تعرّفها وزارة الداخلية وفقاً للمرسوم الذي منحها ترخيصاً رسميّاً بالقول: “غايتها السعي لتطوير الشؤون الاجتماعية والبيئية والتربوية والثقافية كما الشؤون التي لها علاقة بالعمل الزراعي والحِرفي والصناعي وكلّ ما يتفرّع عنها، ومساعدة البلديّات والمؤسّسات المحلّية على العمل في جميع المجالات التي لها علاقة بالطاقة والمياه والنقل الحديث والسياحة، والعمل والتعاون والشراكة مع مؤسّسات وجمعيّات أخرى من المجتمع المدني تدخل نشاطاتها في الحقل عينه وفي حقل الأعمال الخيرية وجميع النشاطات الاجتماعية”.
فيما الاستخبارات الفرنسية، كما نقلت مجلة “باري ماتش”، تعرّفها بالقول إنّها منصّة من المنصّات التي يموّلها الميلياردير جورج سوروس الذي يموّل بدوره اللوبي الإيراني في فرنسا وأوروبا.
أمّا هي فتعرّف نفسها على موقعها الإلكتروني بأنّها منظّمة ملتزمة الإصلاح السياسي في لبنان للعمل على تحديد أُسس دولة حديثة ومستدامة وعادلة من خلال حوكمة تتّسم بالصلابة والإنصاف مموّلة حصريّاً من قبل الأعضاء المنتسبين، وهم مواطنون لبنانيون مقيمون ومغتربون يرغبون في إحداث تغيير إيجابي في بلدهم.
الحديث عن جمعيّة “كلّنا إرادة” ملتبس. تأييدها يضعك في موقع الاتّهام بالانضمام إلى مشروع خارجي مجهول التمويل والأهداف
ثلاثة تعريفات متناقضة لجمعية واحدة اسمها “كلّنا إرادة”، ومقاربة ملفّها كمقاربة التعاليم السماوية في الأيّام التي تسبق يوم القيامة، إذ تقول الرواية إنّ القابض على دينه في آخر الزمان كالقابض على الجمر.
الحديث عن جمعيّة “كلّنا إرادة” ملتبس. تأييدها يضعك في موقع الاتّهام بالانضمام إلى مشروع خارجي مجهول التمويل والأهداف. فيما معارضتها تجعلك في موقع الاتّهام أيضاً بالاستزلام للمصارف وأصحابها والانتظام في “payroll” الخاصّ بها أو الخاصّ بحزب المصرف، كما يحلو للإعلاميين الموالين لـ”كلّنا إرادة” وصفهم.
إلّا أنّ السؤال المحوريّ: ما قيمة العمل الصحافي إن لم يكن هواية السير على الخطوط الحمر، فإن أصبت فلك أجران وإن أخطأت فلك أجرٌ واحد.
بداية الحكاية
ثلاثة تواريخ تتحدّث عن بداية جمعيّة “كلّنا إرادة”:
1- المديرة التنفيذية للجمعية ديانا منعم تقول في حوار صحافي إنّ “التأسيس جاء في عام 2016 في لبنان. تعمل على الإصلاح السياسي والاقتصادي، وتتعاون مع الكثير من النواب والجمعيّات التي تعمل على البرنامج ذاته”، مشيرة إلى أنّ الهدف من كلّ نشاطاتها هو برنامج إصلاحي يطبّق في الحكومة والبرلمان.
2- عام 2017 ووفقاً للوثائق الرسمية تقدّم مؤسّسو “كلّنا إرادة” بطلب سُجّل لدى المديرية الإدارية المشتركة في وزارة الداخلية تحت رقم 15500 تاريخ 3/8/2017 للحصول على الترخيص الرسمي.
3- عام 2021، وتحديداً في العاشر من شهر أيلول، مُنح الترخيص رسميّاً لـ”كلّنا إرادة” بناء على المرسوم الحكومي رقم 8376.
تحمل التواريخ الثلاثة لبداية حكاية “كلّنا إرادة” الكثير الكثير من المؤشّرات والدلالات من خلال عملية استقصائية تتابع الأحداث وتعمل على ربطها.
كانت البداية الحقيقية، كما قالت ديانا منعم، عام 2016، والتقدّم بالترخيص جاء عام 2017، أي في ذروة التأزّم السياسي والتخبّط الاقتصادي في لبنان. أمّا اللافت هنا فهو أنّ جمعيّة لم يمرّ على تأسيسها بضعة أشهر تمكّنت من أن تكون الجمعية المدنية الوحيدة التي تشارك في مؤتمر “سيدر” لدعم لبنان الذي حصل في حينه بقيادة الرئيس سعد الحريري على قروض بقيمة 10.2 مليارات دولار وهبات بقيمة 860 مليون دولار. ثمّ حصلت بعد انتظار 4 سنوات على مرسوم الترخيص الرسمي إثر ثورة 17 تشرين 2019 والتبدّلات التي شهدتها وزارة الداخلية عام 2021 عبر الوزيرة ريّا الحسن (31/1/2019 – 21/1/2020)، ثمّ الوزير محمد فهمي (21/1/2020 – 20/9/2021).
تحمل التواريخ الثلاثة لبداية حكاية “كلّنا إرادة” الكثير الكثير من المؤشّرات والدلالات من خلال عملية استقصائية تتابع الأحداث وتعمل على ربطها
الخروج إلى العلن
الظهور العلني الأوّل جاء عبر مؤتمر “سيدر” عام 2018 وبتوجيه مباشر من رئيس الحكومة حينذاك سعد الحريري الذي كما تنقل الروايات تلقّى طلباً مباشراً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإشراك مجموعة “كلّنا إرادة” في المؤتمر عبر الوفد اللبناني المشارك. وبالفعل تحوّلت “كلّنا إرادة” إلى منصّة ترويجية لمؤتمر “سيدر” والمشاريع التي يحملها. وبالفعل، نظّمت ندوة في 23 آذار، أي قبل انعقاد المؤتمر بأسابيع، تحت عنوان “أبعد من سيدر: نحو إصلاحات جذرية في لبنان”. وتضمّن المؤتمر ثلاثة محاور:
1- من باريس 3 إلى سيدر، ماذا تغيّر؟
2- حاجة الاستقرار: كيف نُنجح سيدر؟
3- بمعزل عن سيدر: نحو مسار مستدام للإصلاح الاقتصادي.
جاء الظهور العلني الثاني خلال الانتخابات النيابية عام 2020 عبر إعلان إطلاق منصّة لدعم واختيار المرشّحين للانتخابات النيابية بالتعاون مع منصّات أخرى مثل “نحو الوطن” و”صوت الجنوب”.
تعاملت “كلّنا إرادة” مع الاستحقاقات النيابية كما يتعامل زياد الرحباني مع أغانيه، أي يضع اللحن أوّلاً، ثمّ يعمل على إسقاط الكلمات على اللحن الموضوع.
إقرأ أيضاً: “كلّنا إرادة”: إفناء الودائع وإفلاس المصارف
وضعت “كلّنا إرادة” مواصفات وورقة تعهّدات لكلّ مرشّح يريد دخول لوائحها المدعومة تبدأ بقانون الأحوال الشخصية الموحّد وصولاً إلى حقوق المثليّين، إضافة إلى لجنة تُخضع المرشّحين لاختبار شفهي وصولاً إلى حرب إلغاء على منصّة “نحو الوطن” لاحتكار الصوت التغييري. كانت المواجهة على شعار “كلّن يعني كلّن”. ففي الوقت الذي تمسّكت فيه “نحو الوطن” بالشعار ومضمونه، رأت “كلّنا إرادة” أنّ التعميم مسيء وأن لا ضرر من التحالف مع القوات اللبنانية والكتائب و”الحزب”. نعم “الحزب”، ولمَ لا؟
حكاية ظاهرة تذكر الشواهد الكثيرة للظواهر الاستثنائية كيف تبدأ وكيف تنتهي.
الحلقة الثانية: “كلّنا إرادة” والعلاقة مع “الحزب”.
لمتابعة الكاتب على X: