إيران خسرت “قاعدتها المتقدّمة”… وباتت “في المواجهة”

مدة القراءة 5 د

مهما قيل ويُقال عن الحزب باعتباره القوّة التي لا تُقهر والتنظيم الذي لا يُخترق أمنيّاً على الرغم ممّا أصابه من أهوال وصلت إلى درجة محو قيادته من الوجود… فإنّ ما أصاب إيران من أضرار من جرّاء دخول الحزب في حرب تصعيدية مباشرة مع إسرائيل لا يمكن التغاضي عنه. ذلك لأنّ تلك الحرب أفقدتها الجبهة الأمامية لحربها بالوكالة، بحيث صار عليها أن تقف مضطرّة في المكان الذي أنفقت أموالاً طائلة من أجل تحاشي الوقوف فيه، وهو أن تكون جبهة مباشرة أمام إسرائيل.

 

هذا تحوّل خطير في المنطقة، لا على مستوى المناوشات الثنائية وحسب، بل وعلى مستوى مستقبل مشروع الهيمنة الإيرانية على المنطقة الذي بات اليوم في موضع شكّ. بعد كلّ ما جرى للحزب صار على إيران أن تباشر حربها بنفسها. ولطالما نأت بنفسها عن القيام بتلك المهمّة التي تعرف أنّها قد تكون تمهيداً لسقوط نظامها السياسي.

في انتظار الصّفّارة الإيرانيّة

من السذاجة القول إنّ إيران كانت تتوقّع انتصاراً في حربَي غزة ولبنان. كانتا حربين انتحاريّتين لم يسقط فيهما إيراني واحد إلا عن طريق الصدفة. وهي صدفة عرفت إسرائيل بمهارة معلوماتية كيف تصطادها. لقد خطّطت إيران لحرب استنزاف طويلة تستطيع من خلالها سرقة الوقت وإلهاء إسرائيل عن مراقبة مشروعها النووي وثنيها عن تخريبه. ولكنّها بالتأكيد لم تتوقّع أن تتحوّل حرب الاستنزاف تلك إلى حرب شاملة، يكون من نتائجها أن تفقد إيران درّة تاجها في المنطقة، وهو الحزب الذي هو اليوم عبارة عن كتلة بشرية لا عقل يديرها. وهو ما قد يدفع لبنان ثمنه لأنّه فريسة سهلة. ولا فرق بالنسبة لمنتسبي الحزب بين إسرائيل ولبنان. تلك مشكلة أخرى لن تهتمّ إيران بمعالجتها. بالنسبة لإيران لا قيمة للبنان من غير الحزب. لذلك مشكلة لبنان مع الحزب ستأخذ مع الوقت طابعاً محلياً هو جزء من التركيبة الطائفية اللبنانية. سيكون اللبنانيون أحراراً في البحث عن حلول لها.

فكرة أن يستعيد الحزب المبادرة في الحرب الدائرة من حوله هي جزء من خرافة رفع المعنويات التي تعرف إيران كيف تنفخ فيها هواء أكاذيبها

فكرة أن يستعيد الحزب المبادرة في الحرب الدائرة من حوله هي جزء من خرافة رفع المعنويات التي تعرف إيران كيف تنفخ فيها هواء أكاذيبها المبالغ فيها من خلال وسائل إعلامها التي تبثّ أناشيد الانتصار ليل نهار وفي كلّ اللغات. لا تجد إيران معنى أو ضرورة للتوقّف عن عمليّات غسل الأدمغة من خلال تعبئتها بالجمل والاقتباسات الجاهزة التي تؤكّد أنّ النصر قريب وقادم وحتميّ، وأنّ مَن لم يمت شهيداً من العرب سيخسر الكثير في آخرته. قال خالد مشعل شيئاً قريباً من ذلك. وكان صدّام حسين قد أكّد من قبل أنّ العراقي مشروع شهادة دائم. كلّ ما يُقال عن النصر في ظلّ كلّ هذه النكبات غير المسبوقة إنّما يؤكّد رغبة إيران وحلفائها في أن لا يستيقظ العقل العربي من سباته ويظلّ الموت الذي يفرضه نتنياهو مُرحّباً به إلى أن تطلق إيران صفّارتها.

قواعد جديدة بعدما انتهت اللّعبة

لكنّ ذلك الوضع الإنساني الشاذّ في طريقه إلى النهاية، أو وصل إلى الجدار الذي لا يمكن اختراقه. لقد انتهت اللعبة. ضحّت حركة حماس بأهل غزة ووضعتهم في متاهة التشرّد التي لن تنتهي بعدما أفسحت المجال لنتنياهو لكي يمارس هوايته في الإبادة الجماعية. في المقابل لم يكن الحزب مضطرّاً إلى إشعال حرب يعرف أنّ لبنان غير قادر على دفع تكلفتها وليس من اليسير عليه إيواء مليون نازح من الجنوب والضاحية، لكنّه لم يكن يتوقّع أنّ إسرائيل قد تمكّنت من اختراقه بالطريقة التي تمكّنها من اغتيال كلّ قادته العسكريين وصولاً إلى أمينه العامّ.

إيران

كلّ الكلام لا يكفي لوصف ما حدث.

من السذاجة القول إنّ إيران كانت تتوقّع انتصاراً في حربَي غزة ولبنان. كانتا حربين انتحاريّتين لم يسقط فيهما إيراني واحد إلا عن طريق الصدفة

قُتل إسماعيل هنية في طهران. يبدو الأمر كما لو أنّ الرجل المقيم بأمان في الدوحة ذهب إلى طهران ليُقتل. أمّا مشهد قتل حسن نصرالله ففتح الباب على مصراعيه للشكّ في أنّ إيران هي التي سرّبت كلّ المعلومات. ذلك لأنّ ذلك المشهد كان بمنزلة نهاية للفيلم. لقد شهد نصرالله مقتل كلّ رفاقه في قيادة تنظيمه وودّعهم وهو على يقين من أنّ قواعد اللعبة القديمة قد انتهت وأنّ إيران قد حدّثت علاقتها بالغرب على أساس قواعد جديدة.

حدث الطّوفان فعلاً.. ولكن

ليس المهمّ اليوم المضيّ وراء التكهّنات التي تؤكّد أنّ إيران قد خانت أتباعها وسلّمتهم لعدوّهم بغية أن تنتقل إلى مرحلة جديدة في علاقتها بالغرب، الولايات المتحدة بالتحديد. المهمّ أن لا تُهدر فرصة التعلّم من ذلك الدرس. فلا قضيّة فلسطين كانت هي الدافع لما حصل قبل سنة وما تلاه، ولا الموت باعتباره شهادة قد كُتب على أهل غزة ولبنانيّي ضاحية بيروت الجنوبية، ولا قيادتا حماس والحزب كانتا على يقين من أنّ إيران كانت صادقة في تعهّداتها. وبغضّ النظر عمّا قاله خالد مشعل فإنّه لن يجرؤ على مغادرة الدوحة. لقد حدث الطوفان فعلاً.

إقرأ أيضاً: الردّ الإيرانيّ: خامنئي يهدّد بتغيير العقيدة النووية؟

بعد سنة من وقوعه تقف إيران على التلّ في انتظار السفينة التي تقلّها إلى أرض المفاوضات. لا يتعلّق الأمر بالمعنويات التي هي في أسوأ مراحلها ولا تنفع الأناشيد وأقوال المحلّلين المرتزقة في رفعها، بل يتعلّق بما ستشهده علاقة إيران بالولايات المتحدة من تحوّلات بعد الانتخابات الأميركية المقبلة.

 

*كاتب عراقي

مواضيع ذات صلة

مشروع إيران التّوسّعيّ: ما بُنيَ على متغيِّر.. سيتغيَّر

لا خلاف في أنّ لدى إيران مشروعها التوسّعي في المنطقة. وكلمة “توسّعي” ليست استنتاجاً، إنّما حقيقةٌ تعكسها التصريحات الغزيرة والصادرة عن الكثير من القيادات الإيرانية…

جنبلاط يقبض على اللّحظة الإقليميّة

كان الرئيس السابق لـ”الحزب التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط في طليعة من قاربوا بالتعليقات الرمزية وبالمواقف، وبالخطوات العملية، مفاعيل الزلزال السوري على لبنان.   يتميّز جنبلاط…

سليمان فرنجيّة: رئاسة الحظّ العاثر

ـ عام 2004 سأل بشار الأسد سليمان فرنجية: “هل للرئاسة في لبنان عمر معيّن كما عندنا؟ لا يُنتخب رئيس الجمهورية قبل بلوغه الأربعين؟”. ـ مرّتين…

الشّرع وسوريا: الرّسم بالكلمات

لم نسمع من أحمد الشرع أو أيّ وزير من الحكومة المؤقّتة في سوريا أيّ رفع لشعار “الإسلام هو الحلّ” الذي درجت جماعة الإخوان المسلمين على…