روايتان في بيروت. واحدة “من الداخل”، تقول إنّ الشروط الإسرائيلية التي جاء بها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين باتت أصعب من الـ1701 بلاس. وأخرى تقول إنّ الرئيس نبيه برّي أجهض محاولة الـ”1701 +”. على الأرجح أنّ الأولى هي الحقيقية، والثانية لتطمينات محليّة. أو ربما هو العكس؟
أصبح الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين يعرف لبنان جيّداً. في تفاصيله وعلاقة القوى السياسية فيما بينها. لهذا قرّر أن يقوم بمهمّته الأخيرة في عهد الرئيس جو بايدن، قبل أسبوعين من الانتخابات الأميركية، فحمل معه عرضاً إلى لبنان، وفي سرّه كلام سابق: “لقد سبق أن حذّرتكم وقلت لكم يوماً إنّنا في واشنطن ما زلنا نستطيع أن نبرم اتفاقاً ولم تصدّقوا. وبعدها قلت لكم لم نعد نستطيع أن نضمن إسرائيل ولم تصدّقوا. واليوم تشهدون بأنفسكم حرباً ضروساً لن تتوقّف ما لم تنفّذوا شروطاً إضافية إلى القرار 1701. والقرار يعود إليكم. نجح هذا الاتّفاق أم لا، ستتعاملون في المفاوضات المقبلة مع إدارة أميركية مختلفة، إن كان الرئيس المقبل دونالد ترامب أو كامالا هاريس”.
فماذا عنى هوكستين بأنّ الـ1701 لم يعد كافياً؟
من على منبر عين التينة، حيث “The Boss”، كما سمّى آموس هوكستين الرئيس نبيه برّي في زيارة سابقة، عبّر عن رغبة بلاده في إنهاء النزاع بشكل كامل بين لبنان وإسرائيل، داعياً إلى الوصول إلى صيغة لوضع حدّ لهذا النزاع “لمرّة أخيرة”، وحثّ الجميع على أن يعرفوا أنّ “القرار 1701 يجب أن يطبّق كاملاً”.
لم تنتهِ زيارة هوكستين من دون أن يؤكّد رسالة بالغة الدلالة: “نحن بعيدون كثيراً ممّا كان يجب أن يُطبّق”، بل إنّ القرار الأممي الشهير لم يعد كافياً.
في معلومات “أساس” أنّ هوكستين يحمل معه آليّات جديدة لتطبيق القرار 1701، بما فيه القرار 1559 ومراقبة الحدود والمعابر البرّية والبحرية لمنع وصول أيّ سلاح للحزب
فماذا حمل المقترح الجديد؟
حمل هوكستين مقترحاً سبق أن حصل على موافقة إسرائيل، لكنّه يبدو صعباً جداً القبول به بالنسبة إلى الجانب اللبناني.
في معلومات “أساس” أنّ هوكستين يحمل معه آليّات جديدة لتطبيق القرار 1701، بما فيه القرار 1559 ومراقبة الحدود والمعابر البرّية والبحرية لمنع وصول أيّ سلاح للحزب.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ القرار 1701 يحمل الكثير من البنود التي لم تطبّق بعد. لكنّ ما يتحدّث عنه هوكستين من إضافات يتطلّب تفاوضاً على قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن الدولي، وبالتالي يحتاج إلى التصويت. وهذا القرار يفترض موافقة كلّ الدول الدائمة العضوية وعدم رفع أيّ منها الفيتو. وحتى الساعة تتحدّث مصادر غربية عن أن لا اتفاق على تعديل القرار ليصبح قراراً جديداً يُبنى على القرار السابق، فلا فرنسا ولا روسيا ولا الصين مستعدّة للقبول حتى الساعة بفرض قرار جديد قد يكون أقرب إلى الفصل السابع.
قالت مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ القرار 1701 يحمل الكثير من البنود التي لم تطبّق بعد.
أبرز الضمانات المطروحة لتطبيق القرار 1701
في المقابل تحدّث هوكستين في زيارته أمس عن “ضمانات مطروحة لتطبيق القرار 1701”. فما هي؟
- أوّلاً: إعطاء الحقّ لإسرائيل بالقيام باستمرار بطلعات جوّية فوق الأجواء اللبنانية. وبالتالي في حال حدوث أيّ أمر مريب بالنسبة لها ولم يتمكّن الجيش اللبناني أو قوات “اليونيفيل” من السيطرة عليه، تستطيع أن تتدخّل لحلّه.
- ثانياً: توسيع صلاحيات “اليونيفيل” وإعطاؤها الحقّ بمداهمة أيّ مكان من دون التنسيق مع الجيش اللبناني في حال وجدت فيه أمراً مشبوهاً، وهو ما حاولت إسرائيل فرضه في سنوات سابقة شرطاً للتمديد لـ”اليونيفيل”، ورفضه لبنان مراراً وتكراراً.
- ثالثاً: مراقبة المعابر كافّة، المطار والمرافئ والمعابر البرّية عبر قوات “اليونيفيل” أو الجيش اللبناني، وإقفال كلّ المعابر غير الشرعية، واستخدام كلّ وسائل المراقبة الممكنة لعدم إدخال السلاح غير الشرعي إلى لبنان.
هناك حراك عربي تمثّل بزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط للبنان، الذي يزور بيروت حاملاً معه أمراً ملحّاً، وهو انتخاب رئيس للجمهورية
خلاصة القول أنّ طرح هوكستين بعيد جداً عمّا عبّر عنه الرئيس نبيه بري قبيل وصوله ليل أمس الأوّل. لكنّه خاضع لمفاوضات لاحقة. وليس مفاجئاً أن لا يؤدّي إلى ترجمة حقيقية لوقف إطلاق النار والبدء بمسار سياسي جديد في البلد.
حركة عربيّة موازية لهوكستين
بموازاة هذه الزيارة هناك حراك عربي تمثّل بزيارة الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط للبنان، الذي يزور بيروت حاملاً معه أمراً ملحّاً، وهو انتخاب رئيس للجمهورية، تمهيداً للذهاب إلى مفاوضات لوقف إطلاق النار وملء الشواغر الدستورية.
في المقابل، تتبلور بين مصر والأردن والسعودية خريطة مساعٍ دبلوماسية من أجل مبادرة يُحضَّر لها بانتظار نضوجها. وهي ستكون مبادرة سياسية اقتصادية يمكن أن تشكّل خارطة عمل لانتخاب رئيس يحظى بدعم دولي وعربي للبدء بمسيرة النهوض وإعادة إعمار الجنوب وضاحية بيروت الجنوبية. هذا الكلام ليس لملء فراغ المشهد السياسي، بل هو حقيقي بقدر ما إرادة ورغبة القوى السياسية اللبنانية جدّيّتان. إن كانت جدّية فستصبح المبادرة ناضجة، وإن استمرّت بالمماطلة فسيستمرّ التدمير في طول البلاد وعرضها، من دون أيّ رادع وأيّ ضوابط.
مصادر “أساس” تتحدث ختاماً عن أنّ زيارة وزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن إلى المنطقة ستحمل معها طلباً واضحاً من واشنطن لتل أبيب بهدنة أسبوع
عين التينة: لقاء إيجابي ولا 1701+
في مقابل كل الكلام المرافق لزيارة هوكستين عما قاله علنا من أنّ تطبيق القرار 1701 من الطرفين لم يعد كافياً، كل المصادر التي خرجت من عين التينة كانت حريصة على التأكيد أنّ اللقاء كان إيجابياً وأنّ واشنطن تراجعت عن إضافاتها على 1701، على اعتبار أنّ برّي هو الوصيّ على “المقاومة” التي كلّفته التفاوض. لكّن مصادر خاصة بـ”أساس” وصفت هذه التسريبات بـ”الكلام الطبيعي الذي يصدر عن عين التينة في التوقيت والظرف الحاليين”. لكن أشارت المصادر في المقابل إلى أنّ بري عبّر لهوكستين عن “استعداد لبنان للذهاب إلى هدنة الـ21 يوماً، على أن يتم انتخاب رئيس في الأسبوع الأوّل من الهدنة. وبذلك يكون التفاوض سلك طريقه باتجاه وقف دائم لإطلاق النار دائم بين لبنان واسرائيل. وعبّر بري عن استعداده على أن يشرف شخصياً على ذلك”.
كلام برّي هذا ليس بعيداً عن كلام الرئيس نجيب ميقاتي الذي يعبّر دوما عن جهوزية لتطبيق كامل للقرار 1701 وانتخاب رئيس.
مصادر مواكبة للمواقف اللبنانية بين عين التينة والسراي الحكومية تتحدث عن أنّ اعترض ميقاتي على الموقف الإيراني الأخير لم يكن ليصدر من دون تنسيق مع الرئيس برّي، الذي ما زال يمسك العصا من الوسط، قبل أن يتّجه حكماً إلى لبننة الحرب مع اسرائيل، وإعادة لبنان على السكة العربية الدولية”.
إقرأ أيضاً: الحزب على “الخطّ الآمن”: أنظروا إلى الميدان
هوكستين وبلينكن: هدنة ورئاسة
مصادر “أساس” تتحدث ختاماً عن أنّ زيارة وزير خارجية أميركا أنطوني بلينكن إلى المنطقة ستحمل معها طلباً واضحاً من واشنطن لتل أبيب بهدنة أسبوع للبناء على الشيء مقتضاه ولوقف الحرب. خصوصاً أنّ تل أبيب نفسها بدأت تتحدث عن دخولها المرحلة الأخيرة من الحرب في لبنان.
وبالتالي بين هوكستين وبلينكن، والمساعي العربية، هدنة ورئاسة ورئيس… وللحديث تتمة.
لمتابعة الكاتب على X: