القمّة العربيّة: تّشدّد مع ترامب دون مواجهته

مدة القراءة 6 د

القمّة العربية في القاهرة أمام تحدّي التشدّد إزاء خطّة بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب القاضية بإخراج فلسطينيّي غزّة منها ونقلهم إلى مصر والأردن.

حتّى لحظة دخول القادة العرب اجتماع القمّة، لم تظهر أيّ بوادر تعديل في توجّهات واشنطن وتل أبيب. على العكس تهيّئ إسرائيل لاستئناف الحرب على القطاع بعد موافقة الحكومة على خطة لاستدعاء 400 ألف جندي من الاحتياط مساء السبت، وبعدما أوقف نتنياهو المساعدات الإنسانية للقطاع، خلافاً لاتّفاق تبادل الأسرى.

 

بقدر ما يُطرحُ على قمّة القاهرة الردّ الحازم على مشروع ترامب ونتنياهو تهجير الغزّيّين وإعادة الإعمار، بات عليها التهيّؤ لاتّجاه إسرائيل لتجديد الحرب ضدّ القطاع. الرئيس الجديد لأركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير اعتبر أنّ عام 2025 مليء بالحروب. والدعم الأميركي لتل أبيب يتعزّز بعدما أقرّت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب مشروع قانون لتسمية الضفّة الغربية بـ”يهودا والسامرة”.

ثمّة مخاوف من أن يشمل ذلك جبهة جنوب لبنان من خلال التلال التي تحتلّها إسرائيل. وفي الأفق مخاطر توسيع تل أبيب الشريط العازل في سوريا مع طموحات لتقسيمها بحجّة حماية دروز الجنوب، وهو ما حذّر منه ومن الحروب الآتية الزعيم وليد جنبلاط.

مع أنّ القمّة مخصّصة لغزّة وفلسطين، لكنّ الوافدَين الجديدَين إلى نادي الزعماء العرب الرئيس اللبناني العماد جوزف عون والرئيس السوري أحمد الشرع سيثيران المخاطر الإسرائيلية على بلدَيهما.

“مشهد غير مسبوق” أمام العرب

يقول مصدر دبلوماسي عربي لـ”أساس” إنّ المنظومة العربية تقف أمام مشهد غير مسبوق يتجاوز الانحياز الأميركي لإسرائيل. سلف ترامب جو بايدن كان يقول إنّه صهيوني، لكنّ أسلوب ترامب خارج أيّ أعراف. تعرّض الموقف العربي لهجمة ترامبيّة يفترض بالقمّة أن تردّ عليها. والردّ سيكون “بطريقة تحرج واشنطن من دون التسبّب بمواجهة معها”. رأى المصدر نفسه أنّ مسألتين مطروحتان على القمّة:

اعتبرت القاهرة أنّ هدف الفكرة تحويل غزة إلى مشكلة مصريّة داخلية، لخطرها على الأمن القومي

– اتّخاذ موقف سياسي ذي سقف مرتفع من دون أن يعني ذلك الذهاب إلى حرب، بل الدعوة إلى توضيح مشروع واشنطن للسلام.

– البحث في خطّة إعادة الإعمار. نسّقت القاهرة مع الحكومة الفلسطينية برئاسة محمد مصطفى بشأنها. استدعى ذلك تأجيل موعد القمّة من 27 شباط إلى اليوم. وهي تحتاج إلى تمويل لا يبدو أنّ الرياض مستعدّة له، إذ لا ضمانة بألّا تدمّر إسرائيل القطاع مجدّداً بعد سنتين أو 4 سنوات.

ترامب

ظهرت التحفّظات على التمويل خلال القمّة المصغّرة في الرياض في 21 شباط التي ضمّت دول الخليج ومصر والأردن لعرض الخطّة. قطر كانت أقلّ تحفّظاً. تشبه معضلة تمويل إعمار غزّة تلك المتعلّقة بجنوب لبنان. فلا استعداد لدى الدول المانحة والخليجية لمعالجة الدمار الهائل الذي خلّفه الجيش الإسرائيلي إذا لم ينتقل سلاح “الحزب” إلى الدولة، ولم تنسحب إسرائيل.

أين حماس من الخطّة العربيّة؟

لكنّ الأمر في غزة لا يتوقّف على الاستعداد العربي للتمويل فقط، بل على مصير “حماس” في القطاع. وصار البحث في وجوب خروج “الحركة” كلّيّاً من المعادلة السياسية الفلسطينية أم الخروج من  غزّة. بدأ بعض قادتها يتّجهون إلى إعادة النظر بكلّ السياسة السابقة التي أفضت إلى تدمير إسرائيل القطاع، مقابل تشدّد آخرين. إذ نقلت “وول ستريت جورنال” عن عضو المكتب السياسي موسى أبو مرزوق أنّه لو كان يعلم بما سيحصل لما كان وافق على عملية 7 أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023. ولقي كلامه نفياً من أوساط أخرى في الحركة رأت في مظاهر القوّة خلال تنظيم مقاتليها تبادل الأسرى عاملاً لمصلحتها في مواصلة القتال. وتتحدّث الأوساط العربية عن خلافات في قيادة “الحركة” وغياب القرار بسبب الافتقار إلى قيادة حاسمة.

القمّة العربية في القاهرة أمام تحدّي التشدّد إزاء خطّة نتنياهو وترامب القاضية بإخراج فلسطينيّي غزّة منها ونقلهم إلى مصر والأردن

رفض دوليّ وإقليميّ للتّهجير

ثمّة تسلسل للأحداث سبق القمّة خلال شباط الماضي، إذ استند الموقف العربي إلى الرفض الدولي والإقليمي لفكرة التهجير:

– إعلان ترامب فكرته الجهنّمية للتهجير، أواخر كانون الثاني، لم تكن بنت ساعتها، بل هي مشروع صهره جاريد كوشنير الذي كتب عنه في مقال له قبل سنة.

– في 5 شباط جدّدت الرياض رفضها “لأيّ علاقات مع إسرائيل قبل قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية”. وشدّدت الخارجية بعد اقتراح نتنياهو إسكان الفلسطينيين في المملكة، “على رفض تهجير أهالي غزة، أو أيّ فلسطيني خارج أرضه”. بذلك تبخّر حلم التطبيع السعودي الإسرائيلي الذي طمح إليه ترامب ونتنياهو.

– اعتبرت القاهرة أنّ هدف الفكرة تحويل غزة إلى مشكلة مصريّة داخلية، لخطرها على الأمن القومي. في 10 شباط التقى وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي نظيره الأميركي ماركو روبيو، وتحدّث عن “دعم التعافي المبكر وإزالة الركام وإعادة الإعمار بوجود الفلسطينيين في غزة في ظلّ تمسّكهم بأرضهم بدعم كامل من العالمين العربي والإسلامي والمجتمع الدولي”.

– في 11 شباط وخلال زيارته البيت الأبيض، قال الملك الأردني عبدالله الثاني: “موقف الأردن ثابت ضدّ تهجير الفلسطينيين في غزّة والضفّة الغربية. وهذا هو الموقف العربي الموحّد”. تعامل العاهل الأردني بحصافة ورقيّ مع ترامب الغريب الأطوار، الذي لا يقيم وزناً للدبلوماسية في مخاطبة أنداده. ويرفض مثل مصر تحويل تهجير الفلسطينيين إلى مشكلة أردنية داخلية.

إقرأ أيضاً: ملفّات “حارقة” في مؤتمر القمّة العربيّ  

– في اليوم نفسه أُعلِن تأجيل زيارة عبد الفتاح السيسي للعاصمة الأميركية. تجنّب الرئيس المصري بذلك الإحراج من أن يشتبك معه ترامب بطريقة لا تليق بمكانة مصر. والأهمّ أنّ ذلك تزامن مع كشف وزارة الداخلية المصرية عن عرض عسكري مهيب لقوّات الشرطة والجيش شمال سيناء حتى رفح. نشرت القاهرة صوراً عن الانتشار الهائل للقطعات المصرية والأسلحة المشاركة. وحسب المراقبين في القاهرة، كان ذلك رسالة بأنّ مصر لن تقبل المسّ بأمنها، من دون أن يعني إعادة النظر بمعاهدة السلام.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

“إخوان” الأردن والدّولة الوطنيّة وفلسطين

بين عقائديّات “الإخوان” مِن أصول فلسطينية، وبراغماتيّات ذوي الأصول الأردنية، واتّفاقات وادي عربة عام 1994، اضطربت علاقات “الإخوان” بالدولة الأردنيّة بعد استقرارٍ وتداخلٍ لحوالى نصف…

نائب للرّئيس الفلسطينيّ… بديل للإصلاح؟

أوفى الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس بوعد كان أطلقه أمام القمّة العربية الطارئة في القاهرة، في 4 آذار الماضي، يقضي بتعيين نائب لرئيس اللجنة التنفيذية لمنظّمة…

لبنان بين انعدام خبرة أورتاغوس… وانكفاء “الحزب”

يصعب الفصل بين الغارة الإسرائيلية على حيّ الجاموس بالضاحية الجنوبية لبيروت يوم الأحد، وبين انفجار مرفأ “رجائي” في بندر عباس الإيراني السبت. فبنيامين نتنياهو يلعب…

عباس بين معضلة الانقسام وتعقيدات التسوية

في فترة الاحتضار الطويل لياسر عرفات، وحتى قبل مرضه، كانَ محمود عباس هو المرشحَ التلقائيَّ لخلافته؛ ليس فقط لكونه أحدَ التاريخيين المؤسسين الذين بقوا على…