ليست مصادفه أن يكون مطلب سُنَّة العراق اليوم إقرار قانون العفو العامّ متوازياً مع مطلب سُنّة لبنان إقرار قانون العفو العامّ أيضاً لإطلاق سراح الموقوفين الإسلاميين.
المطلبان السنّيّان في العراق ولبنان هما تظهير دقيق لسياسة محور الممانعة الإيراني تجاه السُّنّة في البلدين مع استثناء سوريا، التي تمكّنت من الخلاص من نظام بشار الأسد، وبالتالي تحرير من بقي في سجون النظام الساقط بالقوّة وليس بقرار عفو حكومي.
تعاملت إيران وأذرعها، من “الحزب” وصولاً إلى الحشد الشعبي وأخواته، مع السُّنّة في البلدين العراق ولبنان على قاعدة التصنيف بين نوعين: إمّا سلطة متسلّطة يجب اقتلاعها فكان إعدام صدّام حسين في العراق واغتيال الرئيس رفيق الحريري في لبنان، أو بيئة إرهابية متطرّفة تكفيرية تحت مسمّيات متعدّدة، من النصرة إلى داعش وانتهاء بظاهرة الشيخ أحمد الأسير في لبنان. ويكون التعامل مع الفئة الثانية بالقتل أو الاعتقال من خلال استعمال الحكومات والأجهزة الأمنيّة في البلدين وسيلة لتنفيذ هذه الرؤية الاتّهامية.
الاعتقال بحرفيّة
كان الاعتقال في العراق منذ معركة الموصل سنة 2016- 2017 يستند إلى الهويّة المذهبية. فكلّ سنّي عراقي هو داعشيّ حتى يثبت العكس، ومصيره إمّا الموت في السجن أو الهرب كلاجئ إلى إربيل أو الغرب.
كان الاعتقال في لبنان أكثر حرفيّة، بحيث يتمّ توريط القوى السنّيّة المعترضة في صدام مع الجيش اللبناني
فيما كان الاعتقال في لبنان أكثر حرفيّة، بحيث يتمّ توريط القوى السنّيّة المعترضة في صدام مع الجيش اللبناني، وبناء عليه يتمّ اعتقالها وقمعها كما حصل في أحداث عبرا بعدما رفضت المحكمة العسكرية عرض أشرطة الفيديو التي تثبت أنّ الرصاصة الأولى على الجيش جاءت من مقاتلي “الحزب” المتمترسين في شقق سكنية استُؤجرت قبل أسابيع من الاشتباك المسلّح، وليس من أتباع الشيخ الأسير. ليس من جملة واحدة للشيخ الأسير تنتقد أو تهاجم الجيش اللبناني والمؤسّسات العسكرية قبل واقعة عبرا. كلّ مواقف الأسير كان محورها “الحزب” وهيمنته على القرار الوطني. خاض الشيخ الأسير صراعاً مع “الحزب” لا الجيش. فيما ما يقارب 180 موقوفاً إسلامياً من 350 موقوفاً قضوا سنوات في السجن دون محاكمة، وجرمهم أنّهم احتفظوا بصورة للثورة السورية على هواتفهم المحمولة أو وضعوا صوراً لثوّار سوريا وتظاهراتهم على صفحاتهم بوسائل التواصل الاجتماعي.
ما هو المطلوب من إيران؟
لم يكن المرشد الإيراني علي خامنئي موفّقاً في ما قاله قبل أسبوعين، حين دعا الشباب السوري المؤمن (قاصداً الشيعة والعلويين) إلى المقاومة للدفاع عن أنفسهم بعد سقوط بشار الأسد، فإذا بندائه ينتهي باعتقال المئات وقتل العشرات من فلول النظام والميليشيات التي صرفت عليها إيران الملايين من الدولارات. كما لم يكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي سويّاً وحكيماً عندما قال إنّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين أقلّ سوءاً من سيطرة الإسلاميين (أي السُّنّة) على الحكم في سوريا.
أحمد الشرع ومعه الكثيرون توقّعوا من خامنئي ونظامه أن يراجع سياساته في سوريا، وتالياً في لبنان، بعد الزلزال السوري الذي لم يسقط مشروع الهلال الشيعي وحسب، بل جعله نسياً منسيّاً، وأن تكون هذه المراجعة بهدف إصلاح العلاقة بين السُّنّة والشيعة في العالم الإسلامي، وبداية هذا الإصلاح تكون بالتراجع عن التصنيف الغابن للسُّنّة بين حاكم متسلّط أو إرهابي تكفيري، والخروج من منطق السجون والمعتقلات إلى منطق العدالة في المواطنة داخل البلدان.
تعاملت إيران وأذرعها، من “الحزب” وصولاً إلى الحشد الشعبي وأخواته، مع السُّنّة في البلدين العراق ولبنان على قاعدة التصنيف
تصفير سجون الملالي
على السلطتين في العراق ولبنان مساعدة إيران على تصحيح واقعها عبر تصفير المعتقلات الإيرانية في سجون السلطتين.
المنتصر كما الشعب السوري اليوم يمكنه المسامحة والعفو، إلا أنّ المنتفض يحدث الفوضى والانتقام كما هو معروف بمنطق العقل والسياسة. هذا ما يجب أن يدرَك قبل فوات الأوان، واقتحام أهالي الموقوفين في لبنان سجن رومية وأهالي الموقوفين في تكريت سجن بغداد.
اختصاصية سوريّة في علم الاجتماع تربطني بها صداقة قديمة تواصلت معها خلال أعمال الشغب في الساحل السوري، بعد نداء خامنئي. كانت على علاقة وثيقة بمؤسّسات النظام الساقط بحكم عملها. سألتها مطمئنّاً: “ماذا يحصل في الساحل ولماذا هذه الأعمال؟”. أجابتني: “جماعتنا غير قادرين على التعايش مع فكرة أنّهم باتوا مواطنين كغيرهم من الشعب. عاشوا أربعين سنة وكأنّهم آلهة على الشعب أن يتعبّد لهم….”.
إقرأ أيضاً: الجماعة الإسلامية: انقلاب يقوده الأيّوبيّ ومشعل
ما قالته صديقتي السورية يصحّ أيضاً على النظام الإيراني وأذرعه، أي “الحزب” والحشد وأخواته. عليهم التعايش مع فكرتين: الأولى محورهم ومشروعهم هزم وسقط، والثانية أنّهم باتوا مواطنين كباقي أفراد الشعب في لبنان والعراق وعليهم واجبات ولهم حقوق. زمن الاعتداء على الآخرين انتهى.
وللكلام تتمّة.
لمتابعة الكاتب على X: