يتباهى نتنياهو بأنّه يخوض حرباً على سبع جبهات، عنوانها المفضّل لديه إيران، وهدفها الأعمق والأهمّ فلسطين… فهل ينجح؟
الحروب على الجبهات جميعاً باستثناء الجبهة الفلسطينية، سوف تتوقّف بتسويات أو تفاهمات أو ترتيبات. سيحدث ذلك بعد دمار هائل نرى عيّنات منه في فلسطين ولبنان وسوريا واليمن. وسيضاف إليه إن صدقت التهديدات والتوعّدات دمارٌ في إيران. ومهما كانت التطوّرات سياسياً أو عسكرياً، فإسرائيل تخسر أيضاً.
نتنياهو القائد المركزي للحرب على كلّ الجبهات، سمّى حروبه مع دخولها العام الثاني بـ”القيامة”. إذ لم يجد ما يبرّر به الخسارات الفادحة التي تكبّدتها الدولة العبرية، سوى إقناع الجمهور بأنّ ما تخوضه إسرائيل على الجبهات السبع هي حرب وجودية، بل إنّها تجسّد القيامة الثانية لدولة إسرائيل. فإذا كانت الأولى اقترنت ببن غوريون المؤسّس، فالحالية يجب أن تقترن بنتنياهو المنقذ والمخلّص.
الحروب على الجبهات جميعاً باستثناء الجبهة الفلسطينية، سوف تتوقّف بتسويات أو تفاهمات أو ترتيبات
على الرغم من المعارضات الداخلية والدولية لقيادته السياسية والعسكرية للحرب على كلّ جبهاتها، إلا أنّه بنى سدّاً عالياً بينه وبين معارضيه، بحيث لا يستطيعون التأثير عليه، ولا حتى مشاركته ولو نسبياً في اتّخاذ القرارات، سمّاه النصر المطلق الذي لن يوقف الحرب قبل إحرازه.
ما هو الدّعائيّ في هذا المصطلح وما هو الحقيقيّ؟
الدعائي هو التباهي بقدرة أسطورية على هزيمة كلّ من يعارض إسرائيل ولا يتماهى مع سياساتها وحروبها ومغامراتها.
الحقيقي هو إنهاء القضية الفلسطينية وتأبيد الاحتلال والاستيطان ومنع ولادة دولة فلسطينية. ومن أجل دخول التاريخ كمحقّق لهذا الهدف، فقد استصدر قراراً من الكنيست بقوّة القانون يمنع قيام الدولة الفلسطينية، وحصل على أصوات أعلى بكثير من أصوات ائتلافه، أي بما هو قريب من الإجماع. ويترافق ذلك مع حرب الإبادة والتدمير الشامل لغزّة، بموازاة الحرب الأشدّ شراسة وإن كانت أقلّ ضجيجاً على الضفة. وها هو ينتظر قدوم ترامب إلى البيت الأبيض لتكريس القدس عاصمة موحّدة لإسرائيل.
هذا هو النصر المطلق الذي يسعى نتنياهو إليه. لكنّ السؤال الذي ينبغي أن يُجاب عنه بموضوعية وليس برغائبيّة: هل بوسع نتنياهو ومن يسير معه على هذا الخطّ أن يحقّق النصر المطلق فعلاً؟
الفلسطينيون لا يملكون القدرة العسكرية المتوافرة لإسرائيل، من البنادق إلى الدبّابات والطائرات إلى المفاعل النووي. ولا يملكون القدرات الاقتصادية والتكنولوجية الإسرائيلية
ماذا يملك الفلسطينيّون للمواجهة؟
لنقرّ أوّلاً بحقيقة أنّ الفلسطينيين لا يملكون القدرة العسكرية المتوافرة لإسرائيل، من البنادق إلى الدبّابات والطائرات إلى المفاعل النووي. ولا يملكون القدرات الاقتصادية والتكنولوجية الإسرائيلية التي هي جزءٌ من القدرات التكنولوجية الأميركية والغربية. ولا يملكون التحالفات، التي أساسها أميركا الداعمة لإسرائيل ومذابحها ومغامراتها الجنونية. لكنّ هذا يستتبع سؤالاً آخر… إذاً.. ماذا يملك الفلسطينيون في مواجهة ذلك كلّه؟
ما يملكه الفلسطينيون هو ذلك الذي جعل من كلّ ما تملكه إسرائيل غير قادر على حسم الصراع معهم.
في القدس وداخل سورها التاريخي وفي مربّع مقدّساتها الفلسطينيون أغلبية لم تستطع إسرائيل اقتلاعها أو ابتلاعها أو ترويضها، وهذا ما جعل العاصمة المدّعاة لإسرائيل أشبه بمدينة محتلّة من قبل ساكنيها الفلسطينيين الذين يتكاثرون ولا يتناقصون.
في الضفة حيث القرى والمخيّمات والمدن المكتظّة بالمواطنين الذين بنوا حياتهم فيها، وعلى نحو يجعل من تهجيرهم أمراً مستحيلاً، لا أحد يفكّر في هجرة إلى أيّ مكان. الجسور مفتوحة على مصاريعها مع الأردن وسجلّاتها اليومية تقول إنّ الداخلين إلى الضفة أكثر بكثير من الخارجين منها.
في القدس وداخل سورها التاريخي وفي مربّع مقدّساتها الفلسطينيون أغلبية لم تستطع إسرائيل اقتلاعها أو ابتلاعها أو ترويضها
لقد تعوّد الفلسطينيون في الضفّة والقدس على استفزازات المستوطنين وجرائمهم، بل إنّهم يقاومونها بما لديهم من إمكانات، ولم يعودوا يخافون من اجتياحات الجيش، والاعتقالات وحتى القتل العشوائي.
إنّ معضلةً لا حلّ لها تنهض في وجه إسرائيل هي الكثافة البشرية الفلسطينية المتشبّثة بالوطن، والمؤمنة بحتمية قيام الدولة التي أصبحت بفعل كفاحهم العنيد العنوان المتكرّس للسياسة الدولية تجاه القضية الفلسطينية.
غزة دفعت بالجملة ما دفعته الضفة بالتقسيط. وغزة والضفة والقدس بملايينها وتشبّثها ومقاومتها العنيدة ستجعل من نصر نتنياهو المطلق مجرّد ادّعاء. وإذا كان هذا ما يؤمن به الفلسطينيون ففي إسرائيل والعالم من يؤمن به أيضاً.
إقرأ أيضاً: الغرب يُخيّر إيران.. الأذرع أم النّوويّ؟