نصائح أوروبيّة وكوريّة… للتّعامل مع ترامب

مدة القراءة 9 د

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن في ما يتعلّق بالسياسة الخارجية الأميركية مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”.

من جهتها، صحيفة “بوليتيكو” الأميركية اختارت نشر “خمس نصائح” من كتاب “فنّ التعامل مع ترامب”، بقلم الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن، باعتبار أنّ قادة العالم قد يحتاجون إليها في تعاملهم معه.

 

احتمالات التحوّلات في واشنطن، يقول دبلوماسيون لـ”وول ستريت جورنال”، تدفع حكومات كثيرة لإعادة النظر في افتراضات قديمة حول تراجع الثقة بالولايات المتحدة وضرورة البحث عن خيارات بديلة لحماية مصالحها وتحالفاتها الحاسمة. وتنقل عن دبلوماسي من الاتحاد الأوروبي قوله: “ربّما يجبر هذا بعض الدول على أن تكون واقعية لأنّني أعتقد أنّه عندما يفوز الديمقراطيون، يكون هناك نوع من الوهم بأنّ الأمور يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه من قبل”.

تستعدّ الحكومات الحليفة والصديقة للولايات المتحدة الأميركية، كما العدوّة والمنافسة لها، لتحوّلات مقلقة وإدارة أكثر تقلّباً في واشنطن

وفقاً لمحلّلي الصحيفة، يعترف دبلوماسيون ومسؤولون أجانب أنّ الحديث انتقل من تحالفات والتزامات “مقاوِمة لترامب” بين عامَي 2016 و2020، إلى “الحماية ضدّ المستقبل” اليوم. ووفقاً لدبلوماسي أوروبي كبير تحدّث للصحيفة: “أفسحت حماية العلاقات مع واشنطن ضدّ ترامب المجال للحماية من التقلّبات في أولويّات الولايات المتحدة”.

في بروكسل، يعقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي اجتماعات متكرّرة استعداداً لمعركة اقتصادية مع واشنطن، خاصة إذا نفّذ ترامب تعهّداته بفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على الواردات. ويوضح أحد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين للصحيفة أنّ “الاتحاد يخطّط لفرض رسوم جمركية مضادّة على السلع الأميركية المصنّعة في المناطق التي يسيطر عليها الجمهوريون. والجميع هنا يريد تجنّب حرب تجارية بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.

يرجّح الدبلوماسيون أن “يدفع فوز ترامب الدول الأوروبية إلى إنفاق المزيد على دفاعها”. ويحذّر مسؤول كبير من دولة في شمال أوروبا: “لقد انتهى نظام الدفاع الحرّ، وقد حان الوقت لإخبار ناخبينا”.

في بروكسل، يعقد مسؤولو الاتحاد الأوروبي اجتماعات متكرّرة استعداداً لمعركة اقتصادية مع واشنطن

يشير بنيامين حداد وزير الشؤون الأوروبية الفرنسي في هذا السياق إلى حديث الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن “حاجة أوروبا إلى استقلال استراتيجي، والقدرة على التعامل مع احتياجاتها الأمنيّة من دون دعم أميركي”. ويقول لقناة تلفزيونية محلّية الأسبوع الماضي: “لا يمكننا ترك أمن أوروبا في أيدي الناخبين في ويسكونسن كلّ أربع سنوات. فدعونا نخرج من الإنكار الجماعي. يجب على الأوروبيين أن يأخذوا مصيرهم بأيديهم، بغضّ النظر عمّن يتمّ انتخابه رئيساً أميركياً”. 

العرب والإسرائيليّون والصّين وأميركا اللاتينيّة؟

  • يعتبر الدبلوماسيون أنّ “المملكة العربية السعودية ودولاً خليجية أخرى غنيّة بالنفط سعت دوماً إلى مواجهة التقلّبات بين الإدارات من خلال توثيق الروابط الدفاعية مع واشنطن لضمان التماسك على المدى الطويل، إلى جانب التواصل مع خصوم الولايات المتحدة، إيران والصين، بسبب الحذر من عدم استقرار واشنطن”. ويوضحون أنّ “ترامب يؤيّد إنهاء الصراع في الشرق الأوسط الذي يضع إسرائيل في مواجهة حماس في غزة والحزب في لبنان، وكذلك ضدّ إيران. ويبدو حريصاً أيضاً على تقليص التدخّل العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وبالتالي الاستمرار في التوجّه الأميركي على المدى الطويل”.
  • أمّا إسرائيل “فتتوحّد حول ترامب. ووفقاً للقناة 12، فضّل الإسرائيليون ترامب بنسبة 66% على هاريس التي حازت 17% فقط”، لأنّ ترامب منع معظم مبيعات النفط الإيرانية، التي تستخدم إيران عائداتها لتمويل حماس والحزب وبقيّة ميليشياتها. بينما انتهجت إدارة بايدن سياسة الاسترضاء، فاستغلّت إيران تخفيف العقوبات، بما في ذلك 16 مليار دولار أخرى من الأموال غير المجمّدة، وسارعت إلى عتبة تحقيق اختراق نووي. ويدعو ترامب إسرائيل إلى أن تفعل ما يناسبها للانتصار بالحرب وإنهائها.
  • نصل إلى الصين التي يرجّح المسؤولون الأوروبيون استمرار نهج المواجهة تجاهها الذي صاغه ترامب في ولايته الأولى. فقد تعهّد كلاهما بالتشدّد مع الصين.
  • في أميركا اللاتينية، يتوقّع المسؤولون “صدمة غير مسبوقة. ويخشون من أن تؤدّي عمليّات الترحيل الجماعي التي وعد بها ترامب إلى زعزعة استقرار المنطقة وحرمان المكسيك وأميركا الوسطى من مليارات الدولارات من التحويلات المالية”.

يرجّح الدبلوماسيون أن “يدفع فوز ترامب الدول الأوروبية إلى إنفاق المزيد على دفاعها”

5 نصائح كوريّة جنوبيّة

الرئيس الكوري الجنوبي السابق مون جاي إن (2017 – 2022) كانت أولويّته نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية بمفاوضات سلمية مع ترامب. واجتمع برئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون في قمم الكوريّتين في 2018، فصار ثالث رئيس كوري جنوبي يلتقي بنظيره الكوري الشمالي. والتقى في 30 حزيران 2019 بكلّ من كيم وترامب في المنطقة المنزوعة السلاح في كوريا. انهارت المفاوضات في النهاية، لكنّ ترامب ومون صنعا التاريخ معاً: أصبح ترامب أوّل رئيس أميركي في السلطة يلتقي بزعيم كوري شمالي حاكم.

في كتابه بعد الرئاسة يوضح سرّ نجاح العلاقة مع ترامب في 5 نصائح:

1 – تقبّل طبيعة العلاقة معه

يعتبر مون أنّ ترامب صريح وواضح وسهل القراءة: “الدول الغربية الأخرى ليست مختلفة كثيراً عن ترامب، على الرغم من خطابها الأكثر نبلاً في كثير من الأحيان. كان هناك الكثير من الانتقادات لأجندة ترامب “أميركا أوّلاً”. ولكن عندما ضرب كوفيد-19 العالم، أصبح كلّ فرد مسؤولاً عن نفسه، حتى بين الدول الأوروبية، وتجاهل كلّ الجهود الرامية إلى التعاون أو الوحدة. وأصبحت اللقاحات حكراً على الدول الغنيّة. وهو ما أدّى إلى خلق وضع همجيّ كان فيه الناس من الدول الغنية يتلقّون التطعيمات عدّة مرات، في حين لم تكن لدى بعض الدول أيّ لقاحات على الإطلاق”.

حذّر مسؤول كبير من دولة في شمال أوروبا: “لقد انتهى نظام الدفاع الحرّ، وقد حان الوقت لإخبار ناخبينا”

2 – الاستفادة من غروره

كان مون يعلم أنّ ترامب يحبّ أن يكون الأوّل والأفضل، وأنّ هذه الرغبات غالباً ما تكون أصل قراراته. لذلك عندما احتاج إلى موافقة ترامب على لقاء كيم جونغ أون، استغلّ مون غرور ترامب مباشرة من خلال تضخيم إرثه المحتمل. وقال للرئيس الأميركي حينها: “إذا تمكّنت من تحقيق نزع السلاح النووي بشكل سلمي، فسيكون ذلك إنجازاً لم ينجح فيه أيّ رئيس، بما في ذلك الرئيس أوباما، وستحصل بالتأكيد على جائزة نوبل للسلام”. وكتب مون أنّ “ترامب ولحرصه على التفوّق على الرؤساء الذين سبقوه، وخاصة سلفه، وقع في الفخّ”.

3 – عدم الخوف من اللّجوء إلى الحزم والحدّة

وفقاً لمون، قد يشعر بعض القادة الأجانب بالعجز في مواجهة سمعة ترامب كمتنمّر يصرّ على تحقيق هدفه. ومع ذلك، يمكنهم ويجب عليهم الردّ دون خوف من الانتقام: “في قضية تقاسم تكاليف الدفاع، لم يكن هناك تقدّم في المفاوضات لوقت طويل بسبب طلبات ترامب المفرطة. لكنّ هذا لم يزعجني. حتى بين الحلفاء، نحن نتصادم من أجل مصلحة بلداننا. لذلك أدركت أنّ كلّ ما أحتاج إلى فعله هو إعطاء الأولوية لكوريا بثقة”.

ويروي مون حواراً دار بينه وبين ترامب:

قال لي: “برج ترامب الذي أعيش فيه كلّ تلفزيوناته LG. بينما تدافع الولايات المتحدة عن كوريا، تصنعون أجهزة LG وتبيعونها لنا. ونحن في عجز تجاري ضخم”. وبدلاً من موافقته، قلتُ له: “أجهزة LG كلّها مصنوعة في تكساس. كن فخوراً”.

يقول مون: بدا ترامب عاجزاً عن الكلام. أن تكون مباشراً معه هو أفضل طريق. ولأنّ أولويّتي القصوى كانت إقناع الولايات المتحدة برفع قيودها على تطوير صواريخنا، طلبتُ منه ذلك ردّاً على العدوان المتزايد من كوريا الشمالية. وقلتُ له: “استمرار المبادئ التوجيهية للصواريخ سيجبر كوريا الجنوبية على الاعتماد بشكل أكبر على موارد أميركا”، وهي مسألة حسّاسة بالنسبة لترامب، الذي أراد الاستثمار بشكل أقلّ في الدفاع في الخارج. وهكذا نجحت الخطوة، ووافق ترامب على مراجعة قواعد الصواريخ، وفتح الطريق لرفعها بالكامل بحلول عام 2021، في نهاية رئاسة مون.

قد يشعر بعض القادة الأجانب بالعجز في مواجهة سمعة ترامب كمتنمّر يصرّ على تحقيق هدفه

4 – احترام شعور الوطنيّة الأميركيّة

يحبّ ترامب الشعور بالاحترام. وقد قرّر مون أن يُظهِر احتراماً أكبر للأميركيين بتأكيد الإعجاب بجيشهم ووطنيّتهم. روى مون في كتابه أنّه عندما قام بأوّل زيارة رسمية له للولايات المتحدة في عام 2017، كان أحد الأماكن الأولى التي ذهب إليها هو المتحف الوطني لسلاح مشاة البحريّة في كوانتيكو بولاية فيرجينيا، حيث يوجد نصب تذكاري لحملة خزان تشوسين في عام 1950 أثناء الحرب الكورية. فخلال الحملة، قاتل الجنود الأميركيون في درجات حرارة تحت الصفر وشاركوا في إجلاء جماعي للّاجئين.

في خطاب ألقاه عند النصب التذكاري، كشف مون عن أمر مفاجئ: والدته كانت واحدة من اللاجئين الذين تمّ إجلاؤهم. وكتب: “من خلال جعل الرئيس الكوري الجديد يغنّي مدحاً لحملة خزان تشوسين أمام نصبها التذكاري وإظهار الاحترام لقدامى المحاربين في المعركة، أردت أن يدرك الناس مرّة أخرى التحالف القويّ بين كوريا والولايات المتحدة. لقد أضفت قصّة عائلتي لإضافة جاذبية عاطفية، وكان ذلك ناجحاً حقّاً.”

أضاف مون أنّ الخطاب، الذي تمّ بثّه مباشرة إلى مشاة البحرية، تمّ استقباله بشكل إيجابي بين أفراد الجيش، ولعب دوراً كبيراً في خلق مزاج جيّد في ما كان يمكن أن يكون اجتماعاً أوّل صعباً مع ترامب. فعندما التقى الاثنان، أشاد ترامب بالخطاب، معلّقاً أنّه كان مؤثّراً للغاية، وقد تفاهما جيّداً لدرجة أنّه أخذ مون وزوجته في جولة عبر مساحاته الشخصية في البيت الأبيض، بما في ذلك المناطق السكنية في الطابق الرابع. وأخبر ترامب مون أنّها كانت المرّة الأولى التي يقوم فيها بمثل هذه الجولة مع زعيم عالمي. وحتى إنّه قام بترتيب صورة مع الزوجين الكوريَّين الجنوبيَّين الجالسين على المكتب حيث كتب أبراهام لينكولن خطاب غيتيسبيرغ.

إقرأ أيضاً: مسلم أميركي يُحذّر: دعمنا لترامب “تدمير للذات”

5 – تعيين خرّيج من وارتون في فريقك

يعرف الجميع أنّ ترامب متحيّز لشهادة جامعة وارتون في بنسلفانيا، لكنّ مون شهد بنفسه كيف يمكن أن تعمل علاقات الخرّيجين لمصلحته. لذلك، خلال زيارته الأولى للولايات المتحدة، كان مون وحاشيته يتحدّثون مع ترامب عندما ذكر يانغ ها سونغ، كبير مستشاري مون، أنّه خرّيج كلّية إدارة الأعمال بجامعة بنسلفانيا. فوجئ ترامب بسرور، قائلاً: “أوه! وارتون، كلّية جيّدة”. وكانت تلك هي اللحظة التي بدأ فيها المزاح الودّي، كما قال مون.

مواضيع ذات صلة

عماد أمهز: عملية خطف أم إنقاذ؟

هل كان القبطان اللبناني الذي اختطفته إسرائيل وادعت أنه مسؤول عسكري في الحزب، عميلاً مزدوجاً؟ سؤال طرحته مراسلة صحيفة “التلغراف” البريطانية من تل ابيب، بشأن…

مسلم أميركي يُحذّر: دعمنا لترامب “تدمير للذات”

ظهرت حديثاً مجموعة من القادة الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين في ميشيغان على خشبة المسرح في تجمع حاشد للمرشح دونالد ترامب وحثوا مجتمعاتهم على التصويت له….

معضلة المرشد الأعلى

يواجه الزعيم الإيراني آية الله علي خامنئي الآن معضلة من صنعه، وهو، في رأي المحلّل السياسي الإيراني الأميركي في مؤسّسة كارنيغي للسلام الدولي كريم سجادبور،…

روسيا والصّين وإيران في “صّندوق” البيت الأبيض

مع احتدام السباق الرئاسي الأميركي، يخشى المسؤولون في واشنطن من تداعيات كبيرة للتأثير الأجنبي على الناخبين الأميركيين، لأنّه أصبح بحسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” أكثر…