كانت غزة قبل الانقلاب وبعده، وقبل الحرب مكاناً نموذجياً لحركة حماس.
كان يكفي أي قائد من قادتها اتصال هاتفي مع المخابرات المصرية لتنسيق دخوله أو مغادرته، كان ذلك إجراءً روتينياً مكّن قادة حماس من الإقامة المفتوحة أو المحدودة في غزة، وكانوا يشاركون في فعاليات واحتفالات ومناسبات.
كان معبر رفح بمثابة الممر الآمن للدخول والخروج، ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل كانت حماس تستقبل حلفائها وضيوفها حتى لو كانوا من النوع غير المرضي عنه لدى دولهم بما في ذلك مصر، فمن لا يدخل بتنسيق من المعبر، فبوسعه الدخول من شبكة الأنفاق التي بلغت من السعة حد دخول سيارات منها.
كانت علاقة حماس بغزة ومعابرها وأنفاقها تحتاج إلى حماية سياسية توفر لها ما يتوفر لغيرها من الفصائل الفلسطينية المنضوية داخل إطارات منظمة التحرير، كان الأمر يتطلب جملة من كلمات قليلة “نلتزم بما التزمت به منظمة التحرير” وذلك يعني أن ما يجري عليها يجري على حماس، ليدخل الجميع إلى وحدة سياسية وإدارية ينتهي من خلالها الانقسام، ويتخلص الفلسطينيون من الوضع الشاذ الذي آلوا إليه، حيث نظامان وبرنامجان وأجندتان، بينما هم جميعاً تحت احتلال في الضفة وحصارٍ في غزة.
والآن.. تنهض حكاية أين المكان الذي تستطيع حماس أن تمارس منه عملها، بعد أن صار الملاذ الغزي مستحيلاً.
دولة قطر الشقيقة، لم تقصّر في دعم حماس وتزويدها بما يلزم من مال وأمن وإعلام، وكان منطقياً أن لا يطمئن قادة حماس الذين يعيشون في ظل الضيافة القطرية السخية، إلى أن الأمور ستظل على حالها، ومنذ مدة كثر الحديث عن أن الدولة القطرية سوف توقف الضيافة وأن البحث جارٍ عن مكانٍ بديل.
حتى الآن.. لا أحد متأكد من أن الدولة القطرية طلبت من قيادة حماس المغادرة إلى مكان آخر، أو أن بلداً ما أظهر استعداداً لاستقبال القادة وتوفير ما يحتاجون من أمن وحرية عمل مثل تركيا وإيران، وربما العراق واليمن، إلا أن أزمة المكان تظل قائمة والخيارات بعد الضيافة القطرية تظل محدودة ومقيدة، ومع كل البطولات التي ظهرت في أطول حرب وقعت على الفلسطينيين، إلا أن حقيقة وحيدة ربما تجسّد المخرج من أزمة المكان.. هي البيت الفلسطيني، الذي يجسّد الحماية للجميع إذا ما التزموا بدقة وبلا قيد أو شرط بالمنظمة وما التزمت به وما ستلتزم، ذلك لا يفتح أبواب غزة لقيادة حماس، ولكنه يفضي إلى ما هو أهم، وهو فتح الأبواب لوحدة وطنية تصلح لأن تكون من خلال شرعية منظمة التحرير حاضنة الجميع.
*نقلاً عن موقع مسار