بلا مقدّمات تمهيدية أو سياقات واضحة، واجهت الكويت انتقادات من وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، الذي ألمح إلى أنّها لم تُسدّد بعد فاتورة تحريرها من الغزو العراقي مطلع تسعينيات القرن الماضي، في تصريحات أثارت موجة غضب شعبية في الكويت، ولم يتّضح على الفور ما إذا كانت غمامة عابرة أم بداية سرديّة جديدة من سرديّات “المظلومية” و”تحصيل الأموال” التي دأب الرئيس دونالد ترامب على ترويجها منذ وصوله إلى البيت الأبيض.
3 عناصر أساسيّة وردت في تصريح الوزير الأميركي: أوّلها أنّ فاتورة تحرير الكويت بلغت 100 مليار دولار دفعتها الولايات المتحدة، وثانيها أنّ الكويت تفرض أعلى رسوم جمركية على البضائع الأميركية، وثالثها أنّ الولايات المتحدة بذلت جهوداً كبيرةً لإطفاء آبار النفط الكويتية المشتعلة إبّان الغزو.
واجهت الكويت انتقادات من وزير التجارة الأميركي هوارد لوتنيك، الذي ألمح إلى أنّها لم تُسدّد بعد فاتورة تحريرها من الغزو العراقي مطلع تسعينيات القرن الماضي
لم يكن الوزير موفّقاً في أرقامه، ولم يورد معلومة صحيحة أو رقماً دقيقاً:
1 – فاتورة التحرير الإجمالية بلغت حوالي 61 مليار دولار لا 100 مليار، حسب إعلان رسمي من وزارة الدفاع الأميركية وتقارير من الكونغرس عام 1992. لم تتحمّل الولايات المتحدة منها سوى جزء بسيط وحصلت على أضعافه لاحقاً من خلال الاستثمارات، إذ سدّدت الكويت والسعودية الحصّة الكبرى (حوالي 32 مليار دولار)، ودفعت اليابان حوالي 10 مليارات، والإمارات 4 مليارات، وألمانيا 6 مليارات، إضافة إلى مساهمات من دول أخرى.
2 – الكويت لا تفرض رسوماً جمركية مرتفعة على البضائع الأميركية، فالضريبة الجمركية في الكويت تنظّمها اتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي للتعريفات الجمركية، ومعدّلها منخفض ويبلغ 5%، وهي موحّدة في جميع دول العالم.
3 – لم تتفرّد الولايات المتحدة بإطفاء حرائق آبار النفط، فالشركات الأميركية المتخصّصة كانت موجودة إلى جانب شركات من الاتحاد السوفيتي (آنذاك) وفرنسا وبريطانيا والصين ودول أخرى، إضافة إلى الفرق الكويتية.
من ضمن التعليقات الساخرة قول أحد الناشطين الكويتيين: “من يمون على وزير التجارة الأميركي عليه أن ينصحه بسؤال تطبيق الذكاء الصناعي (ChatGPT) قبل أن يُصرّح عن الكويت”.
ردود وقراءات
ضجّ الفضاء الإلكتروني والإعلامي الكويتي بردود على الوزير، وتحدّث كثيرون عن تاريخه وخلفيّته غير السياسية وقلّة خبرته، فهو كان جامع تبرّعات لحملة ترامب وتمّت مكافأته على إخلاصه، وربما يكون الأكثر انسجاماً في الإدارة الأميركية مع توجّهات الرئيس المتشدّدة تجارياً تجاه دول العالم.
وربط البعض موقف الوزير بالمواقف الأميركية الاقتصادية تجاه كندا والمكسيك وأوروبا والصين، لا سيما أنّه وجّه انتقاداته للكويت أثناء حديثه عن “الغُبن” الذي عانت منه الولايات المتحدة على مدى سنوات وعقود في تعاملاتها التجارية والاقتصادية مع دول العالم، لافتاً إلى أنّ ترامب جاء الآن ليقول “كفى”.
على الرغم من اختلاف الآراء في تقويم المنطلقات والأسباب، إلّا أنّ المواقف والتعليقات أظهرت فهماً للأهداف التي تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها
يمكن استخلاص 5 محاور أساسية في المواقف الكويتية التي عبّر عنها وزراء ونوّاب سابقون وقوى سياسية وشخصيّات وناشطون:
- أوّلاً: دعوة الحكومة إلى الردّ على المغالطات الأميركية من خلال المعلومات وكشف الحقائق، درءاً لضغوط ربّما تكون كبيرة، بدلاً من الانشغال بأسباب الانتقادات ودوافعها.
- ثانياً: وضع استراتيجية شاملة للتفاعل مع الإدارة الأميركية تتضمّن خطّة عمل تمتدّ من الكويت إلى مراكز القرار في واشنطن.
- ثالثاً: إعادة ترتيب الأولويّات لمواكبة المتغيّرات الاقتصادية والجيوستراتيجية الهائلة التي يعيشها العالم، في ظلّ استراتيجيات ترامب، وتطوير السياسات الاقتصادية بما يتوافق مع تلك التحوّلات.
- رابعاً: إبراز الوفاء الكويتي في التعامل مع الولايات المتحدة، إذ تؤكّد أحدث التقارير الماليّة أنّ أكثر من 50% من الاستثمارات الكويتية موجودة في الولايات المتحدة (تُقدّر بحوالي 400 مليار دولار)، وأنّ حيازة الكويت من السندات الأميركية وصلت في مطلع 2025 إلى 49 مليار دولار.
- خامساً: رفض الرضوخ لما وصفه البعض “ابتزازاً”، أو اعتبار التصريحات “شطحة إعلامية”، لأنّ ترامب نفسه سبق أن عبّر عن موقف مماثل في تصريحات بشهر نيسان 2011 أثناء حملة الانتخابات الرئاسية للولاية الأولى.
إقرأ أيضاً: نتنياهو الدّيكتاتوريّ.. هل يقود إسرائيل لحرب أهليّة؟
لجم الصّين … وتطبيع مع إسرائيل
على الرغم من اختلاف الآراء في تقويم المنطلقات والأسباب، إلّا أنّ المواقف والتعليقات أظهرت فهماً للأهداف التي تسعى إدارة ترامب إلى تحقيقها على 3 مستويات:
- المستوى الأوّل على المدى القصير: دَفْع الكويت إلى زيادة استثماراتها في الولايات المتحدة، على غرار ما أعلنته السعودية والإمارات في الآونة الأخيرة، مع العلم أنّ الكويت أبرمت شراكات استراتيجية مع شركات أميركية كبرى قبل أشهر، لكن يبدو أنّ ترامب يُريد المزيد ويرغب بنسب مثل هذه “الإنجازات” إلى نفسه وإدارته.
- المستوى الثاني على المدى المتوسّط: محاولة التأثير على العلاقات الكويتية – الصينية المتنامية في ظلّ المشاريع الكبرى التي بدأت الصين تنفيذها في الكويت، وعلى رأسها مشروع ميناء مبارك الكبير، ومشاريع أخرى مرتبطة ببناء مدن إسكانيّة ومحطّات للطاقة المتجدّدة. وتذهب آراء وازنة إلى أنّ تنامي التعاون الاقتصادي الكويتي – الصيني يزعج الإدارة الأميركية لأنّه يُرسّخ نفوذ الصينيين في منطقة الخليج، التي لطالما كانت منطقة نفوذ أميركي.
- المستوى الثالث على المدى الطويل: تهدف إدارة ترامب إلى ممارسة ضغوط على الكويت من أجل التطبيع مع إسرائيل، خصوصاً أنّها من أكثر الدول العربية والخليجية المعارضة لمثل هذا التوجّه، مع التزامها التامّ بالموقف الخليجي – العربي تجاه السلام، ودعم الشعب الفلسطيني وحقّه في إقامة دولته المستقلّة. ووزير التجارة نفسه من أشدّ المؤيّدين لإسرائيل والمعادين للفلسطينيّين.