شهرٌ كاملٌ مرّ على العدوان الإسرائيلي الجوّي ضدّ لبنان. لم يتمّ التوصّل إلى وقف لإطلاق النار، لم تعلن حالة الطوارئ، لم يتمّ انتخاب رئيس للجمهورية على الرغم من كلّ الضغوط، لم يلتئم مجلس النواب ضمن خطّة الطوارئ والتصدّي، ولم تنجح غرفة عمليات بيروت، عبر الأميركي، في منع العدوّ الإسرائيلي من الإسراف في توحّشه بالقتل والدمار ومن توغّله البرّي. على الرغم من كلّ ذلك، دُعي النواب أمس مع بدء العقد العاديّ الثاني إلى انتخاب أعضاء اللجان النيابية وهيئة مكتب المجلس.
طار نصاب الجلسة أمس وكان هذا أقلّ المتوقّع، لكنّ الحاضرين والمقاطعين خرجوا بزبدة أساسية من جلسة لم تحصل، وهي ما نقله نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب عن رئيس مجلس النواب من تأكيد “الدعوة فور انتهاء الحرب إلى جلسة انتخاب رئيس الجمهورية”.
صحيح أنّ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري مُلزِمة عملاً بأحكام الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، لكنّها عكست مزيداً من السوريالية على المشهد الداخلي الغارق في فوضى الحرب وتضاؤل فرص التسوية بوقف إطلاق النار، وأبعد من ذلك تفرّج دول العالم وقوى الداخل على “المشروع الإسرائيلي” الجاري تنفيذه لاقتلاع الحزب من “شلوشه” ببنيته العسكرية ومؤسّساته الأمنيّة والمالية والصحّية والاجتماعية وتهجير بيئته الحاضنة إلى أمدٍ لا أحد قادر على توقّع مدّته الزمنية في ظل تمادي العدوّ في جرف وتدمير بلدات وأحياء بأكملها من الضاحية الجنوبية إلى الجنوب والبقاع.
صحيح أنّ دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري مُلزِمة عملاً بأحكام الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، لكنّها عكست مزيداً من السوريالية على المشهد الداخلي
الحزب: off
آخر رسائل الحزب الموجّهة إلى الداخل والخارج معاً وسط تسارع الوساطة الاميركية تُرجِمت على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد: “الميدان هو الحَكم وله القول الفصل. وكُلّ كلام آخر بعيد عن هدف النصر على العدوّ، سواء مع موفدي الخارج أو مع أهل الداخل، يحسن تقنينه أو التريّث في بتّه وتقرير المُناسب إزاءه، لأنّ اللحظة الراهنة مُتغيّرة ومُتحرّكة”. موقفٌ تصعيدي يَعكس أيضاً إهمال الحزب لأيّ استحقاق داخلي من رئاسة الجمهورية ونزولاً، فكيف بمشاركة نوابه في جلسة انتخاب أو التجديد للّجان النيابية؟
أمّا التصعيد الأكبر فعكسه أمس مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب محمد عفيف حين أعلن تبنّي الحزب لعملية قيساريا التي استهدفت منزل نتنياهو وتأكيده السعي إلى أسر إسرائيليين والتفاوض عليهم.
فعليّاً قدّمت جلسة أمس التي لم يكتمل نصابها نموذجاً عن جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية تحصل تحت النار ومن دون وجود تسوية متّفق عليها مسبقاً
“نموذج” رئاسيّ
فعليّاً قدّمت جلسة أمس التي لم يكتمل نصابها نموذجاً عن جلسة لانتخاب رئيس الجمهورية تحصل تحت النار ومن دون وجود تسوية متّفق عليها مسبقاً، أو حتى جلسة للتمديد لقائد الجيش للمرّة الثانية غير متّفق عليها أيضاً.
لدواعٍ أمنيّة وفي ظلّ حالة الحرب لم يكن ممكناً حضور جميع نواب الحزب، ولأسبابٍ داخلية كان سيتَمنّع نواب “تكتّل لبنان القويّ” عن المشاركة في الجلسة اعتراضاً على التجديد لثلاثة نواب فصلوا واستقالوا من “التيّار الوطني الحر”، وهم أمين سرّ المجلس النائب آلان عون ورئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان ورئيس لجنة الشباب والرياضة سيمون أبي رميا. مع العلم أنّ التيّار خسر سلفاً في المعركة الرئاسية المقبلة أصوات هؤلاء إلى جانب نائب رئيس المجلس الياس بوصعب الذي كان أوّل المفصولين من التيّار، فيما تقدّم كلّ من سيمون أبي رميا وابراهيم كنعان باستقالتهما، إلا إذا تقاطعت المصالح على الاسم نفسه لرئاسة الجمهورية.
مخرج متّفق عليه
هذا المخرج كان متّفقاً عليه مسبقاً بين الرئيس نبيه بري والنائب جبران باسيل، لكنّ الاثنين، كما وليد جنبلاط، كانا في جوّ عدم اكتمال نصاب الجلسة الذي كان يتطلّب حضور 65 نائباً، فاستغلّ باسيل هذه الثغرة لتمرير رسالة ليلية تفيد بمقاطعته جلسة انتخاب اللجان.
مصادر نيابية: الرئيس بري حاذر تحويل الجلسة إلى منصّة لإطلاق الصواريخ المتبادلة بين النواب أو لحشر رئاسة مجلس النواب ونقل جدال الشارع والميدان إلى داخل البرلمان
قاطع أيضاً الجلسة معظم نواب المعارضة تحت عنوان انتخاب رئيس الجمهورية أوّلاً، فلم يحضر سوى 49 نائباً من ضمنهم نواب حركة أمل واللقاء الديمقراطي وكتلة الاعتدال وكتلة “القوات اللبنانية” ونواب التيّار السابقون، فيما عرّى بعض النواب مضمون الجلسة لجهة “انعقاد جلسة انتخاب لجان نيابية فيما هناك مليون نازح في الشارع، والمجلس عاجز عن عقد جلسة لمناقشة مسار الحرب، وعاجز عن انتخاب رئيس وعقد جلسة للهيئة العامّة منذ نحو عشرة أشهر…”.
هكذا لم تتمكّن “جلسة اللجان” من جمع 65 نائباً بتوافق سياسي مسبق، فبدت جلسة رئاسة الجمهورية التي تتطلّب نصاب 86 نائباً في كلّ الدورات أبعد وأعقد من أيّ وقت.
إقرأ أيضاً: هوكستين في رحلته الأخيرة: لقد قلت لكم.. ولم تصدّقوا
تقول مصادر نيابية في هذا السياق إنّ “الرئيس بري حاذر تحويل الجلسة إلى منصّة لإطلاق الصواريخ المتبادلة بين النواب أو لحشر رئاسة مجلس النواب ونقل جدال الشارع والميدان إلى داخل البرلمان، فكان القرار بتجاوز مطبّ جلسة التجديد للّجان، ومن ضمنه أزمة نواب التيّار، بإعلان هيئة مكتب مجلس النواب أمس اعتبار هيئة المكتب واللجان النيابية الحالية قائمة بجميع أعضائها الحاليين تماشياً مع سوابق عدّة آخرها عام 2019”.
لكنّ ما ساعد الرئيس بري على هذا المسار مقاطعة المعارضين للجلسة بالتزامن مع إطلاق نائب التيّار جبران باسيل صلية مواقف من شاشة “الحدث” أعاد من خلالها التموضع بشكل كامل بوجه الحزب محمّلاً إيّاه مسؤولية الحرب.
لمتابعة الكاتب على X: