ظهرت حديثاً مجموعة من القادة الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين في ميشيغان على خشبة المسرح في تجمع حاشد للمرشح دونالد ترامب وحثوا مجتمعاتهم على التصويت له. وهذا أمر صادم، ولكنه ليس مفاجئاً على الإطلاق، في رأي الباحث الأميركي العربي حسين ايبيش. “صادم لأنّ سياسات ترامب المعلنة – بشأن فلسطين، والحرية السياسية، والوجود ذاته للمسلمين في الولايات المتحدة – تتناقض مع الكثير مما يؤمن به معظم هؤلاء الناخبين. وليس مفاجاً لأننا نحن الأميركيين العرب والمسلمين لدينا تقليد طويل من الايذاء بل التدمير السياسي القاسي للذات”.
يشرح إيبش وهو باحث أول في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، شغل في السابق منصب زميل أول في فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، والمدير التنفيذي لمؤسسة “هالة سلام مقصود للقيادة” العربية الأميركية من عام 2004 إلى عام 2009. وتولى من عام 1998 إلى عام 2004، منصب مدير الاتصالات في اللجنة الأميركية العربية لمكافحة التمييز: عام 2000، وبسبب غضبهم من العقوبات المفروضة على العراق وقصفه، واستخدام “الأدلة السرية” في إجراءات الترحيل ضد المهاجرين العرب والمسلمين، وخاصة مذبحة الانتفاضة الثانية، قرر العديد من الأميركيين العرب الليبراليين -بما في ذلك أنا- عدم التصويت لصالح آل غور ولجأوا بدلاً من ذلك إلى رالف نادر، وهو نفسه عربي أميركي بارز.
ظهرت حديثاً مجموعة من القادة الأميركيين العرب والمسلمين الأميركيين في ميشيغان على خشبة المسرح في تجمع حاشد للمرشح دونالد ترامب وحثوا مجتمعاتهم على التصويت له
يقول: إذا كان الهدف هو تعزيز المصالح السياسية العربية، فإنّ احتجاجنا كان فشلاً ذريعاً. فقد أدى انتخاب جورج دبليو بوش مباشرة إلى الغزو الكارثي للعراق عام 2003، وهي كارثة استراتيجية لا يزال يتردد صداها في الشرق الأوسط، مع مقتل مئات الآلاف من المدنيين العرب.
الشكوى من إدارة بايدن
هذه المرة، يضيف ايبيش في مقال له في مجلة “the Atlantic”: الشكوى الأساسية هي دعم إدارة جو بايدن -أو على الأقل فشلها في إنهاء غزو إسرائيل لغزة، والآن حروبها المتوسعة في لبنان وإيران. ومرة أخرى، الدافع هو التعبير عن غضبنا و”معاقبة” الساسة المسؤولين عن ذلك من خلال حجب التصويت لهم. ولكن في انتخابات لا يشارك فيها سوى مرشحين اثنين قابلين للتطبيق، لا يوجد فرق بين عدم دعم كامالا هاريس ودعم دونالد ترامب بنشاط.
ويستعرض ايبيش في هذا السياق بعض أهم القضايا التي يوجد إجماع عليها بين الأميركيين العرب والمسلمين لتكون ولاية ترامب الثانية أسوأ بشكل كبير من رئاسة هاريس:
1- القضية الرئيسية لترامب، الهجرة. لا شيء في أجندة هاريس سيحدّ من الهجرة من الدول العربية أو الإسلامية. يقدّم ترامب العكس تماماً. كان أحد أول أفعاله كرئيس هو إقرار “حظر المسلمين”، الذي يمنع بشكل قاطع دخول المواطنين من قائمة تضم سبع دول ذات أغلبية مسلمة. ألغى بايدن هذا الأمر التنفيذي؛ وتعهد ترامب بإعادة العمل به وربما توسيعه.
كما أنّ هجوم ترامب المحتمل على الوضع المحمي المؤقت، ينذر بالسوء لعدد من المجتمعات العربية والإسلامية التي يتأهل أفرادها حالياً، بما في ذلك الأفغان والصوماليون واليمنيون والسوريون والسودانيون. وبضربة من قلم ترامب، قد يجدون أنفسهم محرومين من هذه الحماية ــ ومشمولين في عمليات الترحيل الجماعي “الدموية” التي وعد بها. والجهود الرامية إلى تمديد الوضع المحمي المؤقت للمواطنين اللبنانيين، والتي كانت معقولة تماماً في ظل إدارة هاريس، ستتقوض في عهد ترامب.
القضية الرئيسية لترامب، الهجرة. لا شيء في أجندة هاريس سيحدّ من الهجرة من الدول العربية أو الإسلامية
2- في دفاعه عن قراره بتأييد ترامب، أعلن إمام من ميشيغان إنّ الرئيس السابق “يعد بالسلام”. وهو لا يعد بذلك بكل وضوح. فقد ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” أنّ ترامب، وفقاً لستة مصادر، أمر حديثاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو “بفعل ما يجب عليه فعله” عسكرياً في غزة ولبنان وإيران. والواقع أنّ فكرة أنّ ترامب قد يعطي الأولوية لمصالح المدنيين العرب سخيفة بكل بساطة.
ترامب لديه سجل طويل ومفيد ومحبط للغاية بشأن هذه القضايا. فبصفته رئيساً، نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس وأصدر بياناً يعترف بسيادة إسرائيل على المدينة المقدسة المتنازع عليها. كما اعترف بضم إسرائيل لمرتفعات الجولان السورية، ويرفض استقلال فلسطين وحل الدولتين، ودعت خطته “السلام من أجل الرخاء”، التي أصدرها في كانون الثاني 2020، إسرائيل إلى ضم 30% أخرى من الضفة الغربية. ما يترك الأراضي الفلسطينية المتبقية محاطة بالكامل بإسرائيل، وبالتالي غير قادرة على السيادة الحقيقية.
كان التأثير الأساسي لهذه الوثيقة الخام هو إنشاء هيكل إذن للجمهوريين لدعم الضم الإسرائيلي الواسع النطاق للضفة الغربية والتخلي عن دعم الاستقلال الفلسطيني. وعلى النقيض من ذلك، كانت هاريس قاطعة في دعمها لحل الدولتين الحقيقي الذي يعني نهاية الاحتلال الذي بدأ في عام 1967. وقد صرّحت بوضوح أنّ الفلسطينيين والإسرائيليين بحاجة إلى التوصل إلى اتفاق سلام يوفر لهم “قدراً متساوياً من الرخاء والحرية”. ولم يتحدث ترامب أبداً عن تمتع الفلسطينيين والإسرائيليين بقدر متساو من أي شيء.
ترامب لديه سجل طويل ومفيد ومحبط للغاية بشأن هذه القضايا. فبصفته رئيساً، نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس وأصدر بياناً يعترف بسيادة إسرائيل على المدينة المقدسة المتنازع عليها
3- يمتد تحيّز ترامب المناهض للفلسطينيين إلى الجبهة الداخلية. لقد هاجر العرب والمسلمون الأميركيون إلى الولايات المتحدة بأعداد كبيرة منذ أواخر القرن التاسع عشر بحثاً عن حياة أفضل تتسم بالحرية والديمقراطية. ومع ذلك فإنّ حملة ترامب بأكملها، وأجندته بالكامل، ترقى إلى هجوم على هذه المثل العليا.
اذ أشار باستمرار إلى الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الحرم الجامعي كجزء من “ثورة جذرية” تعهد بالقضاء عليها. ووفقاً لصحيفة “واشنطن بوست”، فقد أخبر مجموعة من المانحين اليهود في أيار أنه عازم على ترحيل الطلاب المؤيدين للفلسطينيين و”إعادة هذه الحركة إلى الوراء 25 أو 30 عاماً”.
إقرأ أيضاً: معضلة المرشد الأعلى
للتعلّم من دروس التاريخ
ويخلص ايبيش الى القول “إن مجتمعاتنا مذهولة من الدعم المستمر من الحكومة الأميركية للحملات العسكرية الإسرائيلية… ولكن توجيه هذا الغضب إلى دعم ترامب سيكون بمثابة تمرين في أقصى درجات السذاجة والخداع. فبعيداً عن الوعد بالسلام، يهدد ترامب بالحرب على “العدو من الداخل”.
يضيف: من المرجح أن يكون العرب الأميركيون والمسلمون الأميركيون، وخاصة أولئك الذين لديهم مشاعر مؤيدة للفلسطينيين، على رأس قائمة الأهداف. ونحن بحاجة إلى التعلم من دروس تاريخنا. فعندما نحاول معاقبة الساسة الذين خيبوا أملنا من دون إجراء جردة جدية للعواقب المحتملة، فإننا عادة ما ننتهي إلى إيذاء أنفسنا.
لقراءة النص بلغته الأصلية اضغط هنا