نحو لبننة الرئاسة بإنضاج سعودي

مدة القراءة 10 د

لا يلتقي لبنانيان إلّا ويطرحان السؤال: هل كان البرلمان سينتخب رئيساً بعد 9 أيام، في الجلسة التي حدّد الرئيس نبيه بري موعدها؟

يخشى اللبنانيون ألّا يستفيد البلد من الفرصة الإقليمية الدولية التي وفّرتها تحوّلات عام 2024، ولا سيما في سوريا، لنقل لبنان إلى مرحلة جديدة. غرقوا خلال سنة كاملة بكارثة الحرب، وتبيّن لهم أنّ الغرض من الفراغ الرئاسي منذ تشرين الأوّل 2022 كان إقحامهم فيها من دون موافقتهم.

حوّلت حرب إسرائيل على “الحزب” ولبنان انتخاب الرئيس إلى عملية سياسية لانتشال البلد من تراكم سنوات من تغييب السلطة فيه. فباسم “المقاومة”، أخضع فائض القوّة السلطة في لبنان لمنطق وحدة الساحات لمصلحة الأجندة الإيرانية. وإذا بهذه الوحدة تنهار خلال أيّام.

 

 

تتوقع أوساط دبلوماسية عربية أن تشكل الزيارة المرتقبة للوفد السعودي الرفيع إلى لبنان، قبل جلسة البرلمان الانتخابية دفعاً جديداً لإنهاء الفراغ الرئاسي. تبلغ بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالخطوة السعودية ويجري ترتيب لقاءات أعضائه الذين يتقدمهم وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان آل سعود، ويرافقه المسؤول الجديد عن ملف لبنان، الذي انتقل إلى الخارجية بعدما كان في الديوان إبان أزمة العلاقات بين البلدين الأمير يزيد بن فرحان. ينتظر أن يلتقي الوزير بن فرحان المسؤولين اللبنانيين ويغادر على أن يبقى الوفد المرافق له لمتابعة التطورات اللبنانية. وزيارة رفيعة المستوى كهذه تحتاج إلى تحضير لإبلاغ القيادات وتحديد المواعيد. فحين تتحرك الدبلوماسية السعودية يكون تحركها هادفاً. وتكثيفه بدأ باستقبال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان قائد الجيش العماد جوزيف عون، الذي يفترض اعتباره مؤشراً إلى اهتمام الرياض. فلبنان لم يعد يحتمل التعطيل والسياسات التي ثبت عدم جدواها. كما أن التحولات في المنطقة أحدثت نضجاً لدى القوى السياسية، يسمح بالسعي لاسترداد التوازن في المؤسسات اللبنانية.

تتوقع أوساط دبلوماسية عربية أن تشكل الزيارة المرتقبة للوفد السعودي الرفيع إلى لبنان، قبل جلسة البرلمان الانتخابية دفعاً جديداً لإنهاء الفراغ الرئاسي

الرسالة من وراء الزيارة، حسب الأوساط نفسها، مواكبة الجلسة التي تحظى بتقدير اللجنة الخماسية المعنية بلبنان، والسعودية منها، لتنفيذه وعده بعقد جلسة الانتخاب فور وقف النار في الجنوب. تبدي الأوساط الدبلوماسية العربية تفاؤلاً بخروج لبنان من التعطيل والفراغ ونتائجه السلبية. وإذا لم يتمكن البرلمان من انتخاب الرئيس في جلسة 9 كانون الثاني، فإنه سيحصل بعد يومين أو ثلاثة. وهي تنفي ما يشاع عن تباين سعودي قطري في دعم هذا المرشح أو ذاك، وتؤكد على الانسجام الكامل بين سفراء دول الخماسية.

العارفون بخلفيّات دعوة الرئيس بري سفراء الدول الأجنبية إلى جلسة في 9 كانون الثاني  2025لانتخاب رئيس للجمهورية، يقولون إنّ الهدف يتعدّى إثبات جدّيته. فهو يريد للسفراء أن “يشهدوا” على الجهة التي ستسقط نصابها في حال لم يحصل التوافق بين الكتل النيابية على الرئيس العتيد. إذا صحّ ذلك فإنّه يحتاط لاحتمال تطيير النصاب من قبل المعارضة، إذا وجدت أنّ هناك فرصة لرئيس يفضّله الثنائي الشيعي. أفما زال الثنائي مصرّاً على رئيس يراعي احتفاظ “الحزب” بحرّية التسلّح ويغضّ النظر عن دوره؟

لا يلتقي لبنانيان إلّا ويطرحان السؤال: هل كان البرلمان سينتخب رئيساً بعد 9 أيام، في الجلسة التي حدّد الرئيس نبيه بري موعدها؟

احتمالات جلسة 9 ك2

أمام ضبابيّة التوقّعات حول مصير جلسة الانتخاب، يبدو أنّها أمام الاحتمالات الآتية:

  • احتمال حصول تطوّرات في ربع الساعة الأخير، أي عشيّة انعقادها، فيُنتخب الرئيس. هذا الاحتمال يفترض حصول توافق بين الثنائي الشيعي والمعارضة على دعم ترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون. هكذا يحصل على أكثريّة الثلثين (86 صوتاً) من دون الحاجة إلى تعديل دستوري. وعلى الرغم ممّا يشاع عن معارضة الثنائي تولّي الأخير الرئاسة لأنّه سينفّذ اتّفاق وقف النار بإنهاء الوجود المسلّح لـ”الحزب” شمال الليطاني، إلّا أنّ هناك من يرى أنّه سيتمهّل في ذلك شمال الليطاني، وسيترك الأمر للتفاهمات اللبنانية الداخلية. دليل هؤلاء أنّ الجيش يتباطأ في مصادرة الأسلحة حتّى في جنوب الليطاني. وهذا ما يبرّر لإسرائيل مواصلة توغّلاتها في الجنوب. من يميلون إلى هذا الاحتمال يعتقدون أنّ سبباً جوهرياً يمكن أن يرجّح موافقة الثنائي على العماد عون، وهو قطع الطريق على ترشيح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وسط التلويح بقبول “التيار الوطني الحرّ” به لاستبعاد القائد.

لا تستبعد أوساط نيابية اسم جهاد أزعور بديلاً من القائد

أزعور وعون وسيناريو التّأجيل

  • لا تستبعد أوساط نيابية اسم جهاد أزعور بديلاً من القائد. وعلى الرغم من تضارب التسريبات في هذا الشأن كثرت التكهّنات بأن يقبل به برّي و”الحزب” لأنّه أقلّ تشدّداً في مصادرة السلاح شمال الليطاني. هذا فضلاً عن أنّ الأولوية بالنسبة إلى الثنائي هي إعادة إعمار ما هدّمته إسرائيل. وبالتالي فإنّ صفته الاقتصادية والماليّة أكثر ملاءمة لهذه الأولويّة. يضاف إلى ذلك أنّ “التيار الوطني الحر” قد يعود إلى خيار أزعور لأنّه تقاطع مع المعارضة على الاقتراع له في حزيران 2023.
  • أن يعجز أيّ من المرشّحين، وسط تشتّت الترشيحات، عن الحصول حتى على أكثرية الـ65 صوتاً على الرغم من بقاء الجلسة مفتوحة. في هذه الحال تجري دورات اقتراع عدّة بلا نتائج، وتبقى الجلسة مفتوحة ليجري تأجيل الاقتراع ليوم آخر، إفساحاً في المجال للتشاور. بذلك يكون برّي وفى بوعده بإبقاء الجلسة مفتوحة بدورات متتالية، وفتح الباب على مقايضة في الرئاسة بين القوى النيابية، ومع الدول المصرّة على ملء الفراغ.

تحمل المغامرة بتأجيل انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني مخاطرة كبرى إزاء هشاشة وقف إطلاق النار مع إسرائيل

مخاطر التّساهل مع سلاح “الحزب”

تحمل المغامرة بتأجيل انتخاب الرئيس في 9 كانون الثاني مخاطرة كبرى إزاء هشاشة وقف إطلاق النار مع إسرائيل. فالأخيرة تعربد وتقصف جنوباً وبقاعاً، وتفجّر منازل ومنشآت وتقتل في ظلّ تساهل أميركي. تكتفي واشنطن بالضغط على إسرائيل لوقف توغّلاتها تفادياً للإحراج أمام الشكاوى اللبنانية، واعتراض فرنسا و”اليونيفيل”.

تأجيل انتخاب الرئيس بالنسبة إلى واشنطن وإسرائيل مؤشّر إلى نيّة لبنان التهرّب من التزامات وقف إطلاق النار خلال مهلة الستّين يوماً لانسحاب إسرائيل. فالوقت يمرّ مع امتناع “الحزب” عن تسليم سلاحه جنوب الليطاني إلى الجيش، ومن دون مبادرة الأخير إلى مصادرته. وهذا يحصل بينما تتعثّر إعادة تكوين سلطة في لبنان بالانسجام مع التحوّلات الحاصلة ميدانيّاً وسياسياً في البلد والإقليم.

مثلما ينهي انتخاب الرئيس، لاستعادة لبنان قراره، حقبة من مصادرة هذا القرار لتسهيل قيام الحرب، يعكس التلكّؤ في انتخابه القاعدة. فالإصرار على أسماء معيّنة قد تخضع للضغوط يعيد احتمال تجدّد هذه الحرب إلى الواجهة.

يخشى اللبنانيون ألّا يستفيد البلد من الفرصة الإقليمية الدولية التي وفّرتها تحوّلات عام 2024، ولا سيما في سوريا، لنقل لبنان إلى مرحلة جديدة

مهلة الـ60 يوماً: الانسحاب مقابل سحب السّلاح

أوساطٌ دوليّة معنيّة بتنفيذ اتفاق 27 تشرين الثاني لوقف إطلاق النار والأعمال العدائية، تعترف لـ”أساس” بأنّ مهلة الستّين يوماً هي لانسحاب إسرائيل من المنطقة الحدودية وليس لقيامها بعمليات جديدة. وعلى الرغم من أنّ الجيش الإسرائيلي أبلغ قوات الأمم المتحدة وأميركا وفرنسا، الأعضاء في لجنة مراقبة تنفيذ الاتفاق (إضافة إلى لبنان وإسرائيل)، أنّ توغّلاته مؤقّتة، تخشى هذه الأوساط، مثل لبنان، أن يصبح المؤقّت دائماً. وقد يرتدّ الأمر على الجانب الإسرائيلي لأنّه في هذه الحال سيعطي مشروعية قانونية لمقاومة احتلاله. والخشية من أن يلائم هذا الوضع إيران لأنّه يتوافق مع سرديّة استمرار المقاومة، التي ما زالت قائمة وسط مواقف القيادة الإيرانية التي تدّعي أنّها لم تخسر.

في المقابل نقلت جهات غربية تحذيراً لـ”الحزب” من إعطاء إسرائيل الذريعة لمواصلة خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، بعدما ردّ في 3 كانون الأوّل الجاري على استمرار الضربات الإسرائيلية بإطلاق صاروخ قرب موقع إسرائيلي. منذئذٍ التزم ضبط النفس لإدراكه أنّ التسبّب بتجديد الحرب سيرتدّ عليه سلباً، بعد الأضرار الكارثية التي خلّفها انخراطه في إسناد غزة. فإسرائيل حسب هذه الأوساط تتصرّف وفق مبدأ “صفر تسامح” مع “الحزب” وإيران. وحكومة بنيامين نتنياهو تريد أن تثبت للجمهور الإسرائيلي الذي انتقد اتفاق وقف النار مع “الحزب” أنّها لن تسمح له باستعادة بنيته التحتية العسكرية. وإعادة تكوين سلطة في لبنان، يمكن أن تراعي احتفاظ طهران بالقدرة على التحرّك العسكري انطلاقاً منه، ستبقى قيد المراقبة من تل أبيب وواشنطن.

أوساطٌ دوليّة لـ”أساس”: مهلة الستّين يوماً هي لانسحاب إسرائيل من المنطقة الحدودية

قدر من اللّبننة للاستحقاق؟

مع ذلك يبقي بعض الوسط السياسي على نسبة من الأمل بإمكان التقاط فرصة التحوّلات الإقليمية لانتخاب رئيس ينسجم مع المعادلة الجديدة. يستند هذا الأمل إلى أنّ هذه التحوّلات تدفع الفرقاء اللبنانيين إلى مساومات وفق العوامل الآتية:

  • صحّة الحسابات التي تأخذ في الاعتبار الخيارات الخارجية للرئاسة اللبنانية. إنّ بلورة الاتّفاق على اسم الرئيس تعطي هامشاً للقوى الداخلية، فالظروف التي كانت تفرض تأقلم سائر القوى السياسية مع اختيار “محور الممانعة” لاسم الرئيس تغيّرت وباتت لقوى المعارضة كلمة مسموعة أكثر. والدليل إقرار حلفاء المحور اللبنانيين بصرف النظر عن خيار سليمان فرنجية. بل إنّ الأخير يتصرّف على هذا الأساس، وبات يحتفظ بحرّية اختيار البديل منه مع ميله إلى قائد الجيش بعدما لم يعد ملزماً بخيار الحلفاء.
  • ما يراه البعض تشتّتاً من قوى المعارضة، بما فيها “القوّات” والتغييريون، في التوافق على اسم مع القوى الوسطيّة، بات بعض نوّابها يعتبره مناورة. لا يستعجل هؤلاء تسمية مرشّحهم، بانتظار أن يكشف قادة الممانعة أوراقهم. يميل المعارضون إلى العماد عون، ويتجنّبون تسميته لأنّ “الثنائي” سيعلن رفضه له بحجّة أنّ تبنّيه يجعله مرشّح تحدٍّ. كما يتجنّب مؤيّدو القائد تسميته لئلا يطالب الثنائي بمقابل للموافقة عليه يتعلّق برئاسة الحكومة وشكلها. وفي اعتقاد بعض المعارضين أنّهم يتركون للرئيس بري أن يستهلك أسماءً يطرحها لا تخلو من “النكهة” الإيرانية في تاريخها.

إقرأ أيضاً: هل يدعم باسيل خَصمه جعجع للرّئاسة؟

  • دعم “اللقاء الديمقراطي” علناً ترشيح العماد عون، بدل انتظار موقف حليفه برّي، شكّل إيذاناً بأنّ الوقت حان لاستعادة اللعبة السياسية الداخلية دورها في الاستحقاق. وهي اللعبة التقليدية التي تتيح ترشيح أيّ زعامة سياسية، بصرف النظر عن طائفتها، لأيّ شخصية مارونية للرئاسة وفق التحالفات المحلّية. هكذا رشّحت كتلة الوسط، التي كان يتصدّرها الرئيس الراحل صائب سلام، الراحل سليمان فرنجية الجدّ عام 1970، ودعم ترشيحه كمال جنبلاط، ففاز بالمنصب. وقبل ذلك أتت “الجبهة الاشتراكية” بكميل شمعون للرئاسة… والأمثلة التاريخية كثيرة.

لمتابعة الكاتب على X:

@ChoucairWalid

مواضيع ذات صلة

هذا هو الرّئيس!

رحم الله سجعان قزّي. أروع من رصّع صورة رئيس الجمهورية، حين وضعَ على لسان بشير الجميّل في خطاب أنطلياس الشهير في تشرين الثاني 1981، هذه…

جورج خوري: تقاطع المستعصين

صعد في الأيام الأخيرة المدير السابق للمخابرات والسفير السابق في الفاتيكان العميد جورج خوري كأحد الأسماء المرشّحة بقوّة لانتخابات الرئاسة. لم يكن في صدارتها في…

2025: ترامب العائد.. يربك أميركا والعالم

إنّه عام يشبه انتخابات أميركا الرئاسية، التي كلّ شيء فيها وارد. فقد شهد هذا العام أكبر عودة في التاريخ السياسي لرئيس بعدما وصل طالعه السياسي…

لبنان في حاجة إلى رئيس من “خارج الصندوق”

تغيّر الوضع الإقليمي ولم يتغيّر اللبنانيون بعد. ما زالت الطبقة السياسيّة ترفض أخذ العلم بالواقع الإقليمي الجديد الذي ولد من رحم “طوفان الأقصى”، وهو الهجوم…