تحرّك الرّياض: سقف الطّائف… وقَرْن الأقوال بالأفعال

مدة القراءة 7 د

في لبنان مثل سوريا، لا يحتمل الوضع التأخير في الدعم العربي، ولا سيما السعودي، لانتخاب الرئيس في جلسة 9 كانون الثاني. في دمشق لا مجال للتباطؤ في مساندة ومواكبة المرحلة الانتقالية. وليس صدفة أن تلي استقبال الرياض لوفد حكومة سوريا المؤقّتة قبل يومين، الزيارة المرتقبة لوفد سعودي لبيروت قبل جلسة الانتخاب.

أكثر ما يهمّ الرياض أن يقرن اللاعبون المحلّيون في لبنان الأقوال بالأفعال، بعد فترة من المناورات، حسب أوساط دبلوماسية عربية، سواء كان ذلك في ما يخصّ قول رئيس البرلمان نبيه بري حين أعلن موعد جلسة الانتخاب إنّه يجب أن نتّفق، أو كان في شأن ما يمليه الاتّفاق على سائر القوى السياسية وعلى المرشّحين للرئاسة من التزامات. والافتراض هو أنّ الأطراف كافّة تتّجه نحو الحلول للأزمة اللبنانية لأنّه بات واضحاً أنّ اللبناني لم يعد يحتمل التراخي في تنفيذها. لم يعد ممكناً أيضاً العودة إلى سياسات تبيّن أنّها غير مجدية، والجميع مرغم على التعاطي مع التطوّرات الإقليمية بقدر من البراغماتية حتى لا يقفز في المجهول. لذلك توقيت زيارة الوفد السعودي مهمّ وفق قول للإمام عليّ بن أبي طالب: لكلّ أمر وقت وتدبير.

في لبنان مثل سوريا، لا يحتمل الوضع التأخير في الدعم العربي، ولا سيما السعودي، لانتخاب الرئيس في جلسة 9 كانون الثاني

الخطر يلامس الجميع

تقرأ الأوساط الدبلوماسية العربية في التحرّك السعودي المنتظر حيال لبنان تشجيعاً للفرقاء على التقاط التحوّلات الإقليمية، فالوقت صار ضيّقاً على الجميع، ويفترض أن يكون هؤلاء الفرقاء بمستوى هذه التحوّلات، فالمنطقة مقبلة على مرحلة انتقالية عميقة وجدّية. تلمس الأوساط نفسها استعدادات تسمح بالتفاؤل لأنّ نضوج ما ترتّبه التغييرات الحاصلة يحفّز الفرقاء اللبنانيين على استكمال الانسجام معها. والمخاض الذي عاشه لبنان منذ عام 2000 حتى الآن يفترض أن ينتهي إلى استعادة التوازن في مؤسّساته.

تعتقد الأوساط الدبلوماسية العربية أنّ القوى السياسية اللبنانية تتّجه أكثر نحو الحلول للأزمة اللبنانية لأنّ الخطر لامس الجميع، فلا المسيحي ولا السنّي ولا الشيعي ولا الدرزي يريد لابنه أن يهاجر، أو أن يبقى بلا عمل، أو بلا تدفئة في الشتاء، أو بلا طبابة… وليس من عاقل يقبل بكلّ ذلك.

تقرأ الأوساط الدبلوماسية العربية في التحرّك السعودي المنتظر حيال لبنان تشجيعاً للفرقاء على التقاط التحوّلات الإقليمية

الحلول في الطّائف… ولا إقصاء لأحد

تستند هذه النظرة التفاؤليّة إلى جملة مبادئ:

  • كلّ القضايا الشائكة تجد معالجاتها في تنفيذ اتّفاق الطائف، بحيث تكون المرحلة المقبلة تحت سقفه. بعض السفراء الغربيين يعتبرون أن لا مخرج للبنان إلّا بقيام نوع من اللامركزية في البلد. والطائف ينصّ على اللامركزية الإدارية. ومسألة سلاح الميليشيات تناولها الطائف بوضوح. وفي الوضع الراهن يكمن الحلّ في تسليم السلاح في الاستراتيجية الدفاعية. وفي الوضع السابق لم ينعكس اتفاق الطائف في العملية السياسية.
  • أهمّ تجلّيات العودة إلى البراغماتيّة من قبل الفرقاء اللبنانيين هو القبول بالخيار الثالث للخروج من الفراغ الرئاسي والتعطيل. وهذا يعني أنّ الفريق الذي حقّق مكتسبات في المرحلة الماضية قرّر وقف الخسائر المتتالية جرّاء التطوّرات الحاصلة في الإقليم. لكنّه في المقابل لا يمكنه أن يفرض شروطه على الآخرين.
  • لكنّ الأمر يتوقّف أيضاً على القوى السياديّة الأخرى في سياق إعادة الاعتبار لاحترام اللعبة السياسية. إذ لا يمكن تكرار أخطاء التاريخ الذي أثبت أنّ محاولات الإقصاء فشلت في لبنان.

تعتقد الأوساط الدبلوماسية العربية أنّ القوى السياسية اللبنانية تتّجه أكثر نحو الحلول للأزمة اللبنانية لأنّ الخطر لامس الجميع

ترجمة النوايا إلى خطّة… وتطلّعات المجتمع الدّوليّ

  • الدول الصديقة للبنان تنتظر ساعة انطلاق الإصلاحات. والرؤية السعودية تقوم على عدم فرض أيّ إملاءات على اللبنانيين. ما يهمّها الانتهاء من التعطيل والفراغ، وتداعياتهما السلبية، والتأكيد أن لا فيتو لديها على أحد. والأهمّ أنّه إذا قُدّمت لها خيارات وازنة فهي مستعدّة لتقويمها بإيجابية.
  • في ما يخصّ الموقف المبدئي بأنّ الرياض لا تسمّي أحداً للرئاسة، أثنى السفراء الأجانب في لبنان على موقفها. وهم يعتبرون أنّها كانت تستشرف المرحلة المقبلة التي كانت بعض الدول تهمل النظر إليها.
  • جوهر الأزمة ليس في الأشخاص. والمسألة تتعلّق بالسؤال حول من يمكنه أن يترجم حسن النوايا إلى خطّة عمل واضحة. فالكلام من دون ترجمته إلى أفعال يبقى بلا نتيجة.
  • في ظلّ القناعة بأن لا رغبة لدى أحد في فرض خيار على أيّ كان، فإنّ أيّ خيار لا يحقّق تطلّعات المجتمع الدولي لن يلقى الصدى الإيجابي.
  • المتابعة التفصيلية لملفّ لبنان تقود إلى الاستنتاج أنّ الأطياف السياسية تفتقر إلى تحديد عنوان الأزمة، وبالتالي الحلول. وهذا أدّى إلى خلل في تحديد الأولويّات: هل هي الأزمة الاقتصادية؟ أم الأزمة السياسية؟ أم الحاجة إلى الاستقرار الأمنيّ؟ وتحديد الأولويّة يقود إلى تحديد هويّة الرئيس وفقاً لهذه الأولوية أو تلك.

ما يحكى عن رفض بعض الفرقاء لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، ومنهم الثنائي الشيعي، ليس دقيقاً

لا نيّة لرئيس تهريبة

في سياق الترشيحات للرئاسة يمكن تسجيل ملاحظات عدّة، منها:

  • ليس هناك نيّة لدى الرئيس بري للإتيان برئيس تهريبة كما يشاع في بعض الأوساط. بل إنّ التكهّنات تشير إلى تفضيل انتخاب الرئيس الجديد قبل 20 كانون الثاني، موعد دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الأبيض. وهذا يعبّر عن إدراك لسلبيّات التأجيل.
  • ما يحكى عن الرفض المطلق لبعض الفرقاء بترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، ومنهم الثنائي الشيعي، ليس دقيقاً. بل إنّ بعض الفرقاء الذين يُنسب إليهم هذا الموقف لا يمانعون أن يتبوّأ المنصب. وإذا حصل على 86 صوتاً فحتّى قيادات “الحزب” يردّدون أن لا موانع شخصية عليه. وثمّة من يرى أنّ ترشيح الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط له ربّما حمل نوعاً من الموافقة من قبل برّي.
  • الحديث عن العودة إلى خيار ترشيح جهاد أزعور يعني وجود قناعة من قبل من يطرحونه بالحاجة إلى استدراج سائر الفرقاء نحو التحاور معهم حول الاستحقاق.
  • من الطبيعي أن يرفع البعض سقف توقّعاته، وفي الوقت نفسه هناك من سيفضّل القبول بخيار “التي هي أحسن”.

ليس هناك نيّة لدى الرئيس بري للإتيان برئيس تهريبة كما يشاع في بعض الأوساط

احتواء إيران وعدم التّساهل الدّوليّ

في ما يخصّ تناغم الوضع اللبناني مع التطوّرات الإقليمية ترى الأوساط الدبلوماسية العربية أنّ المجتمع الدولي لن يتساهل في نظرته إلى التحوّلات الحاصلة في المنطقة الآتية بتغيير واضح. بل هو يتطلّع إلى انسجام مع هذا التغيير.

تنظر هذه الأوساط إلى السياسة الخارجية للمملكة وفق المبادئ الآتية:

  • حلّ الدولتين حجر الزاوية في شأن القضية الفلسطينية، بالارتكاز على أنّ السلام خيار استراتيجي، بدءاً بنهج خفض التصعيد. تعود هذه الأوساط إلى رؤية الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان. كان يعتبر أنّ الصراع هو بين ثلاث ديانات في المنطقة ولن يتوقّف، حتى إذا تحقّق السلام فيها. بل إنّ السلام يكمن في القدرة على إدارة الصراع بطرق سلمية. والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب دعا إلى معالجة الصراعات العسكرية قبل تسلّمه مهمّاته. وهذا يعني تهدئة الجبهات.
  • في سياق السعي إلى حلّ الدولتين، يصعب تجاهل تأثير ذلك على الأمن القومي المصري، ثمّ السوري واللبناني، وصولاً إلى العراقي. لذلك وجب العمل على تقديم ضمانات للدول… وما جرى ويجري في سوريا مؤشّر إلى المرحلة المقبلة. ومواكبة المتغيّرات فيها يتطلّب أيضاً قدراً من البراغماتية.
  • سعت الرياض إلى لعب دور في احتواء إيران وعملت لتحقيق هذا الهدف. وهذا ساهم في تحقيق التهدئة في الإقليم. أمّا في شأن انعكاسات سياسة طهران على لبنان، فإنّ ما جرى في سوريا كسر الصلة بين قوى المحور الذي قادته.

إقرأ أيضاً: هذا هو الرّئيس!

الاتّجاه نحو وقف الحرب في أوكرانيا (من قبل الإدارة الأميركية الجديدة والمجتمع الدولي) يحتاج بدوره إلى تقديم الضمانات التي تسمح بجذب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من الحضن الصيني.

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

بعد بيروت والشام… متى تتحرّر بغداد؟

لن تلتفت بغداد إلى غربها العربيّ بعد اليوم. هناك حيث حليفها بشار الأسد قد غادر غير مأسوف عليه إلى بلاد، كان ابنها، ابن فضلان قبل…

جهاد أزعور: الظّرف يصنع الرّئيس

ما لم تقع مفاجأة في ربع الساعة الأخير، سيكون لجلسة 9 كانون الثاني حصان واحد هو قائد الجيش جوزف عون: يُنتخب من الدورة الأولى أو…

السّعوديّة تسحب لبنان من مستنقع الشّرق إلى أوروبا الجديدة

كلّ الصالونات السياسية في لبنان تهمس بسؤال واحد: ماذا تريد المملكة؟ من هو الشخص الذي تُفضّله لرئاسة الجمهورية؟ ثمّ لرئاسة مجلس الوزراء؟ ولا أحد يملك…

مأساة شراء النفوذ من خارج الحدود

ما استثمرت دولة في نفوذٍ خارج حدودها إلّا ودفعت ثمناً أكبر بكثير ممّا كسبت!   الشواهد على هذه الحقيقة دامغة، ولا مجال للجدل فيها. فقد…