كاد مجلس النوّاب العراقي أن يقرّ قانون الحشد الشعبي الذي من خلاله يتمّ الاعتراف به رسميّاً، باعتبارها مؤسّسة رسمية مستقلّة من مجموعة الميليشيات والتنظيمات الشيعية المسلّحة يكون رئيسها بدرجة وزير. لماذا تراجع النوّاب في اللحظة الأخيرة؟ وما هو الدور الأميركي في هذا التراجع؟
تحرّك الأميركيون باتّجاه منع تشريع ميليشيات الحشد بعدما رصدوا إصرار حلفاء إيران في العراق على تثبيت وجود الحشد بقانون ملزم للحكومة بغضّ النظر عن شخصيّة مَن يتزعّمها، وهو ما كان سيجعل العراق رهينة إيرانية في المستقبل.
المرجعيّة لا تقوى على حلّ الحشد
نفض نوّاب الدورة الحالية أيديهم من القانون المذكور وتمّ تأجيله صوريّاً إلى الدورة المقبلة التي سيبدأ عملها بعد الانتخابات في تشرين الأوّل. أمّا حلّ الحشد الشعبي في سياق الأوامر الأميركية فهو ليس من اختصاص السلطة التشريعية. تلك مهمّة عسيرة أوكلها البعض إلى المرجعية الدينية. تأسّس الحشد تلبية لفتوى أصدرها المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني، وهو ما يعني أنّه يملك سلطة حلّها من خلال فتوى جديدة. إلّا أنّ أعضاء المؤسّسة المرجعية وعلى رأسهم السيستاني نفسه يدركون أنّ أيّ فتوى ستصدرها لحلّ الحشد الشعبي لن ينفّذها أحد، وبذلك تضع المرجعية نفسها في موقف محرج، وستؤدّي تلك الفتوى بالضرورة إلى إحراج إيران التي من المتوقّع أن تنقلب على المرجعية، محرومة من المليارات التي تجنيها. ولأنّ المرجعيّة ليست مؤسّسة وطنية عراقية فلن تسقط في ذلك الفخّ الذي يمكن أن يحرم النجف من هالتها الرمزيّة.
كاد مجلس النوّاب العراقي أن يقرّ قانون الحشد الشعبي الذي من خلاله يتمّ الاعتراف به رسميّاً، باعتبارها مؤسّسة رسمية مستقلّة
يد الميليشيات هي الأقوى
أمّا الحكومة العراقية التي يطمع رئيسها بولاية ثانية بعد الانتخابات، وقد هيّأ نفسه لكي يخوض صراعاً شرساً في مواجهة تحالف “الإطار التنسيقي”، وهو التحالف الحاكم الذي وهبه فرصة اعتلاء كرسي السلطة، فإنّها أضعف من أن تقول رأياً مع تثبيت الحشد واقعيّاً بقوّة القانون أو مع حلّه في سياق تنفيذ الأوامر الأميركية التي تعرف أنّها ستكون مؤثّرة على عملها لارتباطها بتعليمات وزارة الخزانة الأميركية التي هي الجهة الوحيدة التي تملك حقّ التصرّف بالإيرادات المالية التي يحصل عليها العراق من بيع نفطه. الطرفان المتخاصمان حول الحشد الشعبي، وهما الولايات المتّحدة وإيران، يعرفان جيّداً أنّ الحكومة العراقية هي أضعف من أن تتّخذ قراراً سياديّاً من ذلك النوع، ولذلك مصير الحشد سيُترك إلى أن تُعقد جولة جديدة من مفاوضاتهما التي قد لا تُعقد في وقت قريب.

في انتظار ما يمكن أن تؤدّي إليه مفاوضات الطرفين الراعيَين للعراق سيظلّ خطر سلاح الميليشيات الشيعية المنفلت ماثلاً في حياة العراقيين. ما حدث من اقتتال قبل أيّام في منطقة الدورة بين فصيل من الحشد والقوات الأمنيّة، وكان موضوعه خلافاً على إزاحة مدير في وزارة الزراعة من منصبه، وأدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى، يمكن أن يتكرّر في أيّة لحظة، وهو ليس الحادثة الأولى من نوعها. كان هناك الكثير من الوقائع التي عاش العراقيون رعبها وانتصرت الميليشيات فيها على القوّات الأمنية من غير أن تجرؤ الحكومة على التحقيق فيها. ولكنّ ما يجب أن نعرفه أنّ وزارة الداخلية العراقية التي تتولّى عادة التحقيق في تلك النزاعات إنّما تُدار من قبل منظّمة بدر. وهي ميليشيا يتزعّمها هادي العامري المعروف بولائه لإيران.
ستظلّ إيران تنظر إلى العراق باعتباره عدوّاً. هنا يكمن خطر الحشد الشعبي على مستقبل العراق
العراق هو العدوّ دائماً
بغضّ النظر عمّا يشيعه المستفيدون من فوضى السلاح المنفلت من نظريّات يضربون من خلالها على الأوتار الطائفية، كأن يكون الحشد هو القوّة التي تحمي العراق (الشيعي) من غزو داعشيّ يمهّد لعودة البعثيين إلى الحكم، فإنّ ما يجري على الأرض يؤكّد أنّ لميليشيات الحشد أجنداتها الخاصّة التي لا علاقة لها بالعراق. المنطلقات النظريّة لتلك الميليشيات لا تقوم أصلاً على احترام سيادة العراق والدفاع عن كرامة وحرّية العراقيّين. لقد تأسّست تلك الميليشيات في إيران أو برعاية وتمويل منها.
إقرأ أيضاً: محنة الميليشيا بين العراق ولبنان
حتّى في الحالة التي يحكم فيها أتباعها العراق ستظلّ إيران تنظر إلى العراق باعتباره عدوّاً. هنا يكمن خطر الحشد الشعبي على مستقبل العراق.
*كاتب عراقي
