يحيى السّنوار: من الأسر إلى الشهادة..

مدة القراءة 6 د

يلخّص يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في سيرته ومسيرته وحياته، سيرة الفلسطيني على سطح هذا الكوكب، أو سيرة غالبية الفلسطينيين الغالبة. باختصار شديد، وُلد في مخيّم للنازحين بعيداً عن قرية أجداده، وفتح عينيه على أرض أجداده من دون أن يتمكّن من اللعب والتنقّل فوق ترابها، ودرس في مدارس الأونروا، ثمّ التحق بالجامعة ليتخرّج منها مباشرةً إلى الاعتقال في السجون الإسرائيلية وخرج بعدها إلى العمل الفدائي ثمّ استشهد في أرض المعركة.

 

سواء اتّفق المرء مع السنوار أو اختلف، لا مناصّ من أن يشهد له بأنّه كان صاحب قضيّة منذ ميلاده حتى استشهاده، فقد قُتل وهو يقاتل في أرض المعركة، وبعد اشتباك مباشر بالرصاص الحيّ وربّما بغيره، حسب الصحف والأخبار الإسرائيلية.

إذا كان الغموض يلفّ أجزاءً من حياة قادة العمل العسكري والأمني وحتى السياسي الفلسطينيين، فإنّ الوضوح الشديد سمة غالبة على حياة السنوار ومسيرته. حتى الغموض الذي أحاط بمكان إقامته منذ ما قبل السابع من أكتوبر، لم يكن غموضاً حقيقياً، فالمعروف والمؤكّد أنّه كان في غزة، أو تحت غزة، في أنفاقها التي حفرتها حركة حماس.

يلخّص يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، في سيرته ومسيرته وحياته، سيرة الفلسطيني على سطح هذا الكوكب، أو سيرة غالبية الفلسطينيين الغالبة

لا شيء مفاجئاً في حياة السنوار ومسيرته، إلا ربّما استشهاده، إذ تبيّن ممّا أعلنته صحف إسرائيل وإذاعاتها ومحطّاتها التلفزيونية أنّه لم يكن متوارياً عن الأنظار في الأنفاق، أو مختبئاً فيها، بل كان ثابتاً على أرض المعركة يتنقّل بين مناطق غزة وأحيائها وشوارعها وأزقّتها وركام وأنقاض أبنيتها، يقاتل بسلاح عدوّه وجهاً لوجه. وهذه تُحسب له وإن حسب البعض عملية “طوفان الأقصى” عليه.

أكتوبريّ بامتياز

من المفارقات في حياة السنوار ومسيرته أنّه وُلد في شهر أكتوبر، ووصل إلى مجده أو قام بأخطر عمل في حياته في أكتوبر وفي أكتوبر استُشهد!

هو يحيى إبراهيم حسن السنوار. وُلد في 29 أكتوبر 1962 في مخيّم خان يونس. تعود أصوله إلى مجدل عسقلان المحتلّة، وقد نزح عنها أهله عام 1948 واتّخذوا من مخيّم خان يونس مسكناً لهم. في المخيّم وُلد يحيى وعاش، وفي مدارسه تعلّم حتى أنهى دراسته الثانوية، ثمّ التحق بالجامعة الإسلامية في غزّة، وتخرّج منها بعدما حصل على درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها. برز منذ صغره ولمع في صفوف الجامعة حيث عمل في مجلس الطلاب خمس سنوات، واختير ليكون أميناً للّجنة الفنّية، واللجنة الرياضية، ثمّ نائباً للرئيس، فرئيساً للمجلس ثمّ نائباً للرئيس مرّةً أخرى. لا معلومات دقيقةً حول التحاقه بحركة حماس، وإن كانت الأحاديث والأخبار تُجمع على أنّه واحد من أبنائها ومؤسّسيها، أي أنّه من رعيلها الأوّل، وربّما اقترب منها ومن مؤسّسها الشيخ أحمد ياسين وهو بعد في الجامعة، أو قبل ذلك وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، إذ اتّهمته إسرائيل بالمشاركة في تأسيس الجهاز العسكري الأوّل للحركة “المجاهدون الفلسطينيون”، وهو على مقاعد الدراسة.

من المفارقات في حياة السنوار ومسيرته أنّه وُلد في شهر أكتوبر، ووصل إلى مجده أو قام بأخطر عمل في حياته في أكتوبر وفي أكتوبر استُشهد!

يقال إنّه اقترح على الشيخ ياسين، زعيم الحركة ومؤسّسها، بعض الأفكار المتعلّقة بتعزيز الجانب الأمنيّ للمقاومة من خلال القضاء على جميع أدوات الاحتلال، أي العملاء والجواسيس، فكان له ذلك من خلال تأسيسه مجموعة من العناصر هدفها مطاردة العملاء (وهو مصطلح فضفاض يشمل المتعاونين مع إسرائيل كما يشمل “الكفّار” أو غير الملتزمين دينياً).

تحوّلت هذه المجموعة لاحقاً لتكون نواة “جهاز مجد”، وهو جهاز الأمن الداخلي لحركة حماس، وقد تطوّر عمله مع الوقت وتوسّع ليشمل مطاردة الضبّاط والجنود الإسرائيليين واقتفاء آثارهم وأخبارهم وأخبار الأجهزة الأمنية الإسرائيلية. لم يدُم عمله طويلاً، إذ سرعان ما اعتقلته إسرائيل للمرّة الأولى عام 1982، لمدّة أربعة أشهر، قبل أن تعتقله مجدّداً بعد ثلاث سنوات، عام 1985، لمدّة ثمانية أشهر، ثمّ بعد ثلاث سنوات أخرى، عام 1988، لكن هذه المرّة لمدّة 23 سنةً، بتهم كثيرة منها تهمة قتل وتعذيب أربعة فلسطينيين متعاونين مع الاحتلال.

بين سجنين

في السجن تعلّم السنوار اللغة العبرية وأتقنها بطلاقة، وكان طوال سنوات سجنه مدمناً على متابعة القنوات الإسرائيلية، ومواظباً على قراءة الدراسات والكتب العبرية، حتى عرف الكثير عن الكيان الإسرائيلي، والشخصية الإسرائيلية بمختلف أبعادها، خاصةً النفسية منها. واللافت أنّه كتب في السجن روايةً تحمل اسم “الشوك والقرنفل” عام 2004، وهي رواية تصوّر الحياة الفلسطينية بين نكسة عام 1967 وانطلاق الانتفاضة الثانية عام 2000.

في السجن تعلّم السنوار اللغة العبرية وأتقنها بطلاقة، وكان طوال سنوات سجنه مدمناً على متابعة القنوات الإسرائيلية، ومواظباً على قراءة الدراسات والكتب العبرية

عام 2011، تمّ الإفراج عنه في إطار صفقة تبادل سلّمت بموجبها حركة حماس الأسير الإسرائيلي لديها جلعاد شاليط، مقابل إطلاق سراح 1,027 أسير فلسطيني كان من بينهم السنوار. لكنّه عملياً خرج من سجنه الصغير إلى سجن أكبر قليلاً اسمه قطاع غزة. فور خروجه من السجن، عاد السنوار ليمارس نشاطه عضواً في المكتب السياسي لحماس ويتدرّج في العملين السياسي والعسكري-الأمنيّ، حتى انتُخب عام 2017 للمرّة الأولى رئيساً للمكتب السياسي للحركة وأُعيد انتخابة مجدّداً عام 2021، ثمّ عام 2024 خلفاً لرئيس الحركة الذي اغتالته إسرائيل في طهران في العام نفسه.

في مسيرة السنوار السياسية محطّات ومواقف لافتة، منها تبنّيه عام 2017 خيار “المقاومة الشعبية السلمية”، ثمّ انقلابه على هذا الخيار بعد أيام قليلة. ومنها تحدّيه وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأن يغتاله معلناً في مؤتمر صحافي منقول على الهواء مباشرةً، أنّه سيخرج إلى منزله من المؤتمر سيراً على الأقدام معطياً بيني غانتس 60 دقيقةً لتنفيذ تهديده. وقد خرج السنوار بالفعل سيراً على الأقدام وأمام عدسات الكاميرات وتجوّل في غزة لمدّة ستّين دقيقةً التقط خلالها كثيرون الصور معه.

لكنّ المحطّة الأبرز في تاريخ السنوار هي عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها كتائب عزّ الدين القسّام على غلاف غزة وقتلت وأسرت عدداً من المواطنين والجنود الإسرائيليين لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين، إلا أنّ رياح إسرائيل هبّت بغير ما تشتهي سفن حماس أو السنوار الذي يُعدّ العقل المدبّر للعملية حسب إسرائيل.

إقرأ أيضاً: قُتل في طهران قبل أن يموت في غزّة

أيّاً كان الموقف من يحيى السنوار، سواء اختلف معه المرء أو أيّده في ما ذهب إليه، يبقى أنّه شخصية مميّزة لها طابعها الخاص، وقد جمع في شخصه العديد من التناقضات: السياسة والعسكر والأمن، والسلاح والقلم، والوضوح والغموض، واللغتين العربية والعبرية اللتين أتقنهما، والعنف والأدب… إلخ. ويبقى أنّه كان صادقاً، فقد قدّم حياته دون ما سعى إليه، وقضى وهو يحمل سلاحه ويقاتل. ويبقى أيضاً أنّ إسرائيل اغتالته صدفةً، دون أن تتمكّن من الوصول إليه ومعرفة تفاصيل إقامته وتحرّكاته. إنّه قدره. إنّه قدر الفلسطينيّ.

لمتابعة الكاتب على X:

@jezzini_ayman

مواضيع ذات صلة

مع وليد جنبلاط في يوم الحرّيّة

عند كلّ مفترق من ذاكرتنا الوطنية العميقة يقف وليد جنبلاط. نذكره كما العاصفة التي هبّت في قريطم، وهو الشجاع المقدام الذي حمل بين يديه دم…

طفل سورية الخارج من الكهف

“هذي البلاد شقّة مفروشة يملكها شخص يسمّى عنترة  يسكر طوال الليل عند بابها ويجمع الإيجار من سكّانها ويطلب الزواج من نسوانها ويطلق النار على الأشجار…

سوريا: أحمد الشّرع.. أو الفوضى؟

قبل 36 عاماً قال الموفد الأميركي ريتشارد مورفي للقادة المسيحيين: “مخايل الضاهر أو الفوضى”؟ أي إمّا القبول بمخايل الضاهر رئيساً للجمهورية وإمّا الغرق في الفوضى،…

السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

 لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس…