ذهبت المرجعيّة الدينيّة في محافظة السويداء السوريّة بعيداً باتّجاه فصل السويداء عن باقي المحافظات السوريّة واقتلاع دروز سوريا من محيطهم الوطنيّ. ولم يتردّد الشيخ حكمت الهجري في تسمية الأمور بأسمائها، التي كانت حتّى الأمس القريب من المحرّمات، فدعا إلى تأسيس كيان انفصاليّ للدروز في المحافظة بحماية إسرائيل.
مصير مشروع الشيخ حكمت الهجري ليس مضموناً بعد لأنّه مرهون بالمفاوضات والمساومات الدولية على مستقبل سوريا، لكنّ الأكيد أنّ هذا المشروع الرامي إلى فصل السويداء عن سوريا سيقود إلى فصل الدروز عن الدروز لأنّ معظم دروز لبنان وقسماً من دروز سوريا لا يمكن أن يقبلوا بأيّ شكل من الأشكال بأن تتحوّل طائفتهم إلى فرقة معزولة عن تاريخها العربي والإسلامي لتصبح مهمّتها الوحيدة حراسة الحدود الشمالية لإسرائيل.
الأمل أن يتحرّر شيخ العقل الأبرز في السويداء من الأوهام، ويدرك قبل فوات الأوان أنّ دروز سوريا ولبنان لن يتخلّوا عن خطّ سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط والأمير عبدالله التنّوخي وشكيب وعادل أرسلان ووليد جنبلاط، ليصبحوا أتباع الشيخ حكمت الهجري، مع الاحترام لموقعه الديني.
نكسة مستجدّة
سارت الرياح في الأيّام الأخيرة في الاتّجاه المعاكس لوحدة سوريا. ولم يقتصر الأمر على الدعوة المستفزّة إلى انفصال السويداء وتشكيل “حرس وطنيّ” فيها، بل تزامن ذلك مع تعثّر إجراء الانتخابات التشريعية في ثلاث محافظات تمثّل عُشر المقاعد النيابية.
يعوّل الحكم السوريّ الجديد ويضع آمالاً كبيرة على الانتخابات التشريعية التي تقرّر إجراؤها في منتصف أيلول. فانتخاب المجلس الجديد من شأنه تعزيز شرعيّة الحكم، في الداخل والخارج، وأن يمكّن حكومة الرئيس الشرع من اتّخاذ قرارات كبيرة منتظَرة، ربّما أهمّها على الصعيد الإقليمي. لكنّ الاستعدادات لإجراء الانتخابات مُنيت بنكسة في الأيّام الأخيرة عندما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات تأجيلها في محافظات الرقّة والحسكة والسويداء.
سوريا هي قلب العروبة النابض، كما سمّاها الرئيس عبدالناصر يوم إعلان الوحدة السوريّة المصريّة
فقد تبيّن للّجنة العليا للانتخابات أنّه يستحيل إجراء الانتخابات في هذه المحافظات. وفقاً لسرديّة حكومة دمشق تمّ التأجيل بسبب “سيطرة قوى عسكرية تصادر الرأي السياسي للمواطنين… وتحرمهم حقّهم بأن يكونوا أعضاء في مجلس الشعب”.
يعود ذلك إلى تعثّر المفاوضات بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والحكومة السوريّة بشأن تنفيذ اتّفاق 10 آذار الماضي الذي وقّعه الرئيس أحمد الشرع ومظلوم عبدي القائد العامّ لقوّات سوريا الديمقراطية. ترى “قسد” أنّ دمشق “تريد حلّ مؤسّسات الإدارة الذاتيّة المدنية والأمنيّة والعسكرية”، بينما الإدارة الذاتية تريد لها “ارتباطاً بالمؤسّسات الموازية في دمشق دون حلّها”.

يكشف ذلك عن عمق واتّساع الخلاف على مفاهيم المركزيّة واللامركزيّة والفدرالية في اللحظة الراهنة من تاريخ سوريا. ولو أمكن حلّ هذه المسائل بعقل منفتح ونيّة حسنة لتمّ تجاوز معظم المشكلات السوريّة الراهنة بكلّ تأكيد، دون التفريط بالوحدة السورية.
فقر مدقع
لا يملك السوريّون ترف ممارسة الخلافات الطائفية والمناطقية والإثنية، بل هم بأشدّ الحاجة إلى السلام والوفاق لانتشال بلدهم المدمَّر من قعر الفقر والبؤس الذي قادهم إليه عهد الأسد الأب والأسد الابن.
استناداً إلى تقرير نشره البنك الدولي في حزيران الماضي بعنوان ” تقويم الاقتصاد الكلّي والماليّة العامّة في سوريا”، أدّت أربعة عشر عاماً من الصراع إلى نزوح نصف السكّان إلى داخل البلاد وخارجها وانكماش الاقتصاد بنسبة 50%. هبطت حصّة الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي إلى 830 دولاراً في العام الماضي، وهو مبلغ يقلّ كثيراً عن الحدّ الأدنى للبلدان ذات الدخل المنخفض بمعايير البنك الدولي.
وسط جنون التضخّم والارتفاع غير المسبوق في أسعار الاستهلاك بعد سنة 2011، بات ربع السكّان يعيشون في فقر مدقع، أي بأقلّ من 2.15 دولار للفرد الواحد في اليوم.
إقرأ أيضاً: الشّرع تجاوز الجراح.. “الحزب” لن يفعل؟
سورية هي قلب العروبة النابض، كما سمّاها الرئيس عبدالناصر يوم إعلان الوحدة السوريّة المصريّة. وهي اليوم مهدّدة في وحدتها وحدودها وأمنها واقتصادها، وعندما يكون القلب مهدّداً يصبح الجسد كلّه في خطر.
