حكاية دقدوق: من السّجن في العراق إلى الاغتيال في دمشق! (1/2)

مدة القراءة 7 د

منذ أن افتتحَت إسرائيل سلسلة اغتيالات القيادات العسكريّة للحزبِ في شهرَيْ حزيْران وتمّوز الماضيَيْن باغتيال قائد “قوّة الرّضوان” في جنوب لبنان وسام الطّويل وبعده قائد وحدة “نصر” طالب سامي عبدالله (أبو طالب) وقائد وحدة “عزيز” محمّد نعمة ناصر (أبو نعمة) وصولاً إلى القائد العسكريّ الأعلى فؤاد شكر (السّيد محسن) وقائد “قوّة الرّضوان” ومسؤول العمليّات إبراهيم عقيل (الحاج عبد القادر)، كانت إسرائيل تُعلن صراحةً أنّ هدف عمليّاتها الحقيقي هو ضربُ “المجلس الجهاديّ” للحزبِ وتفريغه من القيادات التّاريخيّة بشكلٍ كامل.

قبلَ 3 أيّام أعلنت تل أبيب اغتيال مسؤول ملفّ الجولان في الحزب علي موسى دقدوق في غارة على ريف دمشق. وكان دقدوق لعب دوراً أساسيّاً في إنشاء المجموعات الموالية لإيران في العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين. كما تشيرُ معلومات “أساس” إلى أنّ تل أبيب تُلاحقُ وتنتظر الفرصة لاغتيال القياديّ الفلسطينيّ في الحزبِ قيس عبيد الذي يُعتبر أحد أهمّ القياديين ومن أقرب المستشارين إلى الأمين العامّ الرّاحل حسن نصرالله.

في هذه الحلقة سنروي حكاية القياديّ علي موسى دقدوق، على أن تكونَ الحلقة الثّانية عن القياديّ قيس عبيد.

 

من هو علي موسى دقدوق؟

يعيشُ المسؤولون العسكريّون في الحزبِ حياةً بعيدة عن الاختلاط بالنّاس وبأسماءٍ مُستعارة في كثير من الأحيان. ومن الطّبيعي أن لا تكونَ أسماؤهم متداولةً على ألسنة العامّة، ولا حتّى صورهم. لكنّ بعضَ الأسماء خرجت إلى العلن بعدما صنّفت الولايات المُتحدة القياديين فؤاد شُكر وإبراهيم عقيل وطلال حميّة “إرهابيين عالميين” ورصدَت مكافآت تراوح بين 5 و10 ملايين دولار لمن يُدلي بمعلومات تؤدّي إلى اعتقالهم أو حتّى اغتيالهم.

لكنّ اسمَيْ علي موسى دقدوق وقيس عبيد ليسَا من الأسماء المُتداولة على نطاقٍ واسع في الإعلام أو لدى العامّة. في الوقت نفسه يتردّدان على ألسنة العارفين بتركيبة الحزب.

قدّم المالكيّ ضمانات للأميركيين بأنّ دقدوق سيُحاكم في العراق، وأنّه لن ينخرطَ مستقبلاً بأيّ عملٍ عسكريّ في بلاد الرافديْن

سقوط العراق وتسليح بعض المجموعات

بعد سقوط نظام صدّام حسين في ربيع عام 2003، كانت إيران أكبر المُستفيدين من سقوط نظام البعث. إذ أتاحَ لها سقوط صدّام فرصتيْن:

الأولى: أن تتغلغل في دُول المشرق العربيّ لتمرير مشروعها السّياسيّ – الدّينيّ، بعدما كان العراق العقبة الأساسيّة أمام تمدّد مشروعها وإنشاء الهلال الشّيعي من لبنان إلى طهران مروراً بسوريا والعراق.

الثّانية: كانت الوجود العسكريّ الأميركيّ على أراضي بلاد الرّافديْن. وهذا ما استغلّته إيران لتدريب وتسليح مجموعات وفصائل مسلّحة لمهاجمة الأميركيين لغرض التفاوض، وأيضاً لتمكين هذه الجماعات من الوصول إلى السّلطة والإمساك بزمام الأمور في العراق إفساحاً في المجال لمرور مشروعها تحت مُسمّى “مقاومة الاحتلال الأميركيّ”.

اللّجوء إلى الحزب

كانَت النّواة الأساسيّة لهذه المجموعات تفتقر إلى الخبرة العسكرية والأمنيّة الكافية للتأسيس والبدء بتنفيذ ما تريده إيران. ومن الطبيعي أن تلجأ طهران إلى أقوى أذرعها في المنطقة، أي الحزب، للاستفادة من خبرة قياديّيه ومن استسهال العراقيين التعاطي والتواصل مع مسؤولي الحزب أكثر من غيرهم من حلفاء إيران.

أوفدَ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ القياديّ في الحزبِ علي موسى دقدوق إلى العراق عام 2005. وكانَت مهمّته الأساسيّة إنشاء مجموعات شيعيّة لقتال القوات الأميركيّة بدلاً من “جيش المهدي”، الجناح العسكريّ للتيّار الصّدري بقيادة مقتدى الصّدر. إذ لم يكن الحرس الثوريّ ينظر إلى الصّدر كحليف ثابت، نظراً للحيثيّة التي يملكها آل الصّدر في العراق، والتي تتيح لهم أن يعملوا بهامش واسع من دون إيران أو حتّى لمعارضتها.

عملَ علي دقدوق في العراق تحتَ أسماء متعدّدة منها حسين محمد جابر الموسوي، حامد محمود جبر اللامي، الحاج ساجد، وأبو حسين. تركّزت مهمّته على إنشاء مجموعة “عصائب أهل الحقّ” بقيادة الصّدريّ السّابق الشيخ قيس الخزعليّ. إذ أرادت إيران أن يكونَ قائد المجموعة العراقية من الصدريّين لحشد المقاتلين الذين كان قسمٌ كبير منهم تدرّب على أيدي ضبّاط حرس الثّورة الإيرانيّة.

أعلنَ الأميركيّون بشكلٍ رسميّ أنّهم ألقوا القبضَ على عنصرٍ في الحزبِ هو علي موسى دقدوق، وذلكَ عبر مؤتمرٍ صحافيّ في تمّوز 2007

بدأت “العصائب” بتنفيذ، بإشراف دقدوق، عمليّات تستهدف القوات الأميركيّة في بغداد وجنوب العراق، كانَ أكثرها بعبوات ناسفة كالتي كانَ يستعملها الحزبُ في لبنان في الفترة التي سبقت التحرير عام 2000.

عمليّة كربلاء

كانت أبرز العمليّات التي نفّذتها العصائب وشاركَ فيها دقدوق شخصيّاً عمليّة “اقتحام مجلس محافظة كربلاء” في شهر كانون الثّاني 2007. أسفرَت العمليّة عن مقتل 5 جنود أميركيين وإصابة 3 بجروح. واعتبرَ الأميركيّون هذه العمليّة بأنّها “الأكثر جرأة وتطوّراً في سنوات الحرب في العراق”، بحسب “لونغ وور جورنال” الأميركيّ المتخصّص بدراسة الجماعات “الجهاديّة”.

علي موسى دقدوق

بعد العمليّة بـ3 أشهر، وتحديداً في شهر آذار 2007، ألقَت القوّات الأميركيّة القبض على علي موسى دقدوق وقيس الخزعلي وشقيقه ليث في مدينة البصرة جنوبي العراق. لم يكن استجواب دقدوق من قبل الاستخبارات المركزيّة (CIA) سهلاً. إذ ادّعى لأسابيع طويلة أنّه من الصّمّ والبُكمِ. وبالتحقيق معه اكتشفَ الأميركيّون مسؤوليّته عن تدريب “عصائب أهل الحقّ” وضلوعه في عمليّة كربلاء.

بعد ذلك، أعلنَ الأميركيّون بشكلٍ رسميّ أنّهم ألقوا القبضَ على عنصرٍ في الحزبِ هو علي موسى دقدوق، وذلكَ عبر مؤتمرٍ صحافيّ في تمّوز 2007، وعرضوا هويّاتٍ مزوّرة قالوا إنّه كان يستخدمها.

تدخّل المالكي

بعدَ 4 سنوات، قرّرَت إدارة الرّئيس الأميركيّ باراك أوباما الانسحابَ من العِراق. وبحسب مصدرٍ إقليميّ مُطّلع تحدّث مع “أساس”، اشترطَ عدم الكشف عن هويّته، فإنّ رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكيّ طلبَ من الأميركيين إبقاء دقدوق ضمن الحجز العراقيّ، وذلك بعدما كانَت واشنطن تنوي نقله إلى الحجز في الولايات المتحدة وتقديمه للمحاكمة بتهمة قتل جنودٍ أميركيين.

قدّم المالكيّ ضمانات للأميركيين بأنّ دقدوق سيُحاكم في العراق، وأنّه لن ينخرطَ مستقبلاً بأيّ عملٍ عسكريّ في بلاد الرافديْن. كما قال للأميركيين إنّ الإفراج عنه قد يُسهّل المفاوضات التي تنوي إدارة أوباما أن تبدأها  مع إيران حول البرنامج النّوويّ يومذاك.

أوفدَ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ القياديّ في الحزبِ علي موسى دقدوق إلى العراق عام 2005.

انسحبَ الأميركيّون من العراق، وتركوا دقدوق ضمن الحجز العراقيّ. وفي وقتٍ لاحق أمرَت محكمة عراقيّة بالإفراج عنه لـ”عدم كفاية الأدلّة”، وذلكَ في تشرين الثاني من عام 2012.

إلى سوريا

بعد عودته إلى لبنان، كانت الحربُ السّوريّة في أوجها، وكذلك انخراط الحزب فيها. عمل دقدوق في سوريا على تأسيس وتدريب مجموعات شيعيّة من العراقيين والسّوريين للمشاركة في القتال ضدّ المعارضة السّوريّة.

منذ سنة 2017، أوكِل إليه تأسيس مجموعاتٍ للقتال على جبهة الجولان المُحتلّ ضدّ إسرائيل. وركّزَ عمله في منطقة الجنوب السّوريّ حيث عمل على إنشاء مجموعات “مقاومة” ضدّ احتلال الجولان.

لكنّ التفاهمات التي كانت تُبرمها روسيا مع إسرائيل بشأن الوجود الإيرانيّ في جنوب سوريا شكّلت عقبة رئيسيّة في مهمّته، وكذلكَ انكشاف قيادات الحرس الثّوريّ والحزب في سوريا بسبب الخروقات الأمنيّة والتفوّق المعلوماتي الإسرائيليّ.

اغتياله

أعلنَ الجيش الإسرائيلي مقتل علي موسى دقدوق في غارة على منطقة ريف دمشق قبل أيّام. وقال إنّ دقدوق يعتبر مسؤول ملفّ الجولان في الحزبِ.

إقرأ أيضاً: الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

بعد مقتله غرّدَ المبعوث الأميركيّ إلى سوريا في ولاية دونالد ترامب الأولى جويل رايبرن عبر منصّة X: “هذه عدالة طال انتظارها للجنود الأميركيين الذين أمر إرهابي الحزب علي موسى دقدوق بقتلهم في كربلاء عام 2007. لقد أسرته قوّاتنا فقط ليأمر الرئيس أوباما بالإفراج عنه تلبية لطلب نوري المالكي عام 2011. فعاد إلى الحزب لمهاجمة الإسرائيليين لسنوات. لقد تخلّصنا منه. ونعم الخلاص”.

مواضيع ذات صلة

الجولانيّ: من “الموصليّ” الرّاديكاليّ إلى “الشّرع” البراغماتيّ

خطفَ الأنظار زعيم “هيئة تحرير الشّام” (“جبهة النّصرة” سابقاً) أبو محمّد الجولاني. منذ انطلاق العمليّة العسكريّة في حلب وإدلب وحماة وصولاً إلى حمص. تصدّرَ اسم…

فتح الله غولن: داعية… هزّ عرش إردوغان

ثمّة شخصيات إسلامية كثيرة في التاريخ توافَق الناس على تقديرها واحترامها، مع ظهور أصوات قليلة معترضة على نهجها أو سلوكها أو آرائها، لكنّها لم تتمكّن…

مصرع السنوار في مشهد لا يحبّه نتنياهو

مات يحيى السنوار، رئيس حركة حماس منذ اغتيال سلفه إسماعيل هنية في 31 تموز الماضي، وهو يقاتل الجيش الإسرائيلي، في إحدى أسخن جبهات القتال في…

الحزب بعد “السّيّد”: الرأي الآخر… ومشروع الدّولة

هنا محاولة لرسم بورتريه للأمين العامّ للحزب، بقلم كاتب عراقي، التقاه أكثر من مرّة، ويحاول في هذا النصّ أن يرسم عنه صورةً تبرز بعضاً من…