عنجهيّة طهران تغرقها بالعزلة ونتنياهو يخرج منها؟

مدة القراءة 6 د

هل يُقابَل رفض إيران حضور قمّة شرم الشيخ بفتح قنوات تفاوض أم بفتح المخازن الأميركيّة والإسرائيليّة والإيرانيّة لتبادل الصواريخ مجدّداً؟ اعتبرت طهران تفسيرات دونالد ترامب لموقفها “تخصّه هو”.

تغييب لبنان عن القمّة يضعه استطراداً في مهبّ الجنون الإسرائيليّ، فيما تزداد الهوّة بينه وبين تقويم واشنطن لأداء مسؤوليه. قد يكتفي بنيامين نتنياهو بالاستثمار في تحوّل نزع سلاح “الحزب” إلى أزمة داخليّة بين المكوِّن الشيعي والقوى الأخرى والحكومة، بموازاة مواصلة ضرباته، كالتي وجّهها في المصيلح.   

 

بعد قمّة شرم الشيخ سيظهر مدى استعداد دونالد ترامب للذهاب إلى ما هو أبعد من إخراج إسرائيل من عزلتها باتّفاق وقف الحرب الذي فرضه عليها.

لا يقتصر التّحديّ على قياس قابليّته لتنفيذ المرحلة الثانية من الاتّفاق، من انسحاب إسرائيليّ ونزع سلاح “حماس” إلى قيام حكم انتقاليّ… بعد تبادل الرهائن والأسرى.

إذا كان ترامب يعمل على تهيئة إسرائيل لها، فلا شيء يمنعه من العودة إلى استخدام ترسانتها إذا عاندته الصعوبات. لم يبخل نتنياهو بالحديث عن أنّ الحرب لم تنتهِ، وكذلك وزير دفاعه يسرائيل كاتس الذي كلّف الجيش بتدمير أنفاق “حماس” ونزع سلاحها.

ردّ عراقجي وخيبات ترامب  

يترافق استعراض الصعوبات التي تواجه خطّة ترامب مع إهدار طهران و”الحزب” التقاط فرصة الصفعة التي وجّهها لإسرائيل بإجبارها على وقف الإبادة في القطاع. أراد ترامب بإعلان “تقديره” لبيان الخارجيّة الإيرانيّة دعم وقف الحرب إعادة فتح نافذة معها. لم يمانع اقتراح مصر دعوتها إلى شرم الشيخ، إذ إنّ أوساطاً غربيّة أكّدت لـ”أساس” أنّ الدعوات إلى القمّة رتّبتها واشنطن وتولّت القاهرة توجيهها.

بعد قمّة شرم الشيخ سيظهر مدى استعداد دونالد ترامب للذهاب إلى ما هو أبعد من إخراج إسرائيل من عزلتها باتّفاق وقف الحرب

على طريقته المتفائلة بقدراته “الخارقة” على وقف الحروب، يطلق ترامب موجة من التفاؤل سرعان ما تتراجع. ومثلما خاب ظنّه بوقف حرب أوكرانيا “خلال 24 ساعة”، سرعان ما خيّبته القيادة الإيرانيّة برفضها حضور القمّة.

على الرغم من إبلاغ طهران القاهرة رفض حضور الرئيس مسعود بزشكيان القمّة في شرم الشيخ، تبلّغت الخارجية الإيرانيّة أنّ الدعوة تبقى قائمة لوزير الخارجيّة عبّاس عراقجي. إلّا أنّ الأخير في ردّه على ترامب قال في مقابلة تلفزيونيّة في 11 تشرين الأوّل: “التفسير الذي قدّمه السيّد ترامب لموقف الجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة يخصّه هو. أيّدنا جزءاً من خطّة غزّة، المتعلّق بوقف الجرائم. لم يتمّ تبادل أيّ رسائل ولم تُجرَ أيّ مفاوضات. إيران كانت دائماً من داعمي المقاومة، والآن أيضاً هذا القرار اتّخذته فصائل المقاومة. في الماضي، حاولت الولايات المتّحدة أن تربط بين قضايا مختلفة، من بينها دمج المسائل الإقليميّة بموضوع المفاوضات النوويّة، لكنّنا أكّدنا بشكلٍ قاطعٍ أنّ مفاوضاتنا محصورة فقط بالمجال النوويّ”.

أمّا الاتّفاقات الإبراهيميّة التي يأمل ترامب أن تنضمّ إليها طهران فوصفها عراقجي بأنّها “اتّفاقات خيانيّة”.

طهران تفضّل الانفراد بالتّسويات؟

تتنكّر طهران للهزائم المتعاقبة لمشروعها الإقليميّ في توظيف أذرعها. تمتنع إيران العضو في منظّمة التعاون الإسلامي عن الانخراط في توظيف المجموعة العربيّة الإسلاميّة لموقعها الدولي لمواجهة مشروع إسرائيل الكبرى المقابل لمشروعها المرفوض، بالهيمنة الإقليميّة.

طهران

لم تغادر طهران عنجهيّتها: تطلب من الدول الإسلاميّة التضامن معها في حرب إسرائيل وأميركا ضدّها، وتنفصل عنها حين يتعلّق الأمر باستعادة هذه الدول، بقيادة سعوديّة- مصريّة، بعضاً من دورها على الساحة الدوليّة في المسار الطويل والصعب لمصلحة حقوق الفلسطينيّين.

الاتّفاقات الإبراهيميّة التي يأمل ترامب أن تنضمّ إليها طهران فوصفها عراقجي بأنّها “اتّفاقات خيانيّة”

تريد القيادة الإيرانيّة الانفراد بالتسويات مع واشنطن ودول الغرب، وفق ما تمليه مصالحها الإقليميّة ومشروعها النوويّ، ضاربة عرض الحائط بمواقع ومصالح المجموعة العربية. تمانع التفاوض مع الترويكا الأوروبيّة لأنّها تفضّل صفقة مع واشنطن. لكنّ عزلة طهران ستطغى على عزلة تل أبيب، إزاء مشهد شرم الشيخ.

تسوية غزّة لا تنسحب على لبنان

في وقت أمَل بعضُ اللبنانيّين أن تنسحب جهود وقف الحرب في غزّة على بلدهم، بدا الأمر معاكساً. يذهب المتابعون للمزاج الأميركيّ والإسرائيليّ إلى حدّ القول إنّه لا اهتمام بأن تشمل التسويات لبنان. ربّما الموقف الأخير للرئيس جوزف عون خير تعبير. كان لافتاً ما قاله بعد قصف إسرائيل منشآت مدنيّة في المصيلح قرب منزل رئيس البرلمان نبيه برّي فجر السبت الماضي، إذ سأل “عمّا إذا كان هناك من يفكّر في التعويض عن غزّة في لبنان لضمان حاجته إلى استدامة الاسترزاق السياسيّ بالنار والقتل”.

إذا كان الرئيس عون وجّه بهذا الكلام التهمة لنتنياهو، فإنّ الشقّ الآخر منه استهدف “الحزب”، حين سأل: “طالما تمّ توريط لبنان في حرب غزّة، تحت شعار إسناد مُطلقيها، أفليس من أبسط المنطق والحقّ الآن، إسناد لبنان بنموذج هدنتها، بعدما أجمعت الأطراف كافّة على تأييدها؟”.

رسالة عون إلى “الحزب” وواشنطن

الرئيس عون بكلامه اضطرّ إلى تصحيح انطباع أميركيّ بأنّه يتهاون مع امتناع “الحزب” عن نزع سلاحه، مع أنّ منطلقه بهذه المسألة هو الحرص على تجنّب الصدام الأهليّ. مرّرت واشنطن الرسائل إلى الرئيس اللبناني في مناسبات عدّة، وأكثرها وضوحاً كان عند ترتيب اجتماعه بوزير الخارجيّة الأميركي ماركو روبيو في نيويورك، إذ اشترط الجانب الأميركي عدم مشاركة مستشارين له يتولّون الصلة مع “الحزب” في اللقاء. لكنّ الأخير ردّ على الضغط الأميركي لنزع السلاح باستعراض قوّة داخليّ جديد عبر حشده عشرات الآلاف من “كشّافة المهدي” في المدينة الرياضيّة في قلب بيروت يوم الأحد، تخلّله إبراز ضخم للعلم الإيراني، إضافة إلى العلَمين الفلسطيني واللبناني.

لم تغادر طهران عنجهيّتها تطلب من الدول الإسلاميّة التضامن معها في حرب إسرائيل وأميركا ضدّها

مفعول رسالة “كشّافة المهديّ”

استدعى استعراض “الحزب” قدرته التحشيديّة للطائفة الشيعيّة، الذي هو رسالة للداخل بقدر الخارج، ملاحظات، منها:

– لماذا لا تُنفَق الأموال الطائلة لتنظيم هذا الاحتفال على إعادة الإعمار في الجنوب؟

– لماذا لا يجري عرض القوّة هذا في إحدى القرى الحدوديّة، أو في مدينة بنت جبيل الجنوبيّة، كما فعل السيّد حسن نصرالله عام 2006 احتفالاً بالنصر، بدلاً من بيروت؟ ما حصل يرفع درجة الحساسيّات المذهبيّة والطائفيّة في البلد باستدارة “الحزب” نحو الداخل.

إقرأ أيضاً: “نوبل” أفلتت من ترامب… وغزّة من إيران

– علّق مسؤول كبير قائلاً: إذا كانت الدول الغربية والعربية أبلغتنا أن لا فلس للبنان لإعادة إعمار ما تهدّم بسبب عدم نزع السلاح، فإنّ مشهد المدينة الرياضية سيكرّس هذا الموقف بإصرار أكثر.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

الشرع- ترامب: ماذا دار في “الاجتماع السّرّيّ”؟

استغرقت رحلة الرئيس السوريّ أحمد الشرع أحد عشر شهراً من إدلب إلى واشنطن. من يستمع إلى كلمات الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب، منذ لقائهما الأوّل في…

لبنان يدور على ذاته… وسوريا في البيت الأبيض!

يُفترض أن يميّز الوضوح الخطاب السياسيّ اللبنانيّ في وقت تزداد الضغوط الأميركيّة، ذات الطابع الماليّ والاقتصاديّ، على البلد من جهة، والضغوط العسكريّة الإسرائيليّة من جهة…

نتنياهو يُعمّم الفوضى… ليستمرّ

منذ تشكيله ائتلافه اليمينيّ المتطرّف في كانون الأوّل 2022، يجد رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو نفسه أمام أزمات تتراكم ولا تنتهي، من فضائح فساد شخصيّة،…

فيدان في واشنطن: بداية مثلّث إقليميّ؟

لن يكون التصعيد التركيّ – الإسرائيليّ حدثاً طارئاً أو عمليّة كرٍّ وفرٍّ في مواجهتهما على أكثر من جبهة وحسب، بل حلقة جديدة في مسار صراع…