فيينّا – بغداد – دمشق: لبنان “تحت” الطّاولات.. لا فوقها (1)

مدة القراءة 5 د

تسابقت الأنباء عن طاولات محادثات واجتماعات دوليّة وإقليميّة، بدأت في العاصمة النّمساويّة فيينّا، وعبَرَت في بغداد، وحطّت رحالها أخيراً في العاصمة السّوريّة دمشق. الواضح من هذه اللقاءات أنّ لبنان لم يجِد مكاناً حتّى السّاعة على أيّ طاولة، إذ لم يحِن وقته بعد. هذا هو الواقع، بطبيعة الحال، على الرّغم من كثرة الحراكات والتّنقّلات.

لكن ما هي الأسباب التي تُبعِد لبنان عن طاولات المحادثات؟

مع تغيّر الإدارة الأميركيّة، وَصَلَ الرّئيس “التّصالحي” جو بايدن إلى البيت الأبيض ليبدأ مرحلةَ حوارٍ بعيداً من “الإشكالات” التي افتعلها سلفه دونالد ترامب، والتي أدّت إلى رفع منسوب التوتّر في المنطقة. إصرار بايدن على تنفيذ وعده الانتخابيّ بتوقيع الاتفاق النّوويّ مع إيران، وُلِدَت منه طاولةُ المحادثات الأولى في العاصمة النّمساويّة فيينّا التي يَفصُلُ فيها بين واشنطن وطهران شارعٌ ومبنىً، حيث لم يجتمع الوفدان في مبنى واحِد بسبب إجراءات “التفاوض غير المباشر”.

هذه التّطوّرات، دَفعت أنظمة المنطقة، التي فَهِمَت ملامح المرحلة المُقبلة، إلى المبادرة، ولو في ثنائيات منفصلة، للبدءِ في رحلة البحثِ عن طاولات الحوار بانتظار لحظات التّسوية المُناسِبة.

تُركيا، من جهتها، سارعَت إلى القفز من مركَب العداء لدولِ الخليج العربيّ ومصر، فراح رئيسها رجب طيّب أردوغان يغازل السّعوديّة ومصر، ويتنصّل من المُعارضة الإخوانيّة المُقيمة تحتّ ظلّه. وحطّ وفدٌ تركيّ في أرضِ الكنانة.

تسابقت الأنباء عن طاولات محادثات واجتماعات دوليّة وإقليميّة، بدأت في العاصمة النّمساويّة فيينّا، وعبَرَت في بغداد، وحطّت رحالها أخيراً في العاصمة السّوريّة دمشق

الدّول الخليجيّة، بدورها، كانت قد احتوَت الخلافات في ما بينها، وحطّت طائرة أمير دولة قطر الشّيخ تميم بن حمَد في مطار العُلا السّعودي، للمُشاركة في القمّة الخليجيّة الأخيرة. كذلك وقّعت دولة الإمارات ومملكة البحرين اتفاق تطبيع تاريخيّ مع إسرائيل في نهاية عهد الرّئيس السابق دونالد ترامب.

 

بغداد: الرّياض – طهران – دمشق – القاهرة – أنقرة

لنَعُد إلى بغداد التي وُلِدَت فيها من أجواء المنطقة طاولةُ المُحادثات الأولى. رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي تبوّأ منصبه في لحظة تقاطعٍ أميركيّ – إيرانيّ، كان هو القابلة التي أنجَبت طاولة سعوديّة – إيرانيّة في بلاد الرّافدين.

نجح الكاظمي في أن يعقد حواراً سعودياً – إيرانياً في بغداد في شهر شباط الماضي. وقد جمعت طاولة الحوار في المرحلة الأولى 3 وفود من المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات وإيران. أمّا جولتها الثّانية فجمعت الوفد السّعودي برئاسة رئيس الاستخبارات الفريق خالد الحميدان، والوفد الإيراني برئاسة نائب مستشار الأمن القومي سعيد عرفاني، بحضور مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي.

تقول المعلومات إنّ طاولة بغداد لم تتّسِع للملفّ اللبناني. إذ احتلّ الملفّان اليمنيّ والسّوريّ كامل المساحة. العاصمة العُمانيّة مسقط كانت حاضرة هي الأخرى في بغداد، باعتبارها مسرح محادثات حلّ الأزمة اليمنيّة. وغابَ لبنان كما لو أنّ تواطُؤاً غير معلنٍ بين الفريقيْن أجّل البحثَ فيه.

السّعوديّة: لا تريد أن تُناقِش الملفّ اللبناني في الوقت الحالي. وقد كَشَف مصدرٌ عراقيّ مُطّلع لـ”أساس” أنّ وليّ عهد المملكة العربيّة السّعوديّة لم يكن مُنفتحاً، على الإطلاق، أثناء لقائه الأخير مع الكاظمي أواخر آذار الماضي، على ترتيب زيارة رسميّة للرّئيس المُكلّف سعد الحريري للرّياض. وتعتَبر السّعوديّة قضيّة حزب الله إطاراً منفصلاً عن بقيّة ملفّات المنطقة، إذ يحتاج البحث فيها مع الإيرانيين إلى أفق أوسع ومرحلةٍ مُتقدّمة أكثر.

إيران: تعتبر لبنان “ولاية آلاسكا” الإيرانيّة المُنفصلة عنها جغرافياً، وترفُض بحث موضوعه، بل تطمح إلى أن تكون أيّ مباحثاتٍ بشأن لبنان تحت سقفِ حاكم “آلاسكا” حزب الله، وليسَ فوقه.

نجح الكاظمي في أن يعقد حواراً سعودياً – إيرانياً في بغداد في شهر شباط الماضي. وقد جمعت طاولة الحوار في المرحلة الأولى 3 وفود من المملكة العربيّة السّعوديّة ودولة الإمارات وإيران

بعد انعقاد هذه الطّاولة، خرجَ وليّ عهد المملكة العربيّة السّعوديّة الأمير محمّد بن سلمان ليقرأ مُقاربة جديدة بلغةٍ مُستجدّة، وليتحدّث عن ضرورة الحلّ السّياسي للأزمة اليمنيّة، وليتكلّم عن طموح المملكة إلى أن يكون لديها علاقات “طيّبة ومميّزة مع إيران التي لديها مصالح في السّعوديّة، وللمملكة مصالح فيها”. كلام الأمير محمّد بن سلمان، في حواره التّلفزيونيّ الأخير، “وَقعَ” بين لقاءين “بغداديّيْن”، الأوّل قبل المُقابلة بـ3 أسابيع، والثّاني مطلع الشّهر الحاليّ، أي بعد أسبوعٍ من المقابلة.

إقرأ أيضاً: بين فيينا وبغداد: المفاوضات تنهار… والتفجير يتقدّم

واستكمَل وليّ عهد المملكة العربيّة السّعوديّة مساره الجديد باستضافته أمس الأوّل وليّ عهد أبو ظبي الشّيخ محمّد بن زايد، في لقاء قمّة على أرض الرّياض. بن زايد كان آتياً من اتّصالٍ طويل مع بايدن، بحث خلاله الطّرفان محادثات فيينّا وتأثيرها على العلاقات العربيّة – الأميركيّة، والخطر النّوويّ الإيراني على العرب.

“قمّة المُحمّدَيْن” تناولت المُفاوضات القائمة مع إيران في العراق، والاتّفاق النّوويّ، والأزمة اليمنيّة، والمبادرة السّعوديّة التي طرحتها المملكة أخيراً لوقف إطلاق النّار وتمهيد الطّريق أمام الحلّ السّياسي.

هنا أيضاً غاب لبنان.

 

في الحلقة الثانية غداً: في دمشق غاب لبنان أيضاً: فمتى يحين دوره؟

 

مواضيع ذات صلة

هوكستين موفد ترامب… فهل يضغط لإنجاز الاتّفاق؟

كثيرٌ من الضبابية يحيط بمصير المفاوضات التي قادها آموس هوكستين بين لبنان وإسرائيل، أو بالأحرى بين “الحزب” وإسرئيل، عبر رئيس مجلس النواب نبيه برّي. التفاؤل…

الاتّفاق Done: إعلانه خلال أيّام.. أو أسابيع؟

بين واشنطن وتل أبيب وبيروت أصبحت شروط الاتّفاق معروفة، ولا ينقصها سوى لمسات أخيرة قد تستلزم يوماً واحداً، وقد تطول لأسابيع، أربعة ربّما. لكن ما…

“اليوم التّالي” مطعّم بنكهة سعوديّة؟

لم يعد خافياً ارتفاع منسوب اهتمام المملكة العربية السعودية بالملفّ اللبناني. باتت المؤشّرات كثيرة، وتشي بأنّ مرحلة جديدة ستطبع العلاقات الثنائية بين البلدين. الأرجح أنّ…

مخالفات على خطّ اليرزة-السّراي

ضمن سياق الظروف الاستثنائية التي تملي على المسؤولين تجاوز بعض الشكليّات القانونية تأخذ رئاسة الحكومة على وزير الدفاع موريس سليم ارتكابه مخالفة جرى التطنيش حكوميّاً…