قابل مسؤولون إسرائيليون الشكاوى اللبنانية من الخروقات المتمادية لقرار وقف إطلاق النار، بسرديّة مُضلّلة حول “الانتشار البطيء للجيش اللبناني في جنوب الليطاني، بشكل مغاير لما كان متّفقاً عليه، وهو ما قد يقود إلى إبطاء انسحاب الجيش الإسرائيلي”. كما طرح مسؤولون إسرائيليون معادلة وقحة “حول احتمال بقاء الجيش الإسرائيلي بعد مهلة الـ60 يوماً بسبب هذا البطء في الانتشار”.
بدبلوماسية “ناعمة” نافرة، واجه رعاة الاتّفاق حول الآلية التنفيذية لتطبيق القرار 1701، على مدى نحو شهر، التنكيل الإسرائيلي اليومي بقرار وقف إطلاق النار، لا سيّما أنّ إسرائيل واظبت على خرق الاتفاق منذ اليوم الأوّل، ووسّعت دائرة التفجير وجرف المنازل والبساتين واستهداف المدنيين، وأوقعت شهداء، وحاصرت محيط مقرّ اجتماعات لجنة مراقبة وقف إطلاق النار في الناقورة، التي تضمّ ضبّاطاً لبنانيين وأميركيين وفرنسيين ومن الأمم المتحدة.
عقدت اللجنة الدولية المُشرِفة على تطبيق الاتّفاق منذ تأليفها اجتماعين فقط في الناقورة، في ظلّ أكثر من 800 خرق إسرائيلي للاتّفاق، كما ورد في شكوى وزارة الخارجية اللبنانية أمام مجلس الأمن، التي قُدّمت بعد 26 يوماً من الخروقات الإسرائيلية الفاضحة للاتّفاق.
اللّجنة مفَرصة!
وفق المعلومات، دخلت “اللجنة” مدار إجازة الأعياد ولن تجتمع مجدّداً حول طاولة واحدة في الناقورة قبل حلول العام الجديد، فيما تؤكّد المعطيات أنّ التواصل الهاتفي يوميّ بين أعضائها.
تجلّت الفظاعة الإسرائيلية في الاستخفاف ببنود الاتّفاق بمشهدين نافرين:
– فيما كانت الشرعية، ممثّلة برئيس الحكومة والجيش، تدخل الإثنين الماضي ساحة الخيام، للمرّة الأولى منذ توقيع الاتّفاق في 27 تشرين الثاني، كان بعض أطراف البلدة لا يزال محتلّاً، والعدوّ الإسرائيلي يواظب على استباحة القرى الحدودية، خصوصاً في الناقورة، ويُفجّر منازلها وأخرى في صور، ويقطع طريق بنت جبيل – مارون الراس بالسواتر الترابية والمكعّبات الإسمنتيّة.
حتى الآن، وفق المعلومات، لم يُقدّم الإسرائيلي إلى الأميركيين أيّ تعهّد واضح بالالتزام بالانسحاب النهائي من الجنوب
كما تعمّد العدوّ الإسرائيلي خلال وجود الوفد الحكومي – العسكري في الخيام رفع العلم الإسرائيلي على تلّة بين بلدتَي البيّاضة والناقورة في القطاع الغربي. ولم يتوقّف عن إصدار التحذيرات المتتالية لأهالي الجنوب بعدم العودة إلى مئات البلدات الجنوبية. في اليوم نفسه أيضاً أغارت القوات الإسرائيلية على منطقة الطيبة مستهدفة تجمّعاً قرب مدرسة وأوقعت شهيدين.
– على بعد ساعات من اجتماع الثلاثاء في السراي الذي دعا إليه رئيس الحكومة أعضاء “لجنة المراقبة”، وشارك فيه من الجانب اللبناني الرئيس نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون وقائد قطاع جنوب الليطاني العميد إدغار لاوندس ورئيس فرع مخابرات الجنوب العميد سهيل حرب، شنّ العدوّ الإسرائيلي فجر أمس للمرّة الأولى منذ دخول وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ، غارة على منطقة البقاع مستهدفاً، وفق معلومات “أساس” منزلاً لمسؤول في الحزب بين سهل طاريا وطليا غربي بعلبك، بالتزامن مع تحليق مكثّف للطائرات المسيّرة الإسرائيلية. لاحقاً، أطلق العنان لطائرات الرصد الإسرائيلية التي حلّقت فوق العاصمة بيروت على علوّ منخفض.
لهجة قاسية في الاجتماع
تفيد المعلومات بأنّ الاجتماع كان مقرّراً خلال زيارة رئيس الحكومة وقائد الجيش للجنوب، لكنّ تغيّب الضبّاط الممثّلين لفرنسا وأميركا، دفع رئيس الحكومة إلى دعوة أعضاء اللجنة إلى الاجتماع في السراي في اليوم التالي.
خلال اجتماع السراي كرّر رئيس الحكومة عرض حجم الخروقات الإسرائيلية الكبيرة للاتّفاق وإبلاغ الحاضرين بتقديم شكوى أمام مجلس الأمن، مع سرد مفصّل للخروقات. كما عرض الجانب العسكري اللبناني مراحل انتشار الجيش اللبناني المرتبطة أوّلاً بالتزام إسرائيل بالانسحاب وفق المتّفق عليه.
تفيد مصادر رسمية تحدّثت لـ”أساس” عن “لهجة قاسية اعتمدها الجانب اللبناني خلال الاجتماع في معرض الاعتراض على الاعتداءات الإسرائيلية بحيث يتصرّف العدوّ وكأن ليس هناك اتّفاقاً معلناً بضمانات أميركية”.
يعطي الجيش اللبناني “بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، حقّ تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة
كما برز ضغط كبير على الضبّاط، ممثّلي فرنسا وواشنطن في اللجنة، للضغط على إسرائيل للالتزام بأجندة الاتّفاق. في المقابل، برز موقف لافت لـ”الحزب” أمس على لسان النائب حسين الحاج حسن الذي أكّد أنّ “الحزب يعمل على تعزيز قدراته العسكرية والقيادية”.
لا تعهّد إسرائيليّاً بالانسحاب
قد لا تكون الخلاصة مُشجّعة. فحتى الآن، وفق المعلومات، لم يُقدّم الإسرائيلي إلى الأميركيين أيّ تعهّد واضح بالالتزام بالانسحاب النهائي من الجنوب في اليوم الأخير لمهلة الـ60 يوماً التي تنتهي في 27 كانون الثاني المقبل.
في المقابل، تفيد المعلومات بأنّه على الرغم من السردية الإسرائيلية المُضلّلة في شأن البطء في انتشار الجيش اللبناني في القطاعات الغربي والشرقي والأوسط، فإنّ الجيش، بعديده الراهن، قادر على الانتشار في كلّ مناطق الانسحاب (إذا حصل ذلك قبل الـ60 يوماً)، بمواكبة من قوات اليونيفيل، على أن يتمّ تعزيزه بعناصر إضافية بعد اكتمال التطويع، فيما يبقى التسليح رهن المرحلة المقبلة التي ستدشّن بانتخاب رئيس وتأليف حكومة وتعيين قائد جيش جديد.
مشهد معاكس
الواقع الفعليّ لمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار يُترجم بمشهد معاكس تماماً لما تمّ الاتّفاق عليه. فنصّ الاتّفاق يفرض على إسرائيل “عدم تنفيذ أيّ عمليات عسكرية هجومية ضدّ أهداف لبنانية، بما في ذلك الأهداف المدنية والعسكرية، أو أيّ أهداف أخرى تابعة للدولة، في أراضي لبنان، سواء برّاً أو جوّاً أو بحراً”. ويعطي الجيش اللبناني “بدءاً من منطقة جنوب الليطاني، حقّ تفكيك جميع البنى التحتية والمواقع العسكرية، ومصادرة جميع الأسلحة، وتفكيك المنشآت غير المصرّح بها”.
إسرائيل تضرب البقاع وتلوّح بعدم الانسحاب من جنوب الليطاني
كما ينصّ على سحب إسرائيل “قوّاتها بشكل تدريجي إلى جنوب الخطّ الأزرق، وفي الوقت ذاته ستقوم القوّات المسلّحة اللبنانية بنشر قوّاتها في المواقع المحدّدة في منطقة جنوب الليطاني، على أن لا يتجاوز ذلك 60 يوماً”.
إقرأ أيضاً: 1701 “بضاعة” منتهية الصّلاحيّة؟
حتى الآن، بالوقائع، وبعد نحو شهر من إعلان الاتّفاق انسحبت القوات الإسرائيلية فقط من بلدة الخيام. تقول مصادر سياسية لـ”أساس”: “ما يحصل يذكّر باجتياح 1982، فلبنان يُعتبر اليوم تحت الاحتلال من دون أيّ ضمانة بانسحاب العدوّ، حيث يتولّى المهامّ المفترض أن يقوم بها الجيش، لكن على طريقته بالجرف والتفجير والتدمير والقتل، في مقابل عدم إصدار بيانات رسمية لبنانية توثّق الاعتداءات الإسرائيلية اليومية. نحن بورطة كبيرة في حال لم يستدرك الأميركي هذا الواقع ويلجم الإسرائيلي ويمنعه من تنفيذ ما يُخطط له في لبنان، خصوصاً بعد مشروعه التوسّعي في الجنوب السوري”.
لمتابعة الكاتب على X: