تسونامي نواف سلام أعاد للعبة الداخلية وزنها

مدة القراءة 6 د

يصعب النظر إلى الاستشارات النيابية التي جرت لتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، بمعزل عن جملة عوامل واكبتها وتفرض نفسها على المرحلة المقبلة. شكلت نتيجة الاستشارات النيابية نقلة كبرى في المشهد السياسي الداخلي.

العوامل الداخلية والخارجية قبل وأثناء الاستشارات، تلقي بثقلها على ما شهدته الساحة اللبنانية في الشأن الحكومي:

  • إنّ إعادة تكوين السلطة، بعدما تفكّكت وتشتّتت مؤسّساتها وأصيبت بالشلل، احتاجت إلى إعادة الاعتبار للّعبة السياسية الداخلية. هذا على الرغم من شكوى بعض الأوساط السياسية التي أثار حفيظتها التدخّل الخارجي الذي رجّح رئاسة العماد جوزف عون. حتى إنّ اضطرار القوى السياسية والنيابية التي صوّتت للرئيس عون، إلى أخذ الخيارات الخارجية بعين الاعتبار، لم يكن بعيداً عن الحسابات الداخلية:

يصعب النظر إلى الاستشارات النيابية التي جرت لتسمية القاضي نواف سلام رئيساً للحكومة، بمعزل عن جملة عوامل واكبتها وتفرض نفسها على المرحلة المقبلة

ملاءمة حاجات الدّاخل مع خيار الخارج بالرّئاسة

  • الحاجة الضاغطة لضمان الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب تنفيذاً لاتّفاق وقف النار الذي ترعاه القوى الدولية، ولا سيما أميركا. فإصرار القوى الدولية والعربية على رئاسة قائد الجيش يعود إلى ثقتها بتنفيذه الاتّفاق. وهو ما يهمّ فرقاء الداخل وفي طليعتهم الثنائي الشيعي.
  • إعادة إعمار ما هدّمته المغامرة العسكرية لـ”الحزب” بمواجهة إسرائيل، فرضت على الثنائي وحلفائه الانسجام مع الإصرار الدولي على جوزف عون. فالقوى الخارجية ربطت بين المساعدات والاستثمارات وبين ثقتها به.

إعادة الاعتبار للّعبة الدّاخليّة؟

  • نأت القوى الخارجية بنفسها عن التدخّل في تسمية رئيس الحكومة، مقابل التأييد الحاسم لدول الخماسية لرئاسة عون. وعلى الرغم من معطيات بعض الفرقاء بأنّ فرنسا تميل إلى خيار ميقاتي (مع أنّ مصادر فرنسية نفت ذلك)، فإنّ داعمي نوّاف سلام تحرّكوا خلافاً لذلك. هذا مع أنّ بعضهم صديق لفرنسا. وهذا عزّز فكرة إعادة الاعتبار للّعبة السياسية الداخلية. كما أنّ من انتظروا “كلمة السرّ” من النوّاب السنّة لم تأتِهم تلك الكلمة إلاّ بعد ظهر أمس حين ظهر الفارق الكبير في الأصوات بين سلام وميقاتي.

ساهم خطاب القسم للرئيس جوزف عون في مضاعفة الصدمة الإيجابية لدى السواد الأعظم من اللبنانيين

ترشيح ميقاتي يعاكس خطاب القسم

  • ساهم خطاب القسم للرئيس جوزف عون في مضاعفة الصدمة الإيجابية لدى السواد الأعظم من اللبنانيين. فهذه الصدمة الإيجابية بدأت بانتخاب شخصية تتّصف بسمعة طيّبة وشخصيّة عصاميّة نظيفة الكفّ، أخذت بعداً إضافياً عند استماعهم إلى شمولية خطاب عون. حتى ما لم يذكره في ذلك الخطاب، كان له وقع إيجابي أيضاً. والمقصود بذلك كلمة “المقاومة” لأنّها باتت ترمز لدى أكثرية شعبية وسياسية إلى غطاء للثقل الإيراني على الحياة السياسية الداخلية.
  • رتّبت تلك الصدمة الإيجابية المضاعفة لخطاب القسم، ردود فعل سلبية عارمة على الصعيد الشعبي ضدّ ترشيح الرئيس نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة. في الساعات الـ48 السابقة على الاستشارات النيابية ظهرت ردّة الفعل هذه بقوّة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي مواقف نوّاب تغييريين وفي صفوف بعض الأحزاب التي كان يمكن أن تختار ميقاتي. اعتبرت ردود الفعل أنّ رئيساً للحكومة من المنظومة السياسية الحاكمة منذ عقود، يحبط الآمال التي اختزنها خطاب عون. وهذا ما دفع المعارضة إلى ترشيح النائب فؤاد مخزومي، ثمّ القاضي نوّاف سلام من خارج النادي. رسا خيار التغييريين والمعارضين على اسم سلام كشخصية مرموقة وكفوءة ومحبوبة شعبياً، لأنّه يجذب عدداً أكبر من الأصوات. فالرافعة التي عملت مكوّناتها لهذا الخيار رأت فيه تجسيداً للتطلّعات إلى الإصلاحات المطلوبة ونمط حكم بعيداً عن المحاصصة والفساد. وهذه المكوّنات رأت في خطاب القسم ما هو أقرب إلى ثورة 17 تشرين 2019… والتكوين الثقافي والسياسي لنواف سلام وتجاربه، تتسق مع روحيتها.

لا يمكن فصل إعادة تكوين السلطة في لبنان مع إعادة الاعتبار للّعبة الداخلية في ما يخصّ رئاسة الحكومة

دور طهران في الحدّ من الخسائر

  • صحيح أنّ التحوّل الهائل الذي حصل في سوريا حافز واقعي من أجل التكيّف مع خيار جوزف عون، لكنّ محور الممانعة سعى إلى الحدّ من خسائره. وبعدما كرّس هذا التحوّل السوري بانسحاب مرشّح الممانعة سليمان فرنجية خسائره لبنانياً، سعت طهران إلى الحدّ منها. اعتمدت طهران خطاباً يقوم على مزيج من التسليم بتراجع نفوذها، ومن المكابرة. سعت بذلك إلى حفظ معنويّات أذرعها، ولا سيما “الحزب”، وعملت من أجل تسويات قدّمت فيها تنازلات، وسعت إلى الالتفاف على تقليص دورها.

تسونامي تكليف نواف سلام أثبت صعوبة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بمواصلة لي ذراع السلطة اللبنانية وتطويعها

تجميع إيران أوراق التّفاوض… ولبنان

  • لا بدّ من أن تشمل لبنانَ محاولاتُ النظام الإيراني لإعادة تجميع أوراقه، بالاحتفاظ ببعض المكتسبات التي حقّقها في السنوات الماضية، ومنها التأثير في صلب القرار اللبناني الرسمي. تفسّر ذلك المعلومات التي تسرّبت عن اجتماع نائبَي “الحزب” وحركة “أمل” محمد رعد وعلي حسن خليل مع العماد عون قبل الدورة الثانية من انتخابه، وإبلاغه بالرغبة في بقاء ميقاتي لرئاسة الحكومة لارتياح الثنائي إلى التعامل معه، وبالاحتفاظ بوزارة المالية، وبضمان موقعهما في توازنات الحكومة وبتعيين قائد الجيش والمدير العام للأمن العام… لكنّ بيت القصيد كان مطالبة “الحزب” باعتبار نزع سلاح “الحزب” شمال نهر الليطاني مؤجّلاً، على الرغم من التزامه نزعه في جنوبه، وفق اتّفاق وقف النار. وهو أمر تركه عون للبحث لاحقاً.
  • سبق كلّ ذلك إعلان عراقتشي أنّ طهران مستعدّة لمفاوضات “بنّاءة” بهدف الوصول إلى اتّفاق على ملفّها النووي. قال إنّ الصيغة “ترتكز على بناء الثقة بشأن البرنامج النووي مقابل رفع العقوبات”.

إقرأ أيضاً: نوّاف سلام: قاضٍ… لبلادٍ عطشى للعدالة

لا يمكن فصل إعادة تكوين السلطة في لبنان مع إعادة بعض الاعتبار للّعبة الداخلية في ما يخصّ رئاسة الحكومة، ثمّ تشكيلها، عن سياسة إعادة إيران تجميع أوراقها. فهي لحظات حاسمة تمرّ فيها علاقتها مع الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، فإمّا التفاوض أو المواجهة العسكرية.

إلا أن تسونامي تكليف نواف سلام أثبت صعوبة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بمواصلة لي ذراع السلطة اللبنانية وتطويعها. في المقابل ينظر الأخير إلى الحاجة لاستعادة التوازن في التركيبة اللبنانية على أنها لا تعني كسر فريق وازن.

 

لمتابعة الماتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

نوّاف سلام: قاضٍ… لبلادٍ عطشى للعدالة

ليست عابرة رسائل المجاز الكثيرة التي أتت بنوّاف سلام رئيساً لحكومة لبنان. فرئيس الجمهوريّة هو قائد عسكريّ. في لحظة لبنانية عسكريّة. وسط شرق يموج به…

ترامب يكتشف سوريا

فاجأ الحدث السوري خطط الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب للشرق الأوسط. لم يكن ملفّ سوريا من اهتماماته في ولايته الأولى في البيت الأبيض، بل عبّر…

مراجعة شاملة…. بين بيروت وبغداد وطهران

تشهد بيروت وطهران وبغداد ورشاً حواريّة وفكرية وسياسية واستراتيجية بهدف إجراء مراجعة شاملة للتطوّرات التي حصلت منذ معركة طوفان الأقصى حتّى سقوط نظام الرئيس بشار…

بين الطّوفان والزّلزال… دخل لبنان الشّرق الأوسط الجديد

تعمّد الرئيس اللبناني المنتخب وقائد الجيش السابق جوزف عون، الإشارة إلى أنّ السياق الأبرز الذي حمله إلى الرئاسة، هو “الزلزال السياسي في الشرق الأوسط الذي…