لا تشير زحمة الموفدين الدوليّين في مرحلة الأعياد إلى قرب حصول انفراجات على مستوى الوضع جنوباً ولا على مستوى الملفّ الرئاسي. لا يزال الغموض يسيطر على هذين الملفّين، مع خلاصة أساسية قائمة على معادلة: رئيس الجمهورية، الذي قد يُنتخب في جلسة التاسع من كانون الثاني، سيُتوّج رئيساً تحت الاحتلال الإسرائيلي الجديد للجنوب.
تتقاطع كلّ المعطيات والتقارير عند احتمال بقاء القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة الستّين يوماً في 27 كانون الثاني المقبل.
بغضّ النظر عن النتائج الخطيرة لإبقاء الإسرائيلي هيمنته برّاً وجوّاً، سيتحكّم هذا الواقع بكلّ تفصيل داخلي من رئاسة الجمهورية ونزولاً، وقد يقدّم ورقة لمعارضي انتخاب قائد الجيش على قاعدة تمسّك “الحزب” والرئيس نبيه بري بواقع أنّ التمديد للعماد جوزف عون، الذي وافق عليه هذه المرّة نوّاب “الحزب” بعكس التمديد الأوّل، يخوّل قائد الجيش فقط استمراره على رأس المؤسّسة العسكرية المولجة تطبيق قرار وقف إطلاق النار، مع كامل مندرجاته، ومعالجة الخروقات المتمادية، حتى ما بعد الانسحاب الإسرائيلي وتعيين قائد جيش جديد.
زيارات من دون رئاسة
وفق المعلومات، سيشكّل الوضع الميداني في جنوب لبنان ومصير اتّفاق وقف إطلاق النار مادّة نقاش أساسية لوزيرَي الخارجية والدفاع الفرنسيَّين جان نويل بارو وسيباستيان ليكورنو، إضافة إلى الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين، مع القيادات السياسية والعسكرية في لبنان.
في المقابل، يقول مطّلعون إنّ “هذه الزيارات لا تحمل طابعاً رئاسياً، تحديداً في شأن ما يحمله هوكستين من رسائل، في الوقت الذي باتت فيه اللعبة الرئاسية أكثر من أيّ وقت مضى رهينة الفيتوات الداخلية المتبادلة، وأيضاً رهينة “خبرية طشّت” في الأوساط السياسية عن احتمال دعم جبران باسيل لرئيس حزب القوّات “اللبنانية” سمير جعجع لانتخابه رئيساً.
تتقاطع كلّ المعطيات والتقارير عند احتمال بقاء القوات الإسرائيلية في جنوب لبنان بعد انتهاء مهلة الستّين يوماً في 27 كانون الثاني المقبل
“الحزب”: لا لعون
في الأيّام الماضية، برز معطيان أساسيّان وسط الحراك الرئاسي الناشط بكلّ الاتّجاهات:
– موقف “الحزب” المتقدّم الذي عكسه قبل أيام النائب حسن فضل الله بحديثه عن رئيس “صناعة لبنانية وبإرادة لبنانية. نحن لا مانع لدينا تقديم دول خارجية العون لنا، لكن ليس بفرض شروط أو أيّ إملاءات خارجية للإتيان برئيس لن يكون، بنظرنا، إلا وفق إرادة مجلس النواب”، معلناً الاستمرار في دعم ترشيح سليمان فرنجية، “وإذا قرّر (الانسحاب) سنناقش في الأسماء الأخرى”.
هنا تؤكّد أوساط قريبة من الحزب لـ”أساس” أنّ “هذه الرسالة تستهدف بشكل مباشر قائد الجيش المرفوض انتخابه من قبل الثنائي الشيعي، فيما وصوله سيشكّل نكسة داخلية إضافية لـ”الحزب”، وتشمل رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع”.
– المعطى الداخلي الثاني يتعلّق بتسريبات تحدّثت عن احتمال دعم جبران باسيل لترشيح سمير جعجع. في هذا السياق تقول مصادر قيادية في “التيار الوطني الحرّ” لـ “أساس”: “بنهاية المطاف الرئاسي، هناك احتمال جدّي بدعم باسيل لترشيح جعجع، لكن وفق شروط وتفاهم سياسي واضح معه”.
تضيف المصادر: “لم يعد الحلف السياسي قائماً مع “الحزب”، الذي لا يزال يردّد دعم ترشيحه لفرنجية على الرغم من الانسحاب الضمنيّ للأخير، وحتى الساعة لم نتّفق مع “الحزب” على رئيس. من جهة أخرى، يريدوننا أن نمشي بخيار قائد الجيش “غصباً عنّا”، فيما الأخير “مسكّر” علينا ويُكابر بوجهنا، إضافة إلى رفضنا لأدائه. إذاً لا شيء يمنع احتمال تأييد جعجع على قاعدة صفته المسيحية التمثيلية”، مشيرة إلى أنّ “التيار لن يرشّح أيّ اسم بعينه، بل سيقول كلمته بأيّ مرشّح قد يُتّفق عليه. وإذا أعلن جعجع ترشيحه فقد ندعمه، خصوصاً أنّ هذا الأمر يساهم في وحدة الصفّ المسيحي أمام المتغيّرات في المنطقة، مع العلم أنّه ليس الشخص المناسب لوضع اليد بيده مجدّداً، كما أنّ بالإمكان الاتفاق مع جعجع على لائحة أسماء أو اسم لانتخابه رئيساً”.
وفق المعلومات، يشترط باسيل على جعجع إعلان رفضه الواضح لترشيح قائد الجيش
“التّيّار” مع البيسري
في السياق نفسه يُقدّم “التيار”، وفق معلومات “أساس”، خيار المدير العامّ للأمن العامّ اللواء البيسري على كلّ الخيارات الأخرى، مع رفضه المستمرّ لإعلان تبنّي أيّ مرشّح رسمياً كي لا يتحمّل تبعات العهد المقبل في حال فشله.
يشكّل البيسري نقطة تلاقٍ بين “الحزب” و”التيّار” والرئيس بري، لكنّه يحتاج، وفق مصادر قريبة من باسيل، إلى “دَعمة خارجية” لا تزال غير متوافرة حتى الآن، مع علمنا بأنّ الأميركيين ليس لديهم مرشّح يسوّقونه، وليس من فيتو أميركي على اللواء البيسري. وما لا يقوله رئيس “التيار” هو الآتي: إذا كلّفني قطع الطريق على جوزف عون انتخاب جعجع رئيساً، فلن أتوانى عن فعلها.
مع ذلك، ثمّة من يؤكّد بأنّ باسيل يقوم بمناورة رئاسية هدفها خلق ارتباك لدى القوات، تكون نتيجتها ابتعاد جعجع عن خيار السيّر بقائد الجيش، والتوصّل إلى تفاهم رئاسي-سياسي مع جعجع لا تكون نتيجته بالضرورة انتخاب رئيس القوات بل الإطاحة بقائد الجيش. والدليل أنّ ليس هناك نقاشات جدّية في دائرة باسيل في شأن تأييد انتخاب جعجع.
على خطّ التجاذب القوّاتي – الباسيليّ ردّ إعلام “التيار” على جعجع الذي اتّهم “باسيل ومحور الممانعة بالعمل لإسقاط قائد الجيش في الانتخابات والقيام بتهريبة رئاسية”، بالطلب منه إعلان موقفه بوضوح من ترشيح قائد الجيش، و”كيف يمكن أن نبدأ عهداً إصلاحيّاً بمخالفة الدستور” (يتطلّب انتخاب قائد الجيش تعديل الدستور).
وفق المعلومات، يشترط باسيل على جعجع إعلان رفضه الواضح لترشيح قائد الجيش على أن يُشكّل ذلك مدخلاً لبدء النقاش حول تفاهم سياسي قد يقود إلى تبنّي ترشيحه، إذ لدى باسيل حذر شديد من توفير جعجع، في اللحظة الأخيرة، الغطاء المسيحي لقائد الجيش.
إقرأ أيضاً: هل يستبدِل برّي حليفه فرنجيّة بأزعور؟
يحدث ذلك، في ظلّ عقبة أساسية، هي الرفض التلقائي لترشيح جعجع من قبل برّي و”الحزب”، أي من قبل 27 نائباً شيعياً في البرلمان، مع العلم أنّ أوساط القوّات تردّد بأنّ “قنوات التواصل مفتوحة مع الرئيس بري وباسيل معاً”. وهو الفيتو الشيعي نفسه الذي يسري على قائد الجيش.
لمتابعة الكاتب على X: