لا تنخدعوا “بفائض الضّعف” كما خُدعتم “بفائض القوّة”

مدة القراءة 5 د

يقول دبلوماسي عربي في مجلس خاصّ: “خدع “الحزب” اللبنانيين وخدع نفسه وجمهوره بمقولة فائض القوّة. على اللبنانيين اليوم عدم خداع أنفسهم بالمراهنة على فائض الضعف عند “الحزب” بفعل تداعيات الحرب الإسرائيلية”.

 

يُخطىء اللبنانيون عندما لا يقرأون جيّداً أو يتجاهلون مسار العلاقات السعودية الإيرانية، وما طرأ عليها منذ توقيع اتفاق بكين في العاشر من شهر آذار 2023 وصولاً إلى يومنا الحالي، مع إعادة التأكيد السعودي – الإيراني بحضور الصين في اجتماع اللجنة الثلاثية في الرياض في 19 تشرين الثاني الجاري على التزامهما تنفيذ اتفاق بكين بكلّ بنوده.

عند توقيع اتفاق بكين ساد “صمت الصدمة” على كلّ الأفرقاء اللبنانيين يميناً ويساراً، ممانعة ومناوئي الممانعة. كلّ طرف بدأ يلملم أفكاره ومواقفه، ولسان حالهم سؤال واحد: أين لبنان من هذا الاتفاق؟

تشهد العلاقات السعودية – الإيرانية أفضل أوقاتها منذ أيام الرئيس الأسبق محمد خاتمي. ما زالت الأمور في مرحلة النوايا والتعهّدات اللفظية والمكتوبة، بانتظار أن تبلغ مرحلة الأفعال التي تبدأ في حقل الدرّة النفطي كما يشير مصدر دبلوماسي أنّ بروز موقف إيجابي من إيران تجاه هذا الملف مؤشّر أساس على سلوك إيران استراتيجية المصالحة في المنطقة العربية. مرحلة تتواصل في اليمن أيضاً، وصولاً إلى سوريا ولبنان في السعي إلى إعادة الحياة إلى هذين البلدين العربيَّين، عبر إعادة انتظام عمل المؤسّسات والوفاق الوطني. تعتمد السعودية في علاقتها مع إيران منطق الاحتواء الاستراتيجي.

ثبات الموقف السّعوديّ

لم يتبدّل الموقف السعودي من الملفّ اللبناني. هو ثابت بتفاصيله وأدواته، مستنداً إلى ثلاث نقاط أكّدها وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته بافتتاح القمّة العربية – الإسلامية غير الاعتيادية التي استضافتها الرياض في 11 تشرين الثاني الجاري:

1- رفض تهديد أمن لبنان واستقراره وانتهاك سلامته الإقليمية وتهجير مواطنيه.

2- المحافظة على سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها وقرارها المستقلّ من دون أيّ تدخّل خارجي.

أكّد عدد من سفراء الدول الغربية المعنيّة بالملفّ الرئاسي في عدّة مجالس أنّ السعودية أصابت في منطق التعاطي مع ملفّ الرئاسة اللبنانية

3- تطبيق إصلاحات تسمح للدول الشقيقة والصديقة للبنان بالمشاركة في دعم اقتصاده للخروج من أزمته النقدية والاقتصادية.

أهميّة ثبات الموقف السعودي من لبنان أنّه لا يأتي ردّة فعل على أحداث متلاحقة وتطوّرات مفاجئة بقدر ما يأتي على شكل فعل صريح من أجل نقل لبنان من حالة الضياع إلى واقع الاستقرار والأمان.

على خلفيّة ذلك تنظر المملكة العربية السعودية إلى التطوّرات والنتائج الحاصلة بفعل الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، من زاوية ضرورة الاحتواء للحفاظ على الوفاق الوطني ومنع الفتنة الطائفية عبر انتظام القوى السياسية بخطابها تحت سقف الاحتواء بعيداً عن أفكار التشفّي والانتقام ومعادلة غالب ومغلوب.

تسعى المملكة إلى دفع الأفرقاء اللبنانيين باتجاه المستقبل وليس الماضي، بروحيّة إعادة تكوين السلطة عبر استنهاض مؤسّسات الدولة وتكريس الصلاحيّات الدستورية لهذه المؤسّسات، والالتزام بتطبيق اتّفاق الطائف كاملاً، ويبدأ ذلك بالشروع في انتخاب رئيس للجمهورية فور وقف إطلاق النار.

أصابت السّعوديّة

أكّد عدد من سفراء الدول الغربية المعنيّة بالملفّ الرئاسي في عدّة مجالس أنّ السعودية أصابت في منطق التعاطي مع ملفّ الرئاسة اللبنانية ورفضها الدخول بلعبة الأسماء لأنّها محرقة للجميع.

السعودية

اسم الرئيس العتيد تحدّده الأولويّات التي يعبّر عنها اللبنانيون ويحدّدونها لأنفسهم للسنوات الستّ المقبلة. هذا التعبير هو مسؤولية جماعية لبنانية تبدأ بالنوّاب المولجين انتخاب الرئيس، ثمّ أصحاب الرأي من إعلام وشخصيات مؤثّرة. إنّ الأولويّات التي يجمع عليها اللبنانيون هي التي تبلور اسم الرئيس المقبل للجمهورية وتدفع الدول المؤثّرة إلى الالتزام بهذا الاسم.

ما هي أولويّات اللّبنانيّين؟

اللبنانيون مطالبون بتحديد أولويّاتهم للسنوات الستّ المقبلة. هل هي أولوية أمنيّة تتعلّق بالحدود البرّية الجنوبية والشرقية ومنع الانتهاكات والاعتداءات، وهو أمر كما يظهر من سياق الأحداث تقوم به دول كبرى من الولايات المتحدة الاميركية وضماناتها لإسرائيل وصولاً إلى روسيا ونفوذها في الداخل السوري؟ أم الأولوية عند اللبنانيين هي أولوية اقتصادية تتعلّق بأربع نقاط:

 تعتمد السعودية في علاقتها مع إيران منطق الاحتواء الاستراتيجي

1- إعادة الإعمار لإعادة النازحين إلى منازلهم عبر توفير المال المطلوب والرؤية الواضحة الشفّافة.

2- إعادة الناس إلى أعمالهم بعد الدمار المهول الذي أصاب عشرات الأسواق في الضاحية والجنوب.

3- الانطلاق بورشة إصلاحات تعيد بناء الثقة في الداخل والخارج.

4- وضع رؤية اقتصادية إنقاذية تعالج ديون الدولة من جهة، وحقوق المواطنين في المصارف من جهة أخرى؟

أم هي أولوية سياسية تستند إلى أمرين:

1- إطلاق حوار وطني يناقش الاستراتيجية الدفاعية لوضع نقطة أخيرة على مسألة السلاح خارج سلطة الدولة.

2- وضع قانون جديد للانتخابات وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها لإعادة إنتاج السلطة؟

إقرأ أيضاً: الاجتياح السّياسيّ بديلاً للاجتياح العسكريّ

عبر هذه الأولويات الثلاث المطلوب من اللبنانيين بلورتها والتوافق عليها، يمكن رسم صورة الرئيس المقبل للجمهورية، والمواصفات التي يجب أن يتحلّى بها ليؤدّي المهمّة المطلوبة منه والسير بالأولويات المتّفق عليها. إن كانت أمنيّة فالمطلوب عسكري متقاعد أو على أبواب التقاعد، وإن كانت اقتصادية فالحاجة إلى رجل اقتصاد ومال. أمّا إن كانت سياسية فالحاجة إلى سياسي قادر على أن يجمع الأفرقاء.

 

لمتابعة الكاتب على X:

@ziaditani23

مواضيع ذات صلة

اليوم التّالي لـ”الحزب”: تعايش السّلاح مع الرّقابة الأميركيّة؟

ستّون يوماً ستحدّد وجه لبنان لعشرين سنة مقبلة. وما سيحدث (فيها) خلالها سيكون أكثر تعقيداً ومشقّة من أن تحسم أمره بنود الاتّفاق الذي أنجزه المفاوض…

إيران تتعظ… وتتراجع تكتيكياً

يتراءى للبعض أنّ رياح تغيير الأسلوب الإيراني بدأت تعصف في طهران مع السماح بوصول مسعود بزشكيان للرئاسة، ليتوطّد هذا النهج بعد فوز دونالد ترامب بولاية…

الحروب ليست حلّاً…  

عالم الحروب اليوم أعمق وأخطر، وقد وصل إلى قلب أوروبا بهجمة روسيا على أوكرانيا عام 2022 التي استمرّت حتى اليوم. وكأنّما كانت إسرائيل تنتظر مسوِّغاً…

“الحزب” يتموضع مسبقاً شمال اللّيطاني؟

يتحضّر “الحزب” لـ”اليوم التالي” للحرب. لا يبدو أنّ بقيّة لبنان قد أعدّ عدّة واضحة لهذا اليوم. يصعب التعويل على ما يصدر عن حكومة تصريف الأعمال…