يُختصر “سؤال المليون” الذي يشغل الكتل النيابية بـ: هل تأتي جلسة 9 كانون الثاني برئيس للجمهورية بعد أكثر من سنتين على الشغور؟ أم هي مرشّحة لمزيد من التأجيل؟
على الرغم من أنّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي وعد أكثر من مرّة بأن يدعو فور وقف إطلاق النار إلى عقد جلسة انتخابية، إلا أنّ تحديده للموعد قد باغت الكثيرين، وتحديداً الكتل النيابية المعارضة التي فوجئت بمحدوديّة المهلة المتاحة لتجهيز صفوفها ومواجهة الاستحقاق… وهو ما قد يدفعها إلى طلب تأجيل الجلسة، كما تقول المعلومات، في حال لم تتمكّن من توحيد صفوفها، وترشيحاتها، للوقوف أمام الصندوق الخشبي في الجلسة لـ13 الانتخابية.
بعد أكثر من أسبوع على إعلان الرئيس بري، لا تزال صورة الاستحقاق الرئاسي ضبابية لأنّ الكتل النيابية، لا سيما المعارِضة، عاجزة عن فكّ شيفرة عين التينة للغوص في أعماق ذهن رئيس المجلس: هل هو جادّ في البحث عن “توافق على رئيس مقبول من أوسع مروحة نيابية ممكنة”؟ أم هي مجرّد مناورة من جانبه ليلقي كرة التعطيل عند الآخرين؟ وهل من مصلحة لتهريب الرئاسة تحت عنوان لبننتها من دون توفير غطاء دولي لها؟
بعد أكثر من أسبوع على إعلان الرئيس بري، لا تزال صورة الاستحقاق الرئاسي ضبابية لأنّ الكتل النيابية، لا سيما المعارِضة، عاجزة عن فكّ شيفرة عين التينة
آخر المعطيات الرّئاسيّة
في محاولة للإجابة على هذه التساؤلات، لا بدّ من استعراض آخر المعطيات:
– يُنقل عن الرئيس بري أنّه مصمّم على انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة المقبلة. ولهذا سيباشر خلال الأيام المقبلة سلسلة مشاورات، مباشرة وغير مباشرة، مع الكتل النيابية، منها “تكتّل لبنان القوي”، و”كتلة الجمهورية القوية”، “اللقاء الديمقراطي”، “كتلة الاعتدال الوطني”… في سبيل البحث عن تقاطع يأتي برئيس في الجلسة.
أمّا في حال انقضت المهلة الفاصلة، ولم يولد التوافق المنشود، فسيتسلّح برّي بترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لخوض المعركة الانتخابية تحت عنوان التنافس الديمقراطي.
في المقابل، تسود الريبة في أوساط الكتل المعارضة ممّا يحضّر له رئيس المجلس. في كواليسها كلام عن سعي جدّيّ يقوده الرئيس برّي لانتخاب مدير المخابرات السابق وسفير لبنان سابقاً في الفاتيكان العميد المتقاعد جورج خوري رئيساً للجمهورية، وذلك في تقاطع مع بعض الكتل النيابية، وأبرزها “تكتل لبنان القوي” المؤيّد لهذا الترشيح.
وفق معارضين، فإنّ جلسة التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون، التي حملت، على غفلة، تمديداً لكلّ الضبّاط من رتبة عميد، بشكل لم يَرُق لقائد الجيش، كانت بمنزلة إشارة معيّنة إلى قدرة رئيس المجلس جمع 65 صوتاً لمرشّح رئاسي يزكّيه.
يُنقل عن الرئيس بري أنّه مصمّم على انتخاب رئيس للجمهورية في الجلسة المقبلة. ولهذا سيباشر خلال الأيام المقبلة سلسلة مشاورات، مباشرة وغير مباشرة
المعارضة: لا Plan B
– في الموازاة، لا يزال التخبّط يعيق حركة الكتل المعارضة. صحيح أنّها ستكثّف مشاوراتها ولقاءاتها خلال الأسبوع المقبل، لكنّها تواجه تحدّي التفاهم على مرشّح أو أكثر (لم تتمكّن حتى الآن من إعداد لائحة مرشّحين)، وتحدّي الاتّفاق على خطّة عمل تنقذ المعارضة من فخّ تعتقد أنّ الفريق الآخر يعدّه لها. يعني عملياً أنّه حتى هذه اللحظة لم تعدّ المعارضة Plan B لمعركتها، ولا جهّزت مرشّحها.
بناء عليه، قد تلجأ بعض الكتل النيابية المعارضة إلى الطلب من رئيس المجلس تأجيل موعد الانتخابات الرئاسية لأسبوع أو أسبوعين، على أبعد تقدير، في حال لم تتمكّن من رصّ صفوفها وترشيحاتها التي لا تزال مبعثرة، خصوصاً أنّ خيار المقاطعة بات مستبعداً وتفضّل كلّ الكتل النيابية عدم تجرّع كأسه.
– يحرص الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط على التمايز في مقاربته الرئاسية، خصوصاً أنّه غير متحمّس لخيار جورج خوري. وهو لذلك يسعى إلى تفعيل خطوط التواصل مع “القوات” بحثاً عن خيارات أكثر توافقية. مع العلم أنّ جنبلاط يؤكّد في مجالسه أنّه ينأى بنفسه عن “صناعة” الترشيحات لأنّه يفضّل ضمان أن يحظى الرئيس المقبل بغطاء عربي ودولي للخروج من الأزمة الخانقة والعزلة العربية.
– لا يزال كلام مستشار الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب للشؤون العربية والشرق الأوسط مسعد بولس موضع متابعة وتدقيق مفصّل من جانب الكتل النيابية. فهو قال إنّ “من صبر أكثر من سنتين على الفراغ، يمكن أن يصبر شهرين أو ثلاثة ويعمل على الأمر بشكل متكامل ودقيق بعيداً عن التسرّع”. والأسئلة التي تُطرح كثيرة: هل يعبّر صراحة عن موقف إدارته؟ أم هو الانخراط من جانبه على الطريقة اللبنانية، خصوصاً أنّ الرجل متحمّس للعب دور محلّيّ؟
تسعى باريس إلى إنضاج الرئاسة من خلال مرشّحها سمير عساف على قاعدة تقديمه كمرشّح توافقي
وفق لبنانيين سألوا بولس عن حقيقة موقفه القاضي بالانتظار شهرين أو ثلاثة أشهر لإتمام الاستحقاق، فإنّ مستشار ترامب يحاكي المعارضة اللبنانية بهذا الكلام، بمعنى أنّه إذا كانت مستعدّة لجلسة 9 كانون الثاني لإيصال مرشّح يناسب رؤيتها ومقبول دولياً، فلتكن الجلسة في موعدها. لكن في حال كانت عاجزة عن إتمام هذه المهمّة، فلا داعي حينها للاستعجال، خصوصاً أنّ الإدارة الأميركية تفضّل انتخاب رئيس وتأليف حكومة غير محسوبين على “الحزب”. لهذا لا بدّ من التأنّي في إنجاز الاستحقاق، كما يقول هؤلاء.
إقرأ أيضاً: برّي: لن نعدّل الدّستور من أجل أحد
– تسعى باريس إلى إنضاج الرئاسة من خلال مرشّحها سمير عساف على قاعدة تقديمه كمرشّح توافقي. لكن يبدو أنّ ثمّة ممانعة داخلية لهذا الترشيح من جانب “الثنائي” ومن جانب بعض أطراف المعارضة.
في الخلاصة، يمكن الاستنتاج أنّ جلسة 9 كانون الثاني جديّة. لكنّ ظروفها لم تنضج بعد، وتحتاج إلى أسبوع لكي تتوضّح صورتها أكثر. ولا يبدو، حتى اللحظة، أنّ أيّ مرشّح قادر على نيل 65 صوتاً.
لمتابعة الكاتب على X: