اتفاق غزّة: ترامب “يقفل” ملفّ الشّرق الأوسط…

مدة القراءة 7 د

تسير المُتغيّرات في المنطقة على وقعِ دخول الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب المكتب البيضاويّ. كلّما اقترَبَ موعدُ دخوله، تسارَعت الأحداث. وكأنّ المنطقة “تنظّف نفسها”، تحضيراً للمرحلة التي لا يُمكِنُ التّنبّؤ بتفاصيلها مع رئيسٍ يصعبُ توقّع خطواته.

من تسارعِ خطوات التّوصّل لوقفٍ لإطلاق النّارِ في قطاع غزّة، مروراً بسوريا التي باتت من دون بشّار الأسد وحكمِ البعث… والعِراق الذي اختارَ الانكفاءَ إلى الخلفِ على الرّغم من طلبِ المُرشدِ الإيرانيّ عليّ خامنئي من محمّد شيّاع السّوداني إفساحَ المجالِ للفصائل الموالية لإيران للعَملِ بحرّيّة. وصولاً إلى لبنان حيثُ كانَ “مقودُ السّيارة” يُنزعُ من الثّنائيّ الشّيعيّ في رئاستَيْ الجمهوريّة والحكومة. كلّ هذا لا يعني إلّا أنّ المنطقة تتحضّر لحقبة ترامب.

فلماذا “تُنظّف” المنطقة نفسها قبل وصول ترامب؟ وما علاقة ذلك بصراع ترامب مع الصّين؟

دائماً ما كانَ الرّئيس الأميركيّ المُنتخَب دونالد ترامب يقول إنّ ولايته ستشهدُ ترسيخ الاستقرار والسّلام في الشّرق الأوسط. لكنّ قلّة هُم من ركّزوا على كلامِه عن السّلام الذي يعتقدُ ترامب أنّه لا يكون إلّا بالقوّة.

وبما أنّ أحداً لا يُمكنه توقّع كيف يتعاملُ ترامب مع الملفّات، سارَعت القوى الإقليميّة لإغلاق الملفّات التي طلبَ ترامب سلفاً إنهاءها قبل دخوله البيت الأبيض. ومنها من سارَعَ إلى “حجزِ” نفوذهِ في الخارطة الإقليميّة الجديدة مثل تُركيا في سوريا.

تسير المُتغيّرات في المنطقة على وقعِ دخول الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب المكتب البيضاويّ. كلّما اقترَبَ موعدُ دخوله، تسارَعت الأحداث

السّرّ في السّلام الذي يريده ترامب، هو الاقتصاد ولا شيء غيره. يعتبر الرّئيس الأميركيّ أنّ صراعه الأساسيّ سيكون مع الصّين وحدها. وهذا ما أكّده نائبه جي دي فانس الذي قال خلال الحملة الانتخابيّة إنّ على الولايات المتحدة أن تُركّزَ جهودها على الصّراع مع الصّين تحضيراً لـ40 سنة مقبلة.

واحدٌ من عناوين الصراع مع الصّين يمرّ بفلسطين المُحتلّة ودول المنطقة. وهو ملفّ موانئ البحر الأبيض المُتوسّط. وأهمّها ميناء حيفا الذي يعتبر نقطةً أساسيّة في “الممرّ الهنديّ” الذي أعلنَه الرّئيس جو بايدن في قمّة العشرين التي عُقِدَت في الهند في 2023. وهو الخطّ المنافس لطريق الحرير الصّينيّ الذي يمرّ من إيران والعراق وسوريا ولبنان، حيث مرفأ بيروت الذي دمّرته إسرائيل في 2020 لخدمة هذا المشروع.

ترامب يهدّد نتنياهو علناً

قبل أسابيعَ قليلة، كانَ الحديث عن اقتناع رئيس الوزراء الإسرائيليّ بينامين نتنياهو بقَبولِ وقف إطلاق النّار في غزّة ضرباً من ضروبِ الخيال. لكنّ الرّئيس الأميركيّ المُنتظَر غرّدَ عبر صفحاتهِ على مواقع التّواصل الاجتماعيّ مهدّداً بأنّ “أبواب الجحيم ستُفتَح على المنطقة إذا لم يتمّ الإفراج عن الرّهائن الإسرائيليين في غزّة”.

لم يكُن كلام ترامب موجّهاً إلى حركة “حماس” وحدَها. إذ تُؤكّد معلومات “أساس” من مصدرٍ في فريق ترامب، أنّ الأخيرَ أبلغَ وزير الشّؤون الاستراتيجيّة رون ديرمر أنّ تغريدته ليسَت موجّهة لحماس أو إيران فقط، داعياً نتنياهو إلى أن يعتبرَ نفسه معنيّاً بها أيضاً.

دفعَت جدّيّة تعاطي ترامب مع ملفّ الأسرى، وأنّه آتٍ إلى البيتِ الأبيض لولاية من 4 سنواتٍ لا يُمكنهُ تجديدها، جميع الأطراف المعنيّة إلى تقديم تنازلات لم تكُن واردةً عندَ طرفَيْ النّزاع

دفعَت جدّيّة تعاطي ترامب مع ملفّ الأسرى، وأنّه آتٍ إلى البيتِ الأبيض لولاية من 4 سنواتٍ لا يُمكنهُ تجديدها، جميع الأطراف المعنيّة إلى تقديم تنازلات لم تكُن واردةً عندَ طرفَيْ النّزاع، حماس وإسرائيل، مثل مطلب تصفير السّجون عند الحركة، والتمسّك بعدم إنهاء الحربِ عند نتنياهو.

ما يدلّ أيضاً على أولويّة إنهاء الحربِ في غزّة عند ترامب هو إرسال المبعوث الخاصّ إلى الشّرق الأوسط ستيفن ويتكوف إلى تل أبيب والقاهرة والدّوحة. شارَكَ ويتكوف إلى جانب مبعوث الرّئيس جو بايدن بريت ماكغورك في الضّغطِ على إسرائيل وحماس.

رسالة ويتكوف: لن يكون ترامب سعيداً

كانَت الرّسالة التي حمَلها ويتكوف واضحة: “لن يكونَ الرّئيس سعيداً إن لم يُقفَل هذا الملفّ قبل 20 الجاري”. تعرفُ حماس ماذا يعني أن يغضبَ دونالد ترامب. لكنّ الحركة تبلّغَت من الوسطاء أنّ ترامب قد يضغطُ على الدّوحة وأنقرة لطردِ أعضاء الحركة من أراضيهما، وأنّه لن يتوانى عن السّماح لإسرائيل باغتيال قادة الحركة أينما كانوا.

أبلغَ ويتكوف الإسرائيليين أيضاً أنّ ترامب لن يدعمَ أيّ خطوات إسرائيليّة لتكثيف بناء المستوطنات في الضّفّة الغربيّة إذا لم يُقفل ملفّ غزّة. كما أغرى ترامب نتنياهو برسالةٍ مُفادها أنّه سيتّخذُ إجراءات في الأسابيع الأولى لولايته ضدّ “محكمة الجنايات الدّوليّة” وضدّ أيّ دولةٍ تُعلِنُ أنّها ستُنفّذ مذكّرات التوقيف التي أصدرتها المحكمة بحقّ نتنياهو ووزير الدّفاع السّابق يوآف غالانت.

يُريدُ ترامب من إنهاء الملفّات التّركيز على الدّاخل الأميركيّ، والأهمّ أن يصبّ جهوده السّياسيّة والاقتصاديّة في وجهِ الصّين. وهذا ما دفَع المنطقة إلى المسارعة للملمة نفسها تحضيراً لمجيئه.

ما حصلَ في سوريا ولبنان والعراق لا ينفصلُ عن المواجهة الاقتصاديّة – التّجاريّة بين الصّين والولايات المُتحدة

إيران وطريق الحرير

ما حصلَ في سوريا ولبنان والعراق لا ينفصلُ عن المواجهة الاقتصاديّة – التّجاريّة بين الصّين والولايات المُتحدة. فكانَت واشنطن تضربُ طريق الحرير لحسابِ “الطريق الهنديّ” الذي ينطلقُ من الهند إلى أوروبا مروراً بدول مجلس التّعاون الخليجيّ وإسرائيل.

يبقى لترامب ملفّ واحد في أساس مواجهته مع الصّين، وهو إيران. فبلادُ فارس ترتبطُ باتّفاقٍ استراتيجيّ مع الصّين. والإدارة الجديدة في واشنطن تعلمُ أنّ نفوذّ إيران في المنطقة يعني نقطتيْن لا تقبل بهما الإدارة:

  • الأولى: فتحُ طريق الحرير الصّينيّة عبر الأراضي الإيرانيّة وصولاً إلى البحرِ المُتوسّط عبر السّواحل السّوريّة واللبنانيّة. وبالتّالي فإنّ سقوطَ نظام بشّار الأسد يعني إغلاق مصبّ طريق التجارة الصّينيّة نحوَ أوروبا. كما أنّ الدّور الذي لعبته الولايات المُتحدة في ضربِ نفوذ “الحزبِ” في لبنان يعودُ في العمق إلى تعزيز دور “الخطّ الهنديّ” على حساب “طريق الحرير الصّينيّة”. لكنّ هذا الطّريق لا يصلُ إلى المشرق العربيّ من دون أن يقطعَ إيران من شرقها إلى غربها. وهذا ما يؤكّد أنّ إيران ستكون هدفاً أساسيّاً لإدارة ترامب في مواجهة الصّين.
  • الثّانية: أنّ نفوذ إيران في المنطقة يعني أنّ طهران ستبقى تُهدّد أمن إسرائيل، وبالتّالي أمن “خطّ التجارة الهنديّ” الذي يمرّ من الخليج إلى الأردن وميناء حيفا، ومنه إلى أوروبا. وهذا يجمعُ محظوريْن بالنّسبة لإدارة ترامب: أمن إسرائيل، وأمن التجارة عبر الخطّ الهنديّ.

إقرأ أيضاً: بداية إمبرياليّة أميركيّة أم تكتيك تفاوضيّ؟

من هنا يمكنُ قراءة  حنكة انحناء محمّد شياع السّوداني في العِراق أمام العاصفة الأميركيّة التي تهبّ على المنطقة، تمهيداً لمجيء ترامب. وكذلكَ يمكن الاستنتاج أنّ الرّئيس الأميركيّ المنتخبَ سيضعُ إيران أمام خياريْن: إمّا فكّ الارتباطِ التجاريّ مع الصّين وعزل الأخيرة عن الشّرق الأوسط، وإمّا استبدال النّظام بنظامٍ جديدٍ يقطع الطريق أمامها.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@IbrahimRihan2

مواضيع ذات صلة

الثنائي لن يستسلم… أمام الانقلاب المخمليّ

الأرجح، هو الانقلاب المخملي الوحيد الذي شهده تاريخ لبنان الحديث، وتحديداً منذ قيام جمهورية الطائف. حتى اغتيال رفيق الحريري، وما تبعه من أحداث وتطوّرات حملت…

عون – سلام: لا كسر للشيعة

في أربع وعشرين ساعة تغيّر المشهد. ما الذي تغيّر؟ لا بدّ أن نعترف أنّ المتغيّرات في البلد أصبحت حتميّة. وطوفان التغيير منذ 17 تشرين الأوّل…

ترتيب المشهد اللّيبيّ.. هل يحكم سيف الإسلام القذّافي؟

حقّق سيف الإسلام القذافي “نصراً كاسحاً” في الانتخابات البلدية التي شهدتها ليبيا، كما سمّاه، في تشرين الثاني الماضي. حين شارك 74% من الليبيين في تلك…

الكويت.. موسم الضّرائب

في إطار التحوّل الشامل على جميع المستويات، الذي بدأ في الكويت عام 2024، وصل القطار إلى المحطّة الأهمّ المرتبطة بحلّ مُعضلة الاعتماد على النفط مصدراً…