهر الأخيرة طابعاً عسكرياً بعد الكشف الروسي عن استخدام مسيَّرات إيرانية (شاهد 136) في حربها على أوكرانيا.

من هنا جاء كلام المتحدّث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس الذي أكّد أنّ المفاوضات لإعادة إحياء الاتفاق النووي لم تعد من أولويّات واشنطن منذ عدّة أشهر، وأنّ الاهتمام ينصبّ الآن على تداعيات الحراك الداخلي وعمق العلاقة والتعاون العسكري الإيراني الروسي في الحرب الأوكرانية.

في هذا الوقت صعّدت عواصم الترويكا الأوروبية موقفها السلبي بوجه طهران:

– أعلنت الحكومة الألمانية وقف تعاملاتها التجارية مع إيران.

– تحدّثت لندن عن نيّتها تصنيف مؤسّسة حرس الثورة على لائحة المنظّمات الإرهابية.

– صوّبت باريس على رمز النظام المرشد الأعلى في سلسلة رسوم كاريكاتوريّة نشرتها مجلّة شارلي إبدو.

إقرأ أيضاً: إيران… القمع هو الحلّ ولا مكان للحوار

الأبواب المغلقة أو المواربة، التي تصطدم بها طهران في علاقاتها مع عواصم القرار الغربية، قد تكون من باب الضغط على القيادة الإيرانية المأزومة داخلياً في البعدين الاجتماعي والاقتصادي حتى تقدِّم تنازلات جدّية قبل إعادة إحياء المسار التفاوضي من أجل عقد اتفاق نوويّ جديد يكون مختلفاً عن اتفاق عام 2015 في الآليّات وليس في الجوهر. ما يزال هذا الاتفاق هو الهاجس الأكبر لهذه العواصم، ويتلخّص في منع إيران من الحصول على السلاح النووي أو امتلاك القدرة على التصنيع الحربي.

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي،…

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…