بن فرحان يُغازل برّي: إعمار الجنوب يمرّ برعايته

مدة القراءة 5 د

بين المسعى الدوليّ لإعادة لبنان إلى انتظامه الأمنيّ والسياسيّ والماليّ الذي تمثّل بالرسالة السعوديّة المباشرة في اليومين الماضيين، وبين البقاء في دائرة الاستهداف والدمار، الذي يتمثّل كلّ يوم بالقصف الإسرائيلي المستمرّ، وبالكلام عن إعادة “الحزب” بناء قوّته الماليّة والعسكريّة الذي باح به علناً المبعوث الأميركي توم بارّاك، أيّ مستقبل ينتظر لبنان، لا سيما مع الكلام الصادر من الأروقة الدبلوماسية عن تصعيد إسرائيليّ مقبل وتوسيع رقعة الاستهدافات التي قد تصل إلى بيروت؟

 

 

في زيارة الأمير يزيد بن فرحان للبنان مجموعة ثوابت لا تخرج عنها المملكة العربية السعوديّة في مقاربتها الملفّ اللبناني:

  • أوّلاً: الترحيب بكلّ الخطوات الحكوميّة على أن لا تبقى حبراً على ورق، وأن يذهب لبنان إلى ورشة حصر السلاح تحت سقف الدولة ومؤسّساتها، وتحديداً المؤسّسة العسكرية.
  • ثانياً: دعم المؤسّسة العسكريّة، وهو ما يجري الإعداد له مع الفرنسيّين في تنظيم مؤتمر لدعم الجيش كي يستطيع القيام بدوره.
  • ثالثاً: مقاربة الرياض الإيجابيّة لكلّ مبادرات الالتقاء، على أن يكون ذلك عبر الدولة، وفي هذا الموقف يُقرأ الردّ المباشر على مبادرة الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم.
  • رابعاً: إنّ الإصلاحات المرتبطة بصندوق النقد وذهاب لبنان إلى التوقيع مع الصندوق بشروطه هما الضوء الأخضر الذي يعيد إلى لبنان الثقة الماليّة التي فقدها.
  • خامساً: إنّ إعادة الإعمار مقبلة في حال نجاح السلطة في إعادة بناء مؤسّساتها تحت هذه العناوين، على أن تمرّ إعادة الإعمار في الجنوب برعاية الرئيس نبيه برّي تحديداً. وفي هذه الرسالة يُقرأ الودّ والإيجابيّة في العلاقة مع برّي، والتعويل على دوره في المرحلة المقبلة.
  • سادساً: التأكيد أنّ الرياض لا تدفع باتّجاه توريط لبنان بأيّ حرب داخليّة وأيّ اشتباك أهليّ، بل باتّجاه ذهاب المكوّنات مجتمعة إلى بناء الدولة وفق أسس متينة تؤسّس لغد أفضل وليس العكس.

في لبنان كلام في الأروقة الدبلوماسية الغربية عن تصعيد مقبل، ربّما أكثر ما مهّد له هو كلام المبعوث الأميركي توم بارّاك، وتأكيده أنّ “الحزب” يعيد بناء قوّته، وعلى الحكومة اللبنانية تحمّل مسؤوليّاتها

هذه الثوابت رسّخها بن فرحان في هذه الزيارة، من دون الحديث عن الانتخابات، والاكتفاء بالتأكيد أنّ بلاده ستكون إلى جانب لبنان في حال ذهابه إلى بناء الدولة. غادر بن فرحان إلى نيويورك، حيث تقود الرياض معركة شرسة أخرى باتّجاه إعلان حلّ الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، وهي على قناعة تامّة بأن لا سلام في المنطقة إلّا استناداً إلى هذه النقطة.

تصعيد مقبل على لبنان

على الضفّة المقابلة في نيويورك، تواجه إسرائيل إرادة المملكة العربية السعوديّة وباريس وغيرهما من الدول التي اعترفت في لحظة تاريخيّة بفلسطين، كبريطانيا وكندا ودول أوروبية أخرى. وفي لبنان كلام في الأروقة الدبلوماسية الغربية عن تصعيد مقبل، ربّما أكثر ما مهّد له هو كلام المبعوث الأميركي توم بارّاك لقناة “سكاي نيوز”، وتأكيده أنّ “الحزب” يعيد بناء قوّته، وعلى الحكومة اللبنانية تحمّل مسؤوليّاتها.

تتحدّث المعلومات المتوافرة لـ”أساس”، بحسب المصادر الدبلوماسية الغربية، عن أكثر من معطى:

  • أوّلاً: اقتناع إسرائيل والولايات المتّحدة بأنّ الجيش اللبناني لا يقوم بما عليه، على اعتبار أن لا قدرة له على ذلك. وبالتالي ليست الإشكالية التي لا تزال موضع بحث استكمالَ مهمّة الجيش في شمال الليطاني، لأنّه في الجنوب أيضاً لا يزال عاجزاً عن بسط سلطته على كامل الأراضي، وذلك ليس بسبب الاحتلال الإسرائيلي فقط، بل وبسبب عدم تعاون “الحزب” معه في أكثر من موقع مرصود ومحدّد ومعروف من لجنة “الميكانيزم”.
  • ثانياً: اقتناع تل أبيب وواشنطن بأنّ “الحزب” يعيد بناء قوّته العسكريّة عبر إعادة ترميم ما توافر له من بنى تحتيّة، واستخدام مكاتب قديمة، والتنقّل بحرّية على الأراضي اللبنانية باستثناء جنوب الليطاني الذي تسيطر عليه إسرائيل بالكامل عبر مسيّراتها التي تغتال كلّ المقاتلين، واللوجستيّين، والتقنيّين، وكلّ من له علاقة بعمل “الحزب”.
  • ثالثاً: اقتناع تل أبيب وواشنطن بأنّ كلّ محاولات تجفيف مصادر تمويل “الحزب” فشلت، ولا يزال يستطيع نيل الأموال. وربّما هذا ما عبّر عنه بصريح العبارة بارّاك في قوله: “خلال هذه الفترة تدفّق إلى “الحزب” ما يصل إلى 60 مليون دولار شهريّاً من مكان ما”. وفي هذه العبارة اعتراف علنيّ وخطير تقول المصادر إنّه ستكون له تداعيات لاحقة.

    ستكون الأيّام المقبلة على البلد صعبةً ومزدحمةً بالاستحقاقات، سواء في القوانين الإصلاحية كقانون الفجوة الماليّة أو التقرير الأوّل المفترض أن يقدّمه الجيش اللبناني عن مدى تقدّمه والتزامه الخطّ

انطلاقاً من كلّ ما تقدّم، الكلام عن انسحاب إسرائيلي هو وهم في هذه المرحلة، وكلّ الكلام عن تقدُّم للدولة اللبنانية في مسار حصر السلاح ليست له مفاعيل تنفيذيّة حتّى هذه اللحظة، إذ تعتبره الدول المعنيّة كلاماً لم يُترجم بعد.

لذلك ستكون الأيّام المقبلة على البلد صعبةً ومزدحمةً بالاستحقاقات، سواء في القوانين الإصلاحية كقانون الفجوة الماليّة أو التقرير الأوّل المفترض أن يقدّمه الجيش اللبناني عن مدى تقدّمه والتزامه الخطّة وعن العوائق التي يواجهها.

إقرأ أيضاً: بن فرحان: لا تراجع عن حصريّة السّلاح

لمتابعة الكاتب على X:

@josephinedeeb

مواضيع ذات صلة

حصار أميركيّ على عون والجيش؟

بين انفتاح الرياض حيال لبنان، وتضارب الإشارات الأميركيّة في شأن أداء السلطة السياسيّة والجيش، والتصعيد الإسرائيليّ المتدحرج المُهوّل بحربٍ وشيكة، ومشهد بيروت “الاستثماريّ”، أتى خبر…

ماذا فعلت مستشارة ماكرون في دمشق؟

في ظلّ التحوّلات المتسارعة في الإقليم، تزداد قناعة العواصم بأنّ سوريا استعادت موقعها كلاعب لا يمكن تجاوز دوره أو القفز فوق تأثيره. ومن ضمن الوفود…

بن سلمان في واشنطن: السّعوديّة حجر الزّاوية في الشّرق

يبدأ وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان زيارة رسميّة للولايات المُتّحدة الأميركيّة تلبيةً لدعوة الرّئيس دونالد ترامب. لكنّ هذه الزّيارة ليسَت زيارة عاديّة على…

التّوافق “شغّال”… وبرّي: لا تحلُموا!

بعد اكتمال كلّ التواقيع الرئاسيّة والوزاريّة، تُرسِل اليوم رئاسة الجمهوريّة مشروع القانون المعجّل للتعديلات على قانون الانتخاب إلى مجلس النوّاب. لكن ليس لهذه الخطوة الدستوريّة…