بعد حوالي 45 يوماً على بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان (في 23 أيلول الماضي)، يبدو أنّ المشهد العدواني قد انتقل إلى مرحلة ثانية من الأهداف أو من النمط العسكري المُستخدم من جانب العدوّ الإسرائيلي، بما يُنذر بتغيّر طبيعة المعركة والأهداف.
ترى أوساط دبلوماسية عربية أنّ ما تحقّق إلى الآن في الجنوب نتيجة عمليات الكرّ والفرّ التي تبادلها العدو و”الحزب”، يشي بأنّ بنك الأهداف الأوّلي الذي وضعه الإسرائيلي منذ تنفيذه عملية “البيجرز” (17 أيلول الماضي)، قد انتهى، وهو لذلك انتقل إلى قائمة جديدة من الأهداف باتت تتركّز على المعركة البرّية التي تحتلّ سلّم الأولوية، ويشير إلى أنّ الوقائع على الأرض تُنذر بأنّ الإسرائيلي يستعدّ لتنفيذ مرحلة جديدة من التوغّل البرّي.
يبدو أنّ المشهد العدواني قد انتقل إلى مرحلة ثانية من الأهداف أو من النمط العسكري المُستخدم من جانب العدوّ الإسرائيلي، بما يُنذر بتغيّر طبيعة المعركة والأهداف
تكشف الأوساط نقلاً عن مسؤولين أمميّين أنّ مسافة 3 كيلومترات من الحافة الحدودية باتت أشبه بأرض محروقة، سوّاها العدوّ بالأرض من خلال تلغيم المناطق والقرى المحاذية للشريط الحدودي. وتقول إنّ المعطيات تدلّ على أنّ الإسرائيلي يستعدّ لتزخيم عمليّاته في ثلاث قرى: الخيام، بنت جبيل وميس الجبل لتكون مسرحاً لقصف مركّز تمهيداً لدخولها من قبل العدوّ أسوة بما فعله في قرى الحافة الأمامية.
أمّا الخشية فهي في تحويل هذه البقعة، إذا ما تمّ توسيعها جغرافياً، إلى منطقة عازلة وخالية من البشر والحجر، وتعرب الأوساط عن تحذيرها من فرض العدوّ الإسرائيلي واقعاً ترهيبياً يحول دون عودة أهالي الجنوب إلى قراهم، لا سيما تلك المحاذية للحدود، وخصوصاً أنّ الأراضي الزراعية قد أُفسِدت بسبب استخدام الفوسفور، وهو ما قد يجعل منها منطقة محروقة غير قابلة للسكن والعيش.
لكن يُنقل في المقابل عن مسؤولين أمميين أيضاً قولهم إنّ قوات اليونيفيل لا تزال في موقعها، ولم تتراجع على الرغم من تعرّضها أكثر من مرّة للاستهداف، فيما يتردّد في الأوساط الرسمية اللبنانية أنّ هناك قراراً دولياً يقضي بإبقاء القوات الدولية في مراكزها مهما حملت التطوّرات العسكرية من تغييرات ميدانية.
ترى أوساط دبلوماسية عربية أنّ ما تحقّق إلى الآن في الجنوب نتيجة عمليات الكرّ والفرّ التي تبادلها العدو و”الحزب”، يشي بأنّ بنك الأهداف الأوّلي الذي وضعه الإسرائيلي قد انتهى
ترامب: إسرائيل أوّلاً
على المستوى السياسي، دخل العالم مدار دونالد ترامب رئيساً منتخباً للولايات المتحدة الأميركية، وقد عاد على صهوة “تسونامي شعبي” قد يجعل منه “حاكماً فوق العادة” للبيت الأبيض، ليحسم بذلك التكهّنات حول السيناريوهات المنتظرة للمشهد اللبناني بعد إنجاز الاستحقاق الأميركي. هذا مع العلم أنّ الأوساط الدبلوماسية العربية لم تكن لتراهن على اختلاف في السلوك بين الإدارتين الديمقراطية والجمهورية في مقاربتَيْهما لملفّات الشرق الأوسط.
ترى الأوساط أنّ الإدارات الأميركية تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط على قاعدة أنّ مصالح إسرائيل فوق كلّ اعتبار، على الرغم من اختلاف الأسلوب والطريقة، وبالتالي لا داعي لتدخّل واشنطن بشكل جذري إلّا في حال تخطّى الاشتباك حدود “جيران” إسرائيل، والمقصود بذلك إيران. حينئذٍ يصير انخراط واشنطن ضرورة قومية من المنظار الأميركي. وهذا ما أظهرته التطوّرات الأخيرة حين بدا أنّ التوتّر الإسرائيلي- الإيراني قد يخرج عن السيطرة، وهو ما استدعى تدخّل الإدارة الأميركية.
ترى الأوساط أنّ الإدارات الأميركية تتعامل مع منطقة الشرق الأوسط على قاعدة أنّ مصالح إسرائيل فوق كلّ اعتبار
الحراك الأردنيّ
في الانتظار يفترض أن تكون القمّة العربية – الإسلامية، التي ستستضيفها السعودية، هي المحطّة الجديدة في المسار الدبلوماسي الباحث عن خطّ التقاء بين إسرائيل والسلطة اللبنانية ومن خلفها “الحزب” للاتّفاق على وقف لإطلاق النار. وقد تبيّن أنّ الحراك الأردني على خطّ الجبهة اللبنانية لا يرتقي إلى مستوى المبادرة المتكاملة، لا سيما أنّ اعتبارات الأمن القومي الأردني هي التي تتسيّد المشهد في عمّان، في ضوء الخشية من تمدّد ساحات العدوان الإسرائيلي لتشمل الضفة الغربية أيضاً… هذا مع العلم أنّ التقديرات الدبلوماسية كانت تشير إلى أنّ زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي لبيروت قد تُستتبع بزيارات مماثلة لعدد من نظرائه العرب في مسعى قد يتطوّر مع الوقت، لكنّ ذلك لم يحصل بعد.
بالتوازي ترى أوساط دبلوماسية عربية أنّ الهوّة لا تزال كبيرة بين ما تريده إسرائيل من لبنان لكي توقف الحديد والنار، وبين ما يمكن للبنان تقديمه من خلال الالتزام بمندرجات القرار 1701. إذ لا تزال السلطة اللبنانية تتصرّف على قاعدة أنّ حرب تموز بنتائجها، العسكرية والسياسية، نموذجٌ سيفرض نفسه على عدوان أيلول 2024، بمعنى أنّ الوقائع ستُستنسخ من جديد على النهايات… فيما السلوك الإسرائيلي يُثبت بأنّه يخوض حرباً لن يعود أدراجه منها قبل تحقيق كامل أهدافه التي يختزلها القرار الأممي المذكور، وبالتالي لن يرضى بتسويات وسطية لا غالب فيها ولا مغلوب.
إقرأ أيضاً: رياح المنطقة لا تسير بما يشتهي الأردن
من هنا، تعتبر الأوساط أنّ احتمال حصول وقف لإطلاق النار في وقت قريب لا يزال بعيداً. هذا ما يزيد من سوداوية المشهد وبشاعته، خصوصاً إذا تمكّن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من توظيف المرحلة الانتقالية الفاصلة بين انتخاب رئيس أميركي جديد وبين تسلّمه مقاليد الحكم، في تصعيد عملياته العسكرية بشكل جنوني أكثر.
لمتابعة الكاتب على X: