هل يُوقّع ترامب وبزشكيان الاتّفاق الجديد؟

مدة القراءة 7 د

لماذا ثبّتَت طهران وواشنطن الجلسة المُقبلة في مسقط بدلاً عن العاصمة الإيطاليّة روما؟ وهل كان يعني طرح روما انتفاءَ الدّور العُمانيّ وبدء المُفاوضات المُباشرة؟ وماذا عرضَت طهران على واشنطن؟ وماذا تُريد الأخيرة حقيقةً؟ وهل يتحوّل الاتّفاق بين الجانبَيْن إلى “معاهدةٍ رئاسيّة”؟

 

شكّلَت المُفاوضات التي بدأت بشكلٍ علنيّ بين الولايات المُتّحدة وإيران نقطةَ تحوّلٍ مُهمّة في منطقة الشّرق الأوسط. إذ لا تُريد واشنطن بقيادة دونالد ترامب ولا حتّى إيران ارتكاب الخطأ الاستراتيجيّ الذي وقعَ فيه اتّفاق 2015 بتجنّب آراء دولِ المنطقة والوقوف عندَ حفظِ مصالحها القوميّة والاستراتيجيّة.

جولة عربية لعراقتشي..

بدا هذا واضحاً في سلسلةِ الاتّصالات التي أجراها الرّئيس الإيرانيّ مسعود بزشكيان بقادة دول مجلس التّعاون الخليجيّ قبل بدء المُفاوضات، وفي الاتّصالات التي أجراها المُفاوض الإيرانيّ وزير الخارجيّة عبّاس عراقتشي بنظرائه الخليجيّين والمصريّ مساءَ الإثنيْن لوضعهم في أجواء المفاوضات وتفاصيلها. وفي معلومات “أساس” أنّ إيران قد توفِدُ وزير الخارجيّة إلى دول المنطقة في وقتٍ قريبٍ لشرحِ تفاصيل المُفاوضات مع أميركا واستطلاع آراء دُول الخليج العربيّ حولَ مسارِها.

أمّا على الجانب الأميركيّ، فكانَ وزير الدّفاع بيت هيغسيث يُجري اتّصالاً بنظيره السّعوديّ الأمير خالد بن سلمان مُباشرةً بعد اللقاء الذي جمَع ترامب برئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي، لإبلاغه بدء المُفاوضات مع إيران.

كانَت المُفاوضات مع إيران حاضرةً أيضاً في الزّيارة التي قامَ بها وزير الخارجيّة السّعوديّ الأمير فيصل بن فرحان للعاصمة الأميركيّة واشنطن الخميس الماضي للتّحضير للزّيارة المُرتقبة للرّئيس الأميركيّ للرّياض منتصف الشّهر المُقبل.

تُريد واشنطن توقيعاً إيرانيّاً بعد الاتّفاق النّوويّ على تعهّداتٍ بملفّ التّسلّح تتضمّن نصّاً واضحاً بتعريض منشآتِها الصّاروخيّة وقواعدها العسكريّة للضرب

إيران تفضّل مسقط للحوار..

كانَ الجديد في المُفاوضات هو طلب أميركا نقلها من العاصمة العُمانيّة مسقط إلى العاصمة الإيطاليّة روما. لكنّ هذا الأمر إن حصلَ فلا يعني انتفاء دور الوساطة العُمانيّة. إذ ينقل لـ”أساس” مصدرٌ إقليميٌّ على صلة بالإيرانيين قولهم إنّ دورَ عُمان في الوساطة سيظلّ قائماً، وإنّ طهران طلبَت أن تجري المفاوضات في مقرّ السّفارة العُمانيّة أو دارة السّفير العُمانيّ في حال تقرّرَ عقد الجلسة المُقبلة في روما.

ترامب

اقترحَ الإيرانيّون أيضاً أن تكونَ العاصمة السّويسريّة جنيف أو العاصمة النّمساويّة فيينا مكاناً مُحتملاً لعقدِ المفاوضات، بحضور وزير الخارجيّة العُماني بدر البوسعيدي. لكنّ الرّأي في طهران يُفضّل إبقاء المُفاوضات في العاصمة العُمانيّة مسقط. ويُريدُ الإيرانيّون أن تكونَ الجلسة المُقبلة غير مباشرةٍ أيضاً، ذلكَ أنّهم يعتبرون أنّ المحادثات لا تزال في طور استشراف النّوايا ولم تصل بعد إلى الحدّ الذي يتطلّب بدء التّفاوض المُباشر، على اعتبار أنّ الكشفَ عن مسألة “حُسن النّوايا” في ملعبِ المبعوث الأميركيّ ستيفن ويتكوف.

أصرّت إيران على بقاء المُفاوضات في مسقط، ذلكَ أنّ انعقادها في روما يومَ السّبت المُقبل سيتزامن مع زيارة نائب الرّئيس الأميركيّ جي. دي. فانس لإيطاليا. ويتعلّق الإصرار على بقائها في مسقط بدعم طهران لمهمّة الوسيط العُماني. وقد أدّت اتّصالات السّاعات الأخيرة إلى تأكيد إجراء جولة السّبت المُقبل في سلطنة عُمان.

عراقتشي – ويتكوف

بحسبِ معلومات “أساس” قالَ المُفاوض الإيرانيّ عبّاس عراقتشي للمبعوث الأميركيّ ستيفن ويتكوف في الدّردشةِ التي جمعتهما أثناء خروجهما من مقرّ المفاوضات في عُمان إنّ وفدَهُ يلقى الدّعم الكامل من القيادة الإيرانيّة بشخص المُرشِد علي خامنئيّ و”الجهات المعنيّة” (أي الحرس الثّوريّ). كلام عراقتشي لويتكوف يُرادُ منه حضّ الوفد الأميركيّ على القيام بخطواتٍ ملموسةٍ مثل التزام رفع بعض العقوبات عن طهران.

تتفهّم إدارة ترامب إرادة طهران تشكيل قوّةٍ للدّفاع عن أمنها القوميّ، لكنّها لن تقبل أن تتحوّل هذه القوّة لأغراضٍ هجوميّة

من جهته، أشارَ ويتكوف للمفاوض الإيرانيّ إلى أنّ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب مُلتزمٌ إلى أقصى حدّ التّوصّلَ إلى اتّفاقٍ واضحٍ يمنع إيران من الحصول على قنبلة نوويّة، وأنّه جاهزٌ لتوقيع أيّ اتّفاقٍ جيّدٍ بالشّراكة مع نظيره الإيرانيّ مسعود بزشكيان إن لزَمَ الأمر ليكون الاتّفاق بمنزلة مُعاهدةٍ.

يدلّ هذا على أنّ الجانبيْن لا يزالان في مرحلةِ استشرافِ النّوايا. لكن لا يمكن إغفال أنّ المرشد الإيرانيّ، على الرّغم من تصريحاته العالية النّبرة وتوجيهاتهِ لاستنفار القوّات المُسلّحة، كانَ من الأوائل الذين “أعدّوا العُدّة” لمرحلة ترامب بعد تسهيله وصول مسعود بزشكيان إلى سُدّة الرّئاسة في طهران إثر وفاة إبراهيم رئيسي ووزيرالخارجية حسين أمير عبداللهيان.

يُضاف إلى ذلكَ أنّ خامنئي منحَ الوفدَ المفاوض برئاسة عراقتشي الصّلاحيّات الكاملة لتسهيل الوصول إلى اتّفاقٍ، أو الانسحاب من المفاوضات في حال طُلِبَ من إيران تجاوز ما يُعتَبَرُ “خطوطاً حمراً” مثل تفكيك البرنامج النّوويّ بالكامل أو تفكيك البرنامج الصّاروخيّ بشكلٍ كامل.

ما تريده أميركا…

علمَ “أساس” أنّ الجانبَ الأميركيّ أبلغَ الوفد الإيرانيّ عبرَ الوسيط العُمانيّ أنّه يريدُ اتّفاقاً واضحاً يُحدّدُ كميّة اليورانيوم المُخصّب بنسبة 3.67% بشكلٍ أوضح من اتّفاق 2015 الذي تنتهي مفاعيله في تشرين الأوّل المُقبل، وأن تكونَ آليّة الرّقابة أشدّ وأفعَل من تلكَ التي وردَت في ورقة 2015. وقال الوفد الأميركيّ إنّ قبول إيران بهذه الثّوابت هو دلالة على حسن نواياها، ويجعل الوصول إلى اتّفاقٍ يتعلّق بالبرنامج النّوويّ أمراً سهلاً جدّاً يمكن بعده التّفاوض على “برامج التّسلّح الإيرانيّة”، بما في ذلك الصّواريخ البالستيّة والمُسيّرات.

 أشارَ ويتكوف للمفاوض الإيرانيّ إلى أنّ الرّئيس الأميركيّ دونالد ترامب مُلتزمٌ إلى أقصى حدّ التّوصّلَ إلى اتّفاقٍ

ما تُريده واشنطن حقيقةً من مناقشة برنامج التّسلّح الإيرانيّ هو ضمان أن لا يُشكّل البرنامج الصّاروخيّ تهديداً لدولِ الجِوار وإسرائيل، وأن تلتزمَ إيران بعدم تسليح أيّ فصيلٍ تابع لها في المنطقة بهذه الصّواريخ أو المُسيّرات، كما حصلَ مع “الحزبِ” في لبنان بين 2015 و2023 بعد تزويده مئات الصّواريخ من طِراز “فاتح 110” والطّائرات المُسيّرة الاستطلاعيّة أو المُسلّحة أو الانقضاضيّة.

قد تتفهّم إدارة ترامب إرادة طهران تشكيل قوّةٍ للدّفاع عن أمنها القوميّ، لكنّها لن تقبل أن تتحوّل هذه القوّة لأغراضٍ هجوميّة، كما حصلَ في نيسان الماضي ومطلع تشرين الأوّل بعد قصفِ إيران لإسرائيل بمئات الصّواريخ البالستيّة والصّواريخ الجوّالة (كروز)، أو كما حصلَ مع قصف مدينة إربيل العراقيّة غير مرّةٍ.

بكلام آخر تُريد واشنطن توقيعاً إيرانيّاً بعد الاتّفاق النّوويّ على تعهّداتٍ بملفّ التّسلّح تتضمّن نصّاً واضحاً بتعريض منشآتِها الصّاروخيّة وقواعدها العسكريّة للضرب في حال الإخلال بهذه التعهّدات، سواء بتسليح الميليشيات في المنطقة أو استعمالها لتهديد أو ضربِ إسرائيل ودُول الجوار.

التّلويح بالفوائد الاقتصاديّة

يتلخّصُ هدفُ إيران من المفاوضات في تجنّبِ ضربةٍ أميركيّة قاصمةٍ، وفتح الآفاق الاقتصاديّة لتجنّب أزمةٍ داخليّةٍ باتت بمنزلةِ جمرٍ تحت رماد العقوبات الاقتصاديّة قد يُشعل البلاد بين يديْ المُرشِد الذي يُريدُ ومعه “الحرس الثّوريّ” ضمان الاستقرار في إيران مع تقدّم عُمرِ خامنئيّ واقتراب انتقالِ السّلطة إلى مرشدٍ جديد. ولهذا كانت إيران تُلوّحُ لدونالد ترامب بالفوائد الاقتصاديّة التي تتجاوز تريليون دولار في حال رفعِ العقوبات عنها.

إقرأ أيضاً: ترامب “يُعنِّف” نتنياهو: الاتّفاقَ مع إيران و”الحب” لإردوغان

يعني هذا تحصين الاتّفاقِ اقتصاديّاً عبر جذب الاستثمارات الأميركيّة إلى داخل إيران، وهو ما يُصعّب إعادة فرض العقوبات عليها، ويُحصّن وضعَ النّظام الذي ترنّحَ بشكلٍ غير مسبوق بعد سلسلة الضّربات والاغتيالات التي تعرّضت لها إيران وفصائلها منذ 8 تشرين الأوّل 2023 وصولاً إلى اليوم.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

تصعيد “الحزب” يعيق قيام الدّولة… والحوار الرئاسي مستمر..

يتحدّث “الحزب” بلغتين: لغة إلى رئيس الجمهورية يعلن خلالها أنّه متفاهم مع الرئيس جوزف عون على المسار الذي وضعه الأخير باتّجاه الحوار الثنائي في استراتيجية…

في جلسة “السّرّيّة المصرفيّة”: بيروت “زَيْ ما هيّي”

يُشكّل اجتماع هيئة مكتب المجلس يوم غد الثلاثاء محطّة إلزامية باتّجاه دعوة الرئيس نبيه برّي إلى عقد جلسة تشريعية للهيئة العامّة لمجلس النوّاب، الأرجح هذا…

رسائل قاسم تحاكي الخارج والدّاخل…

بمعزل عمّا قاله الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم، محاولاً تقديمه في إطار أنّه “رجل المواجهة إذا اقتضى الأمر”، ثمّة وقائع أو بالأحرى قواعد جديدة…

“قانون الفراغ” يُكمل ابن خلدون أم يطيح به؟ (1-2)

في أيلول الماضي، صدرت دراسة جديدة عن ابن خلدون، بإشكاليّة مختلفة، وطرح جديد، تحت عنوان: “ما لم يقُله ابن خلدون. قانون الفراغ في تفسير قيام…