نهاية “الإمبراطوريّة” الإيرانيّة التي لم تُنجَز

مدة القراءة 6 د

تتوالى “الزلازل” الجيوسياسيّة بسرعة في المنطقة. ولا عجب في ذلك. فهو عالم جيوسياسيّ واحد. ما يحدث في منطقة ينعكس على الأخرى. أوّل تداعيات “زلزال” 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023) “الزلزال” اللبنانيّ ونتيجته إضعاف الحزب عسكريّاً للمرّة الأولى منذ نشأته في ثمانينيات القرن الماضي. وها هي ثاني تداعياته سقوط نظام الأسد بعد مرور أكثر من نصف قرن على حكمه سوريا! 3 زلازل يبدو أنّها قضت على أحلام “الإمبراطورية” الإيرانيّة وأوهام تحقيقها في دول العرب.

 

الرابط بين “الزلزال” في غزّة و”الزلزال” اللبنانيّ واضح ومباشر. لولا حرب الإسناد التي شنّها الحزب في 8 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023) دعماً لغزّة، ما كانت إسرائيل لتشنّ حرباً على الحزب في هذا التوقيت تقضي فيها على غالبيّة قياداته بمن فيهم أمينه العامّ “الأسطوريّ” حسن نصرالله، وتدمّر قسماً كبيراً من ترسانته العسكريّة (70% بحسب تقارير غربيّة)، وتهجّر جمهوره من قراه وبلداته في الجنوب وتدمّرها بالكامل. هذه الحرب والضربة التي تلقّاها من إسرائيل منذ أيلول الفائت وحتى اليوم هما أحد الأسباب الرئيسية في سقوط الأسد.

الرابط بين “الزلزال” في غزّة و”الزلزال” اللبنانيّ واضح ومباشر. لولا حرب الإسناد التي شنّها الحزب في 8 أكتوبر دعماً لغزّة، ما كانت إسرائيل لتشنّ حرباً على الحزب

مفاجأة سقوط الأسد

منذ سنوات حتى بدء هجوم فصائل المعارضة انطلاقاً من إدلب كان الكلّ يعتقد أنّ “الاستاتيكو” السوريّ قائم حتى يحين وقت الحلّ إقليمياً ودوليّاً، وأنّ الأسد سيكون في قلب هذا الحلّ لعدّة أسباب:

  • إنّ وجوده في السلطة هو خطّ أحمر أميركيّ – إسرائيليّ لأنّ نظامه يحفظ جيّداً الخطوط الحمر المرسومة له منذ وصول والده إلى السلطة.
  • إنّه رجل روسيا الأوّل في سوريا. استمراره في السلطة هو الضمانة لاستمرار النفوذ الروسيّ في المنطقة وعلى البحر الأبيض المتوسّط الذي أصبح قانونيّاً من خلال اتّفاقات ومعاهدات.
  • عودة بشار إلى الحاضنة العربيّة منذ أكثر من سنة التي تجسّدت باستعادة العلاقات الدبلوماسيّة مع الإمارات العربيّة والسعوديّة ومشاركته في القمّة العربيّة التي عقدت في الرياض.
  • إنّ إيران ستدافع عن وجود الأسد في أيّ صيغة نظام مستقبليّة في سوريا على الرغم من تأكّدها من إعادة تموضعه سياسياً تجاه الدول العربيّة في السنوات الأخيرة. فطهران كانت تعتقد بأنّ نظام الأسد يمكنه الحفاظ على التوازن بين تحالفه التاريخي معها (الذي يعود إلى بدايات ثمانينيات القرن الماضي) واستعادة علاقاته مع الدول العربيّة، خاصّة أنّ إيران نفسها تعمل على تحسين علاقاتها مع العالم العربيّ.

منذ سنوات حتى بدء هجوم فصائل المعارضة انطلاقاً من إدلب كان الكلّ يعتقد أنّ “الاستاتيكو” السوريّ قائم حتى يحين وقت الحلّ إقليمياً ودوليّاً، وأنّ الأسد سيكون في قلب هذا الحلّ

هجوم تركيّ مفاجىء…

لكنّ ما حدث خلال الأيّام الماضية خالف كلّ التوقّعات. فاجأ الجميع. أذهلهم. ويبدو من خلال تصريحات زعماء الدول الإقليميّة والغربيّة أن لا أحد كان يتوقّع سقوط الأسد بهذه السرعة على الرغم من إعلان الرئيس التركيّ، الداعم الأوّل للهجوم على الأسد، أنّ هدف الفصائل دمشق بالطبع. وبالفعل وصلت إلى العاصمة. أسقطت نظام الأسد بعد مرور أكثر من نصف قرن على وجوده في السلطة، محدثة بذلك “زلزالاً” جيوسياسيّاً. لم يكن ليحدث هذا الزلزال لولا “الزلزال” اللبنانيّ، إضافة إلى عوامل أخرى:

  • عدم استجابة بشار الأسد لدعوات الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان المتكرّرة للّقاء بهدف تطبيع العلاقات بين البلدين.
  • ضعف الحزب، وهو الداعم الأوّل لنظام الأسد والمدافع عنه منذ عام 2012. وللتذكير خاض الحزب المعارك كي يستعيد النظام المدن والبلدات التي سيطرت عليها المعارضة في حمص وحماة وحلب والقلمون ودمشق وتدمر وغيرها من المناطق. وبقي مسيطراً بشكل أساسيّ على حمص التي تشكّل التقاطع الاستراتيجي في البلاد الذي يربط الجنوب بالشمال والداخل بالساحل.
  • ارتباك إيران بعد الضربة التي وُجّهت لـالحزب في لبنان والضربات التي وُجّهت لها مباشرة منذ اغتيال قاسم سليمانيّ قائد فيلق القدس.
  • انشغال فلاديمير بوتين بحربه في أوكرانيا التي تستنزف قدراته العسكريّة منذ أكثر من سنتين. فمنذ بدء تلك الحرب بات الوجود العسكريّ الروسي في سوريا رمزيّاً.
  • شلل الإدارة الأميركيّة الحاليّة بانتظار تسليم السلطة لإدارة دونالد ترامب.
  • ضعف الاتّحاد الأوروبيّ في ملفّات المنطقة الذي أثبتته حرب غزّة والحرب على الحزب. هذا إضافة إلى انشغاله بالحرب في أوكرانيا التي تشكّل تهديداً لأمن أوروبا.

ستكون لسقوط نظام الأسد تداعيات جيوسياسيّة كبرى في المنطقة ستتكشّف تباعاً. أولى تلك التداعيات على إيران ونفوذها في المنطقة

… وسقوط إيرانيّ عميم

ستكون لسقوط نظام الأسد تداعيات جيوسياسيّة كبرى في المنطقة ستتكشّف تباعاً. أولى تلك التداعيات على إيران ونفوذها في المنطقة تتجسّد في ما يلي:

  • خسارة أوّل نظام سياسيّ حليف بعد قيام الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. فالتحالف الإيرانيّ – السوريّ قام في ثمانينيات القرن الماضي بعد أشهر على نجاح الثورة الإسلامية وتسلّمها السلطة في طهران.
  • خسارة الجغرافيا المحوريّة في المشروع الإمبرياليّ الإيرانيّ وصلة الوصل الجغرافيّة بين إيران ولبنان وفلسطين عبر العراق. لهذا السبب تدخّلت عسكرياً بشكل مباشر لحماية النظام فور تعرّضه للتهديد من قبل فصائل المعارضة قبل عقد من الزمن.
  • قطع طريق الإمداد العسكريّ والماليّ لـالحزب في لبنان. وهو ما يعني عدم قدرة طهران على إمداد الحزب بما خسره في حربه ضدّ إسرائيل. وهذا يعني فعليّاً بدء نهاية الحزب العسكريّة، خاصّة في ظلّ التطويق البحريّ والجوّيّ الذي تفرضه إسرائيل على لبنان.

إقرأ أيضاً: مأساة شراء النفوذ من خارج الحدود

منذ الحرب الإسرائيليّة على حماس في غزّة وتدميرها إلى حدّ القضاء عليها، وبعد الحرب على الحزب وتلقّيه ضربات غير مسبوقة، بدأ الكلام عن تراجع النفوذ الإيرانيّ في المنطقة. بيد أنّ سقوط نظام الأسد هو بداية الإعلان عن نهاية “الإمبراطورية” الإيرانيّة التي لم تُنجَز.

أمّا السؤال: لماذا لم تُنجَز؟ فهذا موضوع آخر…

 

لمتابعة الكاتب على X:

@Fadi_ahmar

مواضيع ذات صلة

سوريا الجديدة: نبوءة لم تتحقّق وسرّان كبيران

منذ الستّينيات تنبأ حنّا بطاطو الأستاذ يومها بالجامعة الأميركية ببيروت أنّ مشكلات داخلية كبرى ستحصل بالعراق لأسباب إثنية ودينية وجغرافية، فليس هناك شعب عراقي، وإنّما…

سوريا تسبق لبنان إلى الحاضنة العربيّة

هل تسبق سوريا لبنان إلى الانضواء تحت الحاضنة العربية في سياق الجهد الدولي العربي لإخراج البلدين من العباءة الإيرانية وعدوانيّة إسرائيل؟ في لبنان ما زالت…

السّعوديّة… “احتضان” اللّحظة السّوريّة

كانت لافتةً السرعة التي تفاعلت بها السعودية مع الحدث السوري الكبير. لا تردّد، لا تحفّظ، لا تريّث، ولا وقت للتأمّل والانتظار. بعد ساعات من إعلان…

سمير عسّاف: مرشّح لا يعرفه ناخبوه

مرّت على الرئاسة اللبنانية، قبل الاستقلال كما بعده، صنوف من البشر: المحامي والضابط والوزير والنائب والسفير والإداري والتاجر، الأمير والزعيم والخارج من بيت فقير متواضع،…