2024: إردوغان أبرز الرابحين الإقليميّين

مدة القراءة 7 د

لن تفرض تركيا نفسها على الشركاء والحلفاء السوريين، الذين دعمتهم ونسّقت معهم لسنوات في مواجهة نظام بشار الأسد. فهي تعرف أنّ المقايضة الحقيقية لا بدّ أن تكون إقليمية إذا ما أرادت جني ثمار سياستها السوريّة. يحتاج الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي دخل عملية العدّ العكسي لتسلّم دونالد ترامب مهامّه في البيت الأبيض، إلى الدور العربي والغربي والروسي في سوريا، إذا كان يريد مواجهة النفوذ الإيراني في الإقليم، وتقليص مخاطر التمدّد الإسرائيلي في لبنان وسوريا وشرق المتوسط.

عندما كان بشار الأسد يجهّز خطط وحقائب الفرار إلى روسيا، كان إردوغان منهمكاً بوضع اللمسات الأخيرة على الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا، وتقديم عروض لعب الدور المسهّل في القارّة السمراء بين العديد من دولها.

قبلها بأيّام، أرسل رئيس جهاز استخباراته إبراهيم كالين لالتقاط صورتين، الأولى في سيّارة يقودها أحمد الشرع في شوارع دمشق و كالين بجانبه، والثانية في المسجد الأمويّ وهو يؤدّي الصلاة.

لن تفرض تركيا نفسها على الشركاء والحلفاء السوريين، الذين دعمتهم ونسّقت معهم لسنوات في مواجهة نظام بشار الأسد

فوق جبل قاسيون

بعدها بأيّام أرسل وزير خارجيّته هاكان فيدان لشرب الشاي مع أحمد الشرع فوق جبل قاسيون، وسط إطلالة ليلية على العاصمة السوريّة دمشق. ما بعث رسالة تركية سورية مشتركة للقاصي والداني حول جلوس أنقرة في الموقع الاستراتيجي السوري، حيث يقع خطّ الدفاع الأوّل عن منطقة الشام، ويمتدّ للإمساك بالمفتاح السوري الذي تحدّث عنه ترامب قبل أيام.

قبل ذلك بأسبوعين، كان إردوغان قد أرسل فيدان لالتقاط الصور التذكارية في اجتماع العقبة العربي- التركي- الغربي المخصّص لبحث المشهد السوري وخارطة الطريق الإقليمي الممكن اعتمادها هناك.

هكذا نجح إردوغان، الذي كان يحاول البعض إضعافه سياسياً وحزبياً في الداخل، في تحريك أوراق الخارج لتغيير المعادلات. وقطع الطريق على مخطّط إزاحته عن كرسي الحكم. تصالح مع العواصم العربية وحسّن من علاقته مع الغرب. ولم يفرّط بما شيّده من جسور مع اللاعب الروسي، وقبل أن تكون طهران هي من يتحمّل أعباء سياساتها في المنطقة. أما هدفه الآن بعد إنجاز هذا الاختراق الاستراتيجي في سوريا، فهو محاصرة المشروع الإسرائيلي الذي كان يريد الالتفاف عليه بعد إخراج طهران من المعادلة.

إردوغان أبرز رابحي الزلزال الإقليمي. بعدما حوّل الكثير من الأزمات إلى أوراق استراتيجية ثمينة بيد تركيا.

أرباح الزلزال الإقليمي

إردوغان أبرز رابحي الزلزال الإقليمي. بعدما حوّل الكثير من الأزمات إلى أوراق استراتيجية ثمينة بيد تركيا. وسرّ اللغز كان في مراجعة سياساته الإقليمية والذهاب وراء التنسيق مع العديد من العواصم بطريقة براغماتية. ما ساهم في فتح الأبواب أمام المزيد من الفرص لتركيا.

من الممكن إطلاق الكثير من التكهّنات حول مسارعة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط لاصطحاب وفد من الموحّدين والتوجّه لتهنئة أحمد الشرع على انتصار الثورة، لكن لا يمكن الفصل بين استقبال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في العاصمة التركية، وبين تحرّك جنبلاط على الخطّ السوري في مهامّ تقريب ووساطات… أبعد من التذكير بحقوق الأقلّيات في سوريا وخطط أنقرة للتقريب بين لبنان وسوريا الجديدة.

بنى الزعيم الدرزي علاقات وثيقة مع الأتراك في الأعوام الأخيرة، تمكّنه من التوسّط ونقل الرسائل ولعب الكثير من الأدوار، التي تهمّ أنقرة في سوريا والإقليم وتدعم مسار التغيير والتجديد. هو أيضاً لن يقبل بالجلوس فوق كرسي هزّاز على شرفة المختارة يتأمّل منحدرات الشوف حيث عناق الطبيعة والتاريخ. بل إنّ خدمات متبادلة كثيرة تُطبخ على نار هادئة في سوريا. وقد تمتدّ وتصل إلى شرق الفرات وجنوب سوريا.

لن يترك جنبلاط مسألة الثأر لكمال جنبلاط ورفيق الحريري وحسن خالد وريمون إدّه وغيرهم من رفاقه، تمرّ بمرور الزمن. المهمّة التي قد يكون جنبلاط اختارها لنفسه هي تحريك ملفّ الكشف عن الجرائم السياسية التي ارتكبها النظام السوري الراحل في لبنان. وقد يكون يبحث عن مفتاح صندوق أسرار هذه الاغتيالات والتصفيات، التي قد تدفع موسكو لمراجعة موقفها في استقبال الأسد وتسهيل مثوله أمام المحاكم الوطنية والدولية، وإردوغان قد يساعده في ذلك.

بنى الزعيم الدرزي علاقات وثيقة مع الأتراك في الأعوام الأخيرة، تمكّنه من التوسّط ونقل الرسائل ولعب الكثير من الأدوار

لا دور لإيران

لكن ماذا عن الربط بين استهداف علي أكبر ولايتي كبير مستشاري المرشد الإيراني لأنقرة “التي وقعت في فخّ إسرائيل وأميركا”، وبين ما قاله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقتشي بعد أيام على سقوط نظام الأسد من أنّ ما حدث في سوريا يأتي في إطار “مشروع ضخم تخطّط له أميركا وإسرائيل للقضاء على أيّ مقاومة ضدّ إسرائيل”، وأنّ سوريا خرجت من “محور المقاومة”؟

هذا الربط حسمته مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، التي رأست الوفد الأميركي الذي التقى أحمد الشرع في دمشق، بقولها: “لن يكون لإيران أيّ دور على الإطلاق في سوريا وهذا ليس من حقّها”.

خلط الأوراق في سوريا والإقليم، الذي قادته تركيا في الأسابيع الأخيرة، أطاح بمخطّطات طهران في المنطقة وحساباتها السورية تحديداً. هذا لا ينطبق على روسيا التي تنبّهت في اللحظة المناسبة لما تعدّ له تركيا في سوريا، فقرّرت ترك إيران لوحدها في مواجهة التحرّك التركي الإقليمي. وكلّ هذا يتمّ التحضير له في المطبخ السياسي التركي بإشراف إردوغان.

خلط الأوراق في سوريا والإقليم، الذي قادته تركيا في الأسابيع الأخيرة، أطاح بمخطّطات طهران في المنطقة وحساباتها السورية تحديداً

قبل أيّام فقط من تحرّك الفصائل السورية في إدلب باتّجاه حلب، لم نكن نعرف حدود التغيير والمفاجأة التركية. كان البعض يعوّل على نقل المعركة إلى ساحة إردوغان بقرار الطاولة الإسرائيلية الغربية المشتركة. تغيّر المشهد خلال أيام لتصبح تركيا هي من يحاصر القرار الغربي ويقف في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.

هدف ترامب الأوّل سيكون تحديد شكل خياراته في التعامل مع الواقع الإقليمي الجديد الذي تسبّب إردوغان بتحريك خطّ الزلازل فيه، وقلب كلّ توازناته رأساً على عقب. ستقوّي إزاحة الأسد مواقف إردوغان في الإقليم أكثر فأكثر. وستدفع الإدارة الأميركية الجديدة واللاعب الأوروبي للبحث عن سياسات مغايرة حيال تركيا، التي غيّرت الكثير من التوازنات، بعد تمدّدها في القارّة السمراء وآسيا الوسطى والبحر الأسود وشرق المتوسّط.

عانت تركيا لسنوات نتيجة خوض معركة صعبة في شمال سوريا داخل جيب إدلب ومثلّث شرق الفرات، حيث إيران وروسيا وأميركا وقوى محلّية وميليشيات من كلّ صوب، تقبع على حدودها الجنوبية. لهذا قد يكون طبيعياً أن يقرّر إردوغان قلب المعادلات والتوازنات في المشهد السوري. وهو الذي نجح في القوقاز وليبيا وشرق المتوسّط وإفريقيا، وكاد أن ينجز المهمّة في القرم.

قد تكون المواجهة تركية – إسرائيلية هذه المرّة إذا لم يتحرّك ترامب لوقف النزيف، الذي تتسبّب به إسرائيل على أكثر من جبهة

مواجهة تركية – إسرائيلية

قد تكون المواجهة تركية – إسرائيلية هذه المرّة إذا لم يتحرّك ترامب لوقف النزيف، الذي تتسبّب به إسرائيل على أكثر من جبهة. خصوصاً بعد تراجع النفوذ الإيراني في لبنان وسوريا والعراق. وبعد تلويح تل أبيب بلعب الورقة الكردية ومياه دجلة والفرات ضدّ أنقرة.

مشكلة البعض هي أنّ إردوغان يريد أن تشارك العواصم العربية والغربية وروسيا في المسار السوري والإقليمي الجديد بعكس ما فعلته طهران لسنوات طويلة عبر “محور المقاومة”. الذي اختار المواجهة مع تركيا والعالم العربي وإسرائيل والغرب في الوقت نفسه.

ما سيفعله إردوغان في الأيام المقبلة هو ترك واشنطن وحلفاء تل أبيب بين خياريْن:

  • التحرّك في مواجهة نتنياهو وسياساته، لإفهامه أنّه لن يكون بمقدوره فرض مشروع الشرق الأوسط الجديد وترتيب شؤون المنطقة على مقاسه، معوّلاً على قوة إسرائيل العسكرية وحلم التمدّد الجغرافي الذي لا يأبه بالخرائط والحدود.
  • تحمّل ارتدادات المزيد من التصعيد، الذي يطيح بمصالح الكثيرين ويفرّط بالفرص الإقليمية السانحة للتهدئة في المنطقة.

إقرأ أيضاً: 2024: بداية مشروع تتريك سوريا؟

لمتابعة الكاتب على X:

@Profsamirsalha

مواضيع ذات صلة

لبنان في حاجة إلى رئيس من “خارج الصندوق”

تغيّر الوضع الإقليمي ولم يتغيّر اللبنانيون بعد. ما زالت الطبقة السياسيّة ترفض أخذ العلم بالواقع الإقليمي الجديد الذي ولد من رحم “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم…

جوزف عون: الاستثناء يصنع القاعدة

من الآن إلى 9 كانون الثاني، موعد الجلسة المفترض أنّها الأخيرة لانتخاب الرئيس، يدور معظم السجال من حول جوزف عون، كما لو أنّه المرشّح الوحيد……

تركيا – إيران: هل تتراجع طهران عن خطاياها؟

أبرزت الارتدادات التي تركتها متغيّرات المشهد السوري مزيج من التصعيد والاصطفافات المتباعدة في العلاقات التركية الإيرانية. دبلوماسية الجمع بين التعاون والتنافس باتت صعبة لأنّ توازنات…

الشّرق الأوسط الجديد: بين “مقصّ” نتنياهو و”ذكاء” إردوغان

كشف رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأوّل مرّة في خطابه في 27 أيلول الفائت في الجمعية العامّة للأمم المتحدة عن رؤيته للشرق الأوسط الجديد، حين…