“العقبة” تكشف عقبات المشهد السّوريّ

مدة القراءة 8 د

يليق بمدينة العقبة الأردنية الواقعة على ساحل البحر الأحمر والمشهود لها بخصوصيّاتها في استضافة وتنظيم العشرات من المؤتمرات الإقليمية والدولية ذات الطابع السياسي والأمنيّ والاقتصادي، أن تكون السبّاقة في فتح أبوابها أمام اجتماعات بهذه الأهمّية لبحث تطوّرات المشهد السوري في الأسبوعين الأخيرين. فهل تبدّد العقبة “عقبات” المشهد السوري؟

دعت المملكة الأردنية الهاشمية في نهاية الأسبوع المنصرم إلى عقد سلسلة لقاءات واجتماعات في العقبة لبحث الملفّ السوري، ومنها اجتماعات عربية تركية غربية:

  • إن على مستوى لجنة الاتّصال الوزارية العربية حول سوريا.
  • ثمّ اجتماع موسّع ضمّ 8 دول عربية وتركيا وأميركا والأمانة العامّة لجامعة الدول العربية وممثّل الاتّحاد الأوروبي وغير بيدرسون المندوب الأممي في الملفّ السوري.

هدف اللقاءات هو البحث في تطوّرات الأوضاع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول الجاري، والمساهمة في تقديم بعض التوصيات والمقترحات بشأن خارطة الطريق المحتملة حول المشهد السوري، والمساهمة في وضع تصوّر عربي إقليمي مشترك يدعم خطوات المرحلة الانتقالية في سوريا، وعروض الوقوف بجانب الشعب السوري وهو يعدّ لإنهاء مرحلة الخروج من أجواء إزاحة نظام بشار الأسد واستقبال مرحلة جديدة تساهم في إعادة بناء أسس الدولة الحديثة بمقوّماتها وركائزها السياسية والخدماتية والدستورية والأمنيّة .

لم يأخذ قائد “إدارة العمليات العسكرية” السورية أحمد الشرع بما حمله له المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن من ضرورة بناء المرحلة السياسية الانتقالية على أساس القرار الأممي 2254

نجاح “العقبة المُحايدة”

نجحت العقبة التي تعتبر مدينة استراتيجية نموذجية في تنظيم مثل هذه الاجتماعات على مدى سنوات طويلة وسط بيئة محايدة وآمنة تتيح للزعماء والممثّلين الدوليين فرصة التداول المشترك في ملفّات وقضايا إقليمية ودولية متداخلة ومتشعّبة.

لكنّها نجحت أيضاً في مهمّة جمع قيادات إقليمية فاعلة في التعامل مع الملفّ السوري حول طاولة واحدة بهدف بحث تطوّرات المشهد السوري والمرحلة الانتقالية المرتقبة وما يمكن أن تقدّمه هذه العواصم على طريق الانتقال السياسي الهادئ والآمن في سوريا الذي يأخذ بعين الاعتبار ما تقوله وتريده غالبية شرائح المجتمع السوري. الهدف هو إبعاد البلاد عن أجواء شبح العودة للاقتتال وإشعال فتن وأزمات سياسية وأمنيّة واقتصادية لا يمكن للسوري أن يتحمّلها بعد الآن.

لكنّ العديد من القيادات السياسية والأقلام السورية تساءلت: لماذا لم تعقد القمّة في دمشق نفسها، في مثل هذه الظروف التي يحتاج إليها الشعب السوري؟ وربّما تكون محقّة في طرح مثل هذا التساؤل .

انتهى نظام بشار الأسد، والمعارضة انتقلت إلى تسلّم السلطة. إنّه طرح سياسي وتقنيّ وقانوني معقول

الشّرع يريد تغيير القرار 2254

لم يأخذ قائد “إدارة العمليات العسكرية” السورية أحمد الشرع بما حمله له المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسن من ضرورة بناء المرحلة السياسية الانتقالية على أساس القرار الأممي 2254 .

يقول إنّ التطوّرات السياسية الأخيرة تفرض الحاجة إلى تحديث القرار ليواكب الواقع السياسي الجديد. لكنّه يتّفق مع بيدرسون على أهمّية التعاون السريع والفعّال لمعالجة قضايا السوريين، وضرورة التركيز على وحدة أراضي سوريا، وإعادة الإعمار، وتحقيق التنمية الاقتصادية .

لكنّ الرأي السوري الآخر المتباعد مع ما يقوله الشرع جاء على لسان رئيس هيئة التفاوض السورية بدر جاموس الذي أعلن أنّ القرار الدولي 2254 لا يزال يمثّل الإطار الأمثل للوصول إلى تحقيق أهداف الثورة: “غياب النظام البائد لا يُلغي القرار، إذ إنّ الأهداف التي بُني عليها لم تتحقّق بعد”.

إذاً هناك تباعد في المواقف ليس فقط بين طروحات العقبة وبين “هيئة تحرير الشام ” حول موقع ودور القرار الأممي المعلن قبل 9 سنوات… بل بين السوريين أنفسهم كما يبدو بشأن قبول القرار الأممي كخارطة طريق سياسية يبنى عليها في الإعداد للمرحلة الجديدة .

التّعارض بين الشّرع وزوّار العقبة

انتهى نظام بشار الأسد، والمعارضة انتقلت إلى تسلّم السلطة. إنّه طرح سياسي وتقنيّ وقانوني معقول. لكنّ المشكلة التي ظهرت إلى العلن هي اعتراض قيادات سياسية عديدة على غياب القوى السورية الجديدة عن العقبة وتجاهل بيانات القمّة للمتغيّرات السياسية في سوريا، كما يرى بعض السوريين، وبينها دعوات ومطالب لعقد مؤتمر وطني شامل يمثّل جميع مكوّنات المجتمع السوري ويعمل على تشكيل لجنة تأسيسية تضمّ خبراء وقانونيين لصياغة دستور جديد يُطرح للاستفتاء الشعبي.

التعامل بجدّية مع ما يقوله الجانب السوري حول قبول المتغيّرات الحاصلة في المشهد السوري مهمّ طبعاً. لكنّ إيصال الأمور إلى درجة الحديث عن محاولة الالتفاف على مكتسبات الثورة وإنجازات الشعب السوري الأخيرة، لا يلتقي مع طروحات المشاركين في اجتماع العقبة ونواياهم للوقوف بجانب الشعب السوري في هذه الظروف الصعبة، وتغييب أو تجاهل قدراتهم السياسية والاقتصادية في تسهيل المرحلة الانتقالية بأقلّ الخسائر والأضرار.

من سيدعم سوريا؟

من الذي يستطيع دعم الشعب السوري في هذه الظروف الاستثنائية التي يعيشها والتي لم يبدأ فيها النقاش السوري الحقيقي في شكل مقوّمات الدولة الجديدة؟ وهل تفرّط القيادات السورية بفرصة التقاء أكثر من لاعب إقليمي ودولي حول طاولة واحدة خلال فترة زمنية قصيرة بهدف الوقوف إلى جانب سوريا؟

وسط هذه الأجواء، كيف يمكن تسهيل انتقال سياسي وأمنيّ ودستوري واقتصادي سلس تشارك الأمم المتحدة والجامعة العربية والعواصم الغربية وتركيا في صناعته؟

الكلام عن تحويل منصّة العقبة الإقليمية إلى مشروع وصاية تقوده الأمم المتحدة على السوريين فيه الكثير من المبالغة. ورفض خطوة العقبة أو الابتعاد عنها أو محاولة عرقلة الكثير ممّا تستطيع أن تقدّمه لسوريا والسوريين يحمل معه ضرورة طرح البدائل والوصول إلى إجابات حول هذه البدائل وما يمكن تحقيقه. ومن الذي سيقود عملية انتقالية تلبّي طموحات الشعب السوري وتضمن إعادة بناء مؤسّسات الدولة وتحفظ وحدة سوريا وسلامتها وسيادتها وأمنها واستقرارها وحقوق جميع مواطنيها بعيداً عن هذا الغطاء الإقليمي والدولي؟

صحيح أنّ القرار 2254 يؤكّد أنّ “الشعب السوري هو من يحدّد مستقبل بلاده، وهو الذي يدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أمميّة”، لكنّ اجتماع العقبة بالمقابل هو الأقوى في تفعيل وترجمة بنود هذا القرار، وتسهيل ولادة مرحلة انتقالية سلمية تجمع كلّ القوى السياسية والاجتماعية بدعم عربي وأممي هذه المرّة .

ماذا عن التّربّص الرّوسيّ – الإيرانيّ – الصّينيّ؟

صحيح أيضاً أنّ هناك من ينتظر من “هيئة تحرير الشام” أن تترجم أقوالها إلى أفعال في ما يتعلّق بإدارة عمليات التحوّل الانتقالي وتحقيق أوسع مشاركة سورية. لكنّ الصحيح أيضاً هو استمرار حالة السير في المجهول في ما يتّصل بسياسات ومواقف “قوات سوريا الديمقراطية” المدعومة أميركيّاً، التي ما زالت تسيطر على جزء كبير من الأراضي السورية حيث الزراعة والطاقة.

لكنّ الصحيح البعيد عن أيّ نقاش هو التربّص الروسي الإيراني الصيني لاستغلال فرصة الانقضاض نتيجة تهميش دورهم بعد إزاحة الأسد. ولن يكون أيُّ تراجع في الانسجام الإقليمي والدولي الحاصل اليوم، في مصلحة السوريين، ولن يساهم في تبديد عقبات سياسية كثيرة قد تظهر إلى العلن.  فهل غياب موسكو وطهران وبكين عن اجتماعات العقبة هو ما يزعج البعض؟

قد يكون بين أهداف اجتماع العقبة على هذا النحو العاجل الاستفادة من ضعف وتراجع الدورين الروسي والإيراني في سوريا. لكنّ التفريط بما تطرحه بيانات العقبة على السوريين قد يطيل عمر الأزمة ويعقّد الأمور أكثر في الداخل. هذا إذا لم نشَأْ الحديث عن سيناريو أزمة اصطفافات إقليمية ودولية تطيح بكلّ الجهود المبذولة من الخارج لتسريع الحلحلة في سوريا .

يتخوّف البعض في سوريا من احتمال فرض وصاية جديدة على السوريين. لكنّ وجود اللاعب العربي والتركي والغربي حول طاولة واحدة تقترح المساهمة وتقدّم التوصيات والمشورة، خطوة لا يمكن التفريط بها لأنّها لا تحدث كلّ يوم.

طرح تعديل بنود وموادّ القرار 2254 أو رفضه بالكامل نتيجة المتغيّرات السياسية من حقّ السوريين الذين يقرؤون مسار الأمور بشكل مغاير. لكنّ منصّة مجلس الأمن الدولي لن تعطيهم ما يريدون، خصوصاً أنّ موسكو وبكين لن تتردّدا في استخدام بطاقتهما الحمراء (حقّ الفيتو في مجلس الأمن) للانتقام من إبعادهما وتهميش دورهما في سوريا .

مواضيع ذات صلة

إيران “تصدّر” أوهامها إلى الحزب..

ما يدعو إلى القلق والخوف على لبنان قول نعيم قاسم الأمين العامّ الجديد لـ”الحزب” في خطابه الأخير إنّ “خسارة طريق الإمداد عبر سوريا مجرّد تفصيل”….

سرديّة جديدة: سلاح “الحزب” للحماية من مخالفات السّير؟

.. “عفكرة توقيف سحر غدار هو عيّنة كتير صغيرة، شو رح يصير فينا كشيعة إذا سلّمنا سلاحنا. طول ما سلاحك معك هو الوحيد يلّي بيحميك….

نخبة إسرائيل: خطاب نعيم قاسم “خالٍ من الاستراتيجية”

منذ تعيينه أميناً عامّاً لـ”الحزب” بعد اغتيال سلفه نصرالله، وخليفته السيّد هاشم صفيّ الدين، سيطر الإرباك على خطب الشيخ نعيم قاسم، فتارة حاول تبرير حرب…

سوريا: حصان الاقتصاد الجديد في الشّرق؟

“إنّه ذكيّ جدّاً (إردوغان). لقد أرادوها (أراد الأتراك سوريا) لآلاف السنين، وقد حازها، وهؤلاء الناس الذين دخلوا (دمشق) تتحكّم بهم تركيا، ولا بأس في ذلك”….