منذ تولّيه مقاليد الحكم في نهاية 2023، أظهر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد حزماً لم تشهده الكويت في تاريخها الحديث، وقاد مسيرة إصلاحية في كلّ المجالات ومناحي الحياة.
بعدما وجّه نقداً وكلاماً غير مسبوق للسلطتين التشريعية والتنفيذية في 2023 و2024، جاء دور السلطة القضائية في 2025، ليقترب بذلك من أحد أكثر الملفّات حساسيّة بالكويت، في إطار “التقويم” الشامل.
في 21/12/2023 نشر “أساس” مقالاً بعنوان “الكويت: العلاج بالصدمات الأميرية” سلّط فيه الضوء (آنذاك) على أوّل خطاب للأمير بعد أيّام من تولّيه مقاليد الحكم، ألقاه في مجلس الأمّة، ووجّه فيه انتقادات صادمة للحكومة والبرلمان، راسماً خطّ العهد الجديد الذي ثبت لاحقاً بالفعل أنّه لا يشبه أيّاً من الحقب السابقة، أقلّه في مرحلة ما بعد الغزو العراقي والتحرير مطلع التسعينيات.
على عادته في سنّ سوابق ضمن خطّة “العلاج بالصدمة”، قام الأمير يوم الأحد 16 رمضان (16 آذار الحالي) بزيارة للمجلس الأعلى للقضاء. وهي المرّة الأولى التي يُدرج فيها مرفق القضاء ضمن الزيارات الرمضانية التقليدية للأمير، التي جرت العادة سنويّاً أن تكون 8 تشمل كلّاً من وزارتَي الدفاع والداخلية والحرس الوطني والإطفاء ونادي المعاقين وجمعية المكفوفين ونادي الصمّ وديوانية شعراء النبط.
لا مُحاباة
في كلمته أمام القضاة، قال الأمير إنّه لا سلطان له على القاضي في حكمه، وإنّ ثمّة مبدأ راسخاً لديه “مفاده عدم التدخّل في أحكام القضاء، ودعم استقلاليّته، وتنفيذ أحكامه على الكبير قبل الصغير، لحماية حقوق المواطنين والمقيمين على حدّ سواء”.
في ذلك إشارة إلى التمسّك بفصل السلطات ورفض أيّ محاباة لـ”مَحظيّين”، سواء كانوا من الأسرة الحاكمة أو من المُقرّبين من دوائر القرار، وهو أمر قائم بالفعل، في ظلّ صدور أحكام على شخصيّات في الأسرة الحاكمة، من بينها رئيس وزراء ووزراء سابقون.
دعا الأمير السلطة القضائية إلى مساندة السلطة التنفيذية، باعتبارهما “في الوقت الحالي جناحَي القيادة”
دعا الأمير السلطة القضائية إلى مساندة السلطة التنفيذية، باعتبارهما “في الوقت الحالي جناحَي القيادة”، لأنّ مجلس الأمّة غير قائم منذ حلّه في أيار 2024، فيما تتولّى الحكومة السلطة التشريعية.
الحميّة الجاهليّة
على الرغم من إشادته بنزاهة القضاء الكويتي وتأكيده أنّه يضمّ “قامات يزهو بهم الوطن وتُرفع بهم الهامات”، تحدّث الأمير عن ملاحظته في الآونة الأخيرة “بعض الأمور والمسائل التي تمسّ العدالة، وتوقّع الشكّ والحيرة في منظومة بعض الأحكام، عندما تصدر أحكام متعارضة ومتناقضة فيما بينها، فقاضٍ يأتي بحكم، ويقوم قاضٍ آخر بنقض هذا الحكم، مع تشابه القضايا بكلّ الوقائع والحيثيّات دون زيادة أو نقصان فيها، وهو ما يثير الشكّ والريبة في الأحكام”.
في تلميح إلى تدخّلات محتملة في الأحكام، أكّد أنّ “الفزعة في إصدار أحكام القضاء لنصرة الباطل وتصفية الحسابات وتحقيق المصالح الشخصية على حساب نصرة المظلوم، تعدّ أموراً تكرّس العصبية والحميّة الجاهلية، وتهدّد مصالح البلاد والعباد”.
شدّد أيضاً على “عدم تأبيد المناصب في القضاء وفي النيابة العامّة”، وضرورة “إيجاد تشريعات تطوّر العمل القضائي (…) لتسريع بتّ القضايا وعدم تكديسها وتأخيرها، تحقيقاً لمصالح العباد”، وحضّ على الإسراع في “تكويت القضاء” (لأنّ الكثير من أعضاء الجسم القضائي حاليّاً من غير الكويتيين)، مُثبّتاً المبدأ المعروف بأنّ “القضايا والمسائل المتعلّقة بالجنسية من صميم أعمال السيادة”، وهو ما يعني عدم قدرة القضاء على النظر في القضايا المتعلّقة بسحب الجنسية، التي بدأت تكثر التقارير الغربية عنها في الآونة الأخيرة، وانفرد “أساس” بنشر تفاصيلها ومتابعتها مرّات عدّة (راجع مقال “أساس” بعنوان “الكويت… الأصليون أهمّ من العدد” المنشور بتاريخ 4 آذار 2025، و”الكويت… تأكيد الهويّة الوطنية لأهلها فقط” بتاريخ 28/11/2024، و”عشرات آلاف الكويتيّين ليسوا كويتيّين” المنشور بتاريخ 21/8/2024).
الكويت تعيش حاليّاً “ورشة كبرى” تشمل مشاريع البنى التحتية، وتحديثاً شاملاً للقوانين، وتحوّلاً جذريّاً على المستوى الاقتصادي
تحرّك عاجل
تكمن الصدمة في كلام الأمير أنّها المرّة الأولى التي يتمّ فيها الحديث علناً عن “أخطاء” أو “قصور” لدى السلطة القضائية، وهي سابقة تُشبه طريقة التعاطي مع الحكومة والبرلمان، وكأنّ الشيخ مشعل يريد القول إنّ مسيرة الإصلاح والتقويم لن تستثني أحداً، وإنّ القطار يسير بسرعة ثابتة ولن يتوقّف، فالكويت تعيش حاليّاً “ورشة كبرى” تشمل مشاريع البنى التحتية، وتحديثاً شاملاً للقوانين، وتحوّلاً جذريّاً على المستوى الاقتصادي. يترافق ذلك مع انضباط إداري صارم وعمل مُكثّف للوزراء والأطقم الحكومية، سواء لجهة متابعة المشاريع أو المضيّ في خطط التطوير.
تفاعلاً مع كلام الأمير، عقد المجلس الأعلى للقضاء جلسة عاجلة خاصّة، الأربعاء الماضي، أعلن في ختامها أنّ كلّ الأوامر والتأكيدات والتوجيهات والاعتبارات والمبادئ التي جاءت في كلمة الأمير “ستكون موضع تنفيذ والتزام من المجلس الأعلى للقضاء وكلّ أعضاء السلطة القضائية وأجهزتها المختلفة، وسيتمّ التنسيق مع وزارة العدل في هذا الخصوص”.
إقرأ أيضاً: الكويت: العلاج بالصدمات “الأميريّة”
أشار المجلس في تصريح لرئيسه المستشار عادل بورسلي إلى أنّ السلطة القضائية تتولّاها المحاكم باسم الأمير في حدود الدستور، وفقاً لما تنصّ عليه المادّة 53 من الدستور الكويتي، وأنّ الأحكام تصدر وتنفَّذ باسم سموّ الأمير، وفقاً لما تنصّ عليه المادّة 15 من المرسوم بقانون رقم 23 لسنة 1990 بشأن قانون تنظيم القضاء المعدّل.