“اليونيفيل” في أشهرها الأخيرة؟

مدة القراءة 6 د

لا قرار سيصدر اليوم عن مجلس الأمن في شأن بتّ مصير التمديد لقوّات “اليونيفيل”. الخلاف الأميركي – الفرنسي، إلى جانب الضغط الإسرائيلي والدور الروسيّ، أعاقوا صدور القرار في موعده، وقد تبلّغ رئيس الجمهورية جوزف عون رسميّاً بذلك. الأمر المؤكّد أنّ استحقاقات عدّة تتداخل فيما بينها، أدّت إلى هذه الضبابيّة غير المسبوقة، بالتزامن مع الموعد المفترض أيضاً لتقديم الجيش خطّته حول حصر السلاح بداية أيلول، والجواب الإسرائيلي الذي سيَحمله غداً المبعوث الأميركي توم بارّاك، يرافقه وفد أميركي، للرؤساء الثلاثة في شأن الورقة الأميركية المُقرّة في مجلس الوزراء.

 

انفرد موقع “أساس” بالكشف، عبر مقالٍ نُشِر في 20 آب، عن توجّه مجلس الأمن لتأجيل إصدار قراره في 25 الجاري، بسبب عدم التوصّل إلى صيغة تسوية ترضي الأطراف المتنازعة عن قرار التمديد. في المقابل، كانت التسريبات الأميركية – اللبنانية من نيويورك تحاول الترويج أنّ القرار سيصدر في الوقت المحدّد، بعد تجاوز الاعتراضات الفرنسيّة.

الأمر المحسوم أنّ التمديد لـ”اليونيفيل” سيُقرّ لعام واحد، ينتهي في 31 آب 2026، لكنّ الخلاف الأميركي – الفرنسي بقي قائماً حتّى اللحظات الأخيرة على مسائل جوهريّة عدّة لا تتّصل في عمقها بتوسيع صلاحيّات قوّات حفظ السلام، أو ميزانيّة “اليونيفيل” التي سيطالها التخفيض، كما كلّ بعثات الأمم المتّحدة في العالم، بل بمصير بقائها بحدّ ذاته.

طوال الفترة الماضية، كانت واشنطن وتل أبيب تضغطان لتضمين القرار جدولاً زمنيّاً للانسحاب التدريجي، بدءاً من الأشهر الأولى “للتمديد الأخير”، أو في أقصى الأحوال، ذكر مهلة زمنية معيّنة، قد تكون خلال الستّة أشهر التي ستلي انتهاء التمديد في 31 آب 2026، لبدء “اليونيفيل” تفكيك منشآتها، وسحب عناصرها البالغ عددهم نحو عشرة آلاف من جنوب لبنان.

تقول مصادر دبلوماسية موثوقة لـ”أساس”: “واضح أنّ واشنطن لم ترضَ بالتعديلات الفرنسية لجهة الإشارة إلى “التخطيط لانسحاب اليونيفيل”

قدّمت فرنسا مشروعها، بوصفها حاملة القلم، مع تعديلات وإضافات، منها “العزم في المرحلة المقبلة على إنهاء مهامّ اليونيفيل”، ورفض تضمين التمديد عبارة نهائية وحاسمة عن سحب قوّات الطوارئ الدولية. وذلك بالتنسيق مع الجانب اللبناني، حيث إنّ رئيس الجمهورية، كما قائد الجيش العماد رودولف هيكل، يُسلّمان بأنّ أحد عناصر إنجاح خطّة الجيش، وانتشاره في كامل جنوب الليطاني، وتسلّم كامل مخازن الأسلحة والمواقع التابعة لـ”الحزب”، هو استمرار المؤازرة من قبل قوّات “اليونيفيل”. وهذا الأمر موثّق في العمليّات التي نفّذها الجيش و”اليونيفيل” منذ توقيع اتّفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي. أمّا السبب الأهمّ لنجاح خطّة الجيش فهو الانسحاب الإسرائيلي النهائيّ من المواقع الحدودية المحتلّة.

وفق المعلومات، أكّد الجانب اللبنانيّ للموفدين الدوليّين أنّ بقاء “اليونيفيل” في جنوب لبنان يجب أن لا يقلّ عن مدّة سنتين ضمن إطار استكمال تنفيذ خطّة الانتشار وتسليم السلاح.

واشنطن “تَكسر” القرار

ما حصل في الأيّام الماضية هو أنّ الولايات المتّحدة الأميركية عَمَدت إلى اتّخاذ إجراء “كسر الصمت” Break the silence، وهو مصطلح تقنيّ يتمّ اللجوء إليه بعد توزيع مشروع قرار ضمن “فترة صمت”، لمناقشته في الاجتماعات المغلقة، وإذا لم تحصل اعتراضات عليه، يتمّ اعتماد نصّه والتصويت عليه.

“إجراء الصمت” Silence procedure، هي الآليّة الدبلوماسيّة التقنية التي وُزّع خلالها مشروع القرار الفرنسي على الدول الأعضاء لتداوله، إلى أن لجأت واشنطن إلى “كسر الصمت”، بهدف استمرار التفاوض أو إسقاط تعديلات محدّدة وجدت واشنطن أنّها لا تحقّق “موجبات” التمديد الأخير لـ”اليونيفيل”.

اليونيفيل

أتاح ذلك تأجيل اتّخاذ القرار اليوم في مجلس الأمن  إلى موعد آخر، قد يحدّد في اليوم الأخير لانتهاء فترة التمديد رسميّاً، أي 31 آب الجاري، إذا بقي الخلاف مستمرّاً. هذا مع العلم أنّ هذا الإجراء اتُّخذ سابقاً عام  2022 من قبل الصين وروسيا، خلال تجديد ولاية “اليونيفيل”، اعتراضاً على تعديلات أدخلتها فرنسا على المشروع.

قدّمت فرنسا مشروعها، بوصفها حاملة القلم، مع تعديلات وإضافات، منها “العزم في المرحلة المقبلة على إنهاء مهامّ اليونيفيل”

تقول مصادر دبلوماسية موثوقة لـ”أساس”: “واضح أنّ واشنطن لم ترضَ بالتعديلات الفرنسية لجهة الإشارة إلى “التخطيط لانسحاب اليونيفيل”، مع مهلة مفتوحة، أي غير محدّدة بمدّة زمنيّة، وربط ذلك بجهوزيّة الحكومة اللبنانية لتولّي مهامّ حصر السلاح على كامل الأراضي اللبنانية”.

تضيف المصادر: “وفق مسار النقاش الفرنسي – الأميركي المحتدم، لن يتراجع الأميركيون عن مطلبهم إقرار التمديد الأخير لـ”اليونيفيل”، وذِكر ذلك في متن القرار بوضوح، على أن تبدأ قوّات حفظ السلام بالانسحاب التدريجي من جنوب لبنان، بدءاً من الأشهر الأولى لهذا التمديد، بحيث يحلّ موعد 31 آب 2026 وقوّات “اليونيفيل” قد غادرت لبنان نهائيّاً”.

تفيد المعلومات أنّ نقطة الخلاف الأساسية تكمن هنا، في ظلّ ترجيحات بأن تنصاع فرنسا، ومعظم أعضاء مجلس الأمن، للتوجّه الأميركي، وليس العكس، مع محاولة التخفيف من حدّته، وتردّدت معلومات بأنّ باريس لن تلجأ إلى حقّ النقض.

بين السّلاح والتّمديد

في المحصّلة، يبدو أنّ هناك ترابطاً بين القرار الذي سيصدر عن مجلس الأمن في شأن “اليونيفيل”، والجواب الذي سيطرحه غداً الموفد الأميركي توم بارّاك خلال لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة، وقائد الجيش، بعد محطتيّن له في تل أبيب ثم دمشق. رفض إسرائيل لترتيبات الورقة، وعدم “استجابتها” للمطلب الأميركي، بالإقدام على الخطوة الثانية، سيزيدان مهمّة سحب السلاح تعقيداً، في ظلّ رفض مطلق من “الحزب” للورقة، ودعوته الحكومة إلى العودة عن قراراتها، ليأتي لاحقاً القرار الدولي بسحب قوّات “اليونيفيل”.

إقرأ أيضاً: “الألغام” في ورقة توم بارّاك

هذا يعني، وفق مطّلعين، سحب الغطاء الأمميّ عن كلّ ما قد يحصل في المرحلة المقبلة، جنوب الليطاني، كما شماله، وحصر مهمّة تنفيذ سحب السلاح بلجنة آليّة مراقبة وقف إطلاق النار، على أن ينحصر دور “اليونيفيل” فيها، فقط لعامٍ واحد، وفي نهاية المطاف “ترك الجيش اللبناني وجهاً لوجه مع الجيش الإسرائيلي… و”الحزب” الرافض لتسليم سلاحه”.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@MalakAkil

مواضيع ذات صلة

حصار أميركيّ على عون والجيش؟

بين انفتاح الرياض حيال لبنان، وتضارب الإشارات الأميركيّة في شأن أداء السلطة السياسيّة والجيش، والتصعيد الإسرائيليّ المتدحرج المُهوّل بحربٍ وشيكة، ومشهد بيروت “الاستثماريّ”، أتى خبر…

ماذا فعلت مستشارة ماكرون في دمشق؟

في ظلّ التحوّلات المتسارعة في الإقليم، تزداد قناعة العواصم بأنّ سوريا استعادت موقعها كلاعب لا يمكن تجاوز دوره أو القفز فوق تأثيره. ومن ضمن الوفود…

بن سلمان في واشنطن: السّعوديّة حجر الزّاوية في الشّرق

يبدأ وليّ العهد السّعوديّ الأمير محمّد بن سلمان زيارة رسميّة للولايات المُتّحدة الأميركيّة تلبيةً لدعوة الرّئيس دونالد ترامب. لكنّ هذه الزّيارة ليسَت زيارة عاديّة على…

التّوافق “شغّال”… وبرّي: لا تحلُموا!

بعد اكتمال كلّ التواقيع الرئاسيّة والوزاريّة، تُرسِل اليوم رئاسة الجمهوريّة مشروع القانون المعجّل للتعديلات على قانون الانتخاب إلى مجلس النوّاب. لكن ليس لهذه الخطوة الدستوريّة…