شكّل موقف نائب “كتلة الوفاء للمقاومة” حسين الحاج حسن أخيراً على قناة “الجزيرة” الموقف العلني الأوّل والأكثر وضوحاً وتمايزاً عن موقف الحزب العامّ الذي عَكَسه أمينه العامّ في خطابه الأخير بعد مجزرة “البيجر” وموقف وزير الخارجية الإيراني عبّاس عرقجي وزبدتهما التمسّك بوحدة الساحات بين غزة وبيروت. فعليّاً، وفي مقابل الجحيم الإسرائيلي المتنقّل في المناطق لا شيء يعلو فوق صوت الدعوة إلى وقف إطلاق النار فوراً، لكنّ إسرائيل تبدو ماضية في مخطّطها بتصفية الحزب هيكلية وقادة وبنى تحتية عسكرية وتهجير “البيئة الحاضنة“.
في ردّه على سؤال حول استعداد الحزب لفصل مسار غزة عن جبهة لبنان قال الحاج حسن: “بالنسبة إلينا الأولويّة لوقف إطلاق النار ونحن منفتحون على أيّ بحث يمكن أن يجري بعد وقف إطلاق النار”، مذكّراً بـ “موافقة لبنان الرسمي على بيان نيويورك، لكنّ المشكلة تكمن عند الإسرائيلي والأميركي”.
بالتأكيد، لا يبدو الأميركي والإسرائيلي بوارد دفع الحزب لالتقاط أنفاسه، خصوصاً أنّ مسار المواجهات البرّيّة على الحدود يعكس وجود مقاومة صلبة وسيطرة مؤثّرة في الميدان بعد النكسات الخطيرة والضربات غير المسبوقة التي تعرّض لها الحزب بفاصل زمني متسارع ومتتالٍ، وأخطر أوجهها مجزرة البيجر وأجهزة اللاسلكي واغتيال كبار قادته على رأسهم السيّد حسن نصرالله وملاحقة أيّ خليفة له والاستمرار بمخطّط ضرب بنيته العسكرية التحتية وارتكاب مجازر “لايف على الهواء” تطال المدنيين والمسعفين وتدمير أحياء وشوارع بكاملها و”حرق الضاحية”.
بين نيويورك والضّاحية
وفق معلومات “أساس” يمكن ترتيب المشهد السياسي فوق بركان الدم الذي يفجّره العدوّ الإسرائيلي في الضاحية والبقاع والجنوب بناءً على المعطيات الآتية:
ينصّ إعلان نيويورك حرفيّاً على “وقفٍ فوريّ لإطلاق النار لمدّة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية لتوفير مساحة للدبلوماسية للتوصّل إلى تسوية
1- ينصّ إعلان نيويورك حرفيّاً على “وقفٍ فوريّ لإطلاق النار لمدّة 21 يوماً عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية لتوفير مساحة للدبلوماسية للتوصّل إلى تسوية تتّفق مع قرار مجلس الأمن رقم 1701، وتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2735 بشأن وقف إطلاق النار في غزة. وندعو جميع الأطراف، ومن بينها حكومتا إسرائيل ولبنان، إلى تأييد وقف إطلاق النار المؤقّت على الفور بما يتوافق مع قرار مجلس الأمن رقم 1701 خلال هذه الفترة، وإعطاء فرصة حقيقية للتوصّل إلى تسوية دبلوماسية.”
بعد سقوط القرار الأممي بضربة نتنياهو وبغطاء أميركي، وهو قرار يكرّس ربط النزاع مع غزة في مرحلته الثانية بعد وقف إطلاق نار مؤقّت على الحدود بين لبنان وإسرائيل، انتقل لبنان الرسمي، بجناحَيه بري-ميقاتي، إلى المطالبة بوقف إطلاق النار الفوري من دون ربطه بغزة، بل الشروع، وفق بيان عين التينة، “في الخطوات التي أعلنت الحكومة اللبنانية التزامها بها لتطبيق القرار 1701 وإرسال الجيش اللبناني إلى منطقة جنوب الليطاني، ليقوم بمهامّه كاملة بالتنسيق مع قوات حفظ السلام في الجنوب”.
هذه المطالبة، التي كرّرها ميقاتي أمس بعد “ليلة الجحيم” في الضاحية الجنوبية، حظيت بموافقة الحزب التي عبّر عنها بوضوح النائب حسين الحاج حسن، لكن ما عدا ذلك لم يكشف الحزب أوراقه تجاه حدود الالتزام بتطبيق 1701 ولا آليّة انتشار الجيش جنوباً ولا موقف الحزب في حال تزايد وتيرة التصعيد بين إسرائيل وإيران. واستطراداً لا كلام راهناً في الرئاسة والمرشّحين، خصوصاً بعد التسويق الواضح الأميركي- الفرنسي أخيراً لاسم قائد الجيش العماد جوزف عون.
يؤكّد مطّلعون أنّه مع تضعضع قيادة الحزب وعدم تشكيل “مرجعية” حصرية حتى الآن تتكلّم باسم الحزب فإنّ الحزب ليس بوارد فتح أيّ نقاش رئاسي
لوم الحزب
2- أكّدت معلومات “أساس” أنّ اللوم الأساس الذي وجّهه الحزب بطريقة غير مباشرة لرئيس الحكومة، ومن خلفه ربّما للرئيس برّي، يتعلّق بالأسلوب الذي اعتمده ميقاتي بطرح المقاربة الثلاثية بوقف إطلاق النار وتنفيذ الـ 1701 ونشر الجيش جنوب الليطاني. وقد شكّلت مداخلة وزير الثقافة محمد بسام مرتضى، الأقرب إلى الحزب، في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة الدليل القاطع على ذلك، إذ وجّه لوماً مباشراً لرئيس الحكومة بسبب إظهاره نوعاً من الضعف في تظهير الموقف اللبناني، الأقرب إلى ما يشبه الاستسلام وكشف جميع الأوراق دفعة واحدة، في الوقت الذي قد “تُظهِر المقاومة معطيات على الأرض لمصلحة لبنان وربّما تلقّن الإسرائيلي درساً على الحدود يُبخّس تفوّقه في الجوّ”، كما قال مرتضى. وفق المعلومات، لم تلقَ مداخلة مرتضى “القاسية” التي أصغى إليها الوزراء باهتمام أيّ ردّ من رئيس الحكومة. بعدها تلقّى مرتضى أكثر من رسالة على الواتساب تشيد بكلمته “التي ترفع المعنويات”.
ميقاتي ليس السّنيورة
3- بعد جريمة اغتيال إسرائيل للسيّد حسن نصرالله في 27 أيلول عقدت الحكومة جلسة في اليوم التالي ثمّ جلسة في يوم الأربعاء 2 تشرين الأول أظهر خلالهما وزيرا الحزب علي حمية وإبراهيم بيرم استيعاباً للصدمة وهدوءاً وحاذرا فتح أيّ سجال مع رئيس الحكومة أو توجيه ملاحظات له، بل كان واضحاً التنسيق في موضوع خطّة الطوارئ وإيواء النازحين وحماية مطار بيروت. بالتأكيد لا أوجه شبه إطلاقاً هنا مع تجربة وزراء الثنائي الشيعي مع الرئيس فؤاد السنيورة. في هذا السياق، يتقاطع معظم الوزراء على تقدير جهد ميقاتي-بري في هذه الظروف التاريخية والاستثنائية، ويرون أنّ رئيس الحكومة أمام مفترق خطير وحسّاس لا يمكن التعاطي معه إلا بمسؤولية عالية مع تفهّم لبعض الضعف الذي يُظهره “حماية للبنان من مزيد من المجازر الإسرائيلية”.
أكّدت معلومات “أساس” أنّ اللوم الأساس الذي وجّهه الحزب بطريقة غير مباشرة لرئيس الحكومة، ومن خلفه ربّما للرئيس برّي، يتعلّق بالأسلوب الذي اعتمده ميقاتي
باسيل يهادن
4- تؤكّد المعطيات أنّ حرب إسرائيل على لبنان أعادت تقليص المسافات بين الحزب والنائب جبران باسيل الذي أكّد على مناصريه ومؤيّديه بعدم إطلاق أيّ موقف سلبي تجاه الحزب راهناً، بل إظهار اتّكال الداخل على الميدان لتعديل ميزان القوى مع إسرائيل. وفق المعلومات لا تواصل يعوّل عليه حالياً بين الطرفين، لكنّ قناة معيّنة سمحت بتنسيق غير مباشر بينهما في شأن بقاء قاطني المناطق المسيحية الحدودية في بيوتهم على الرغم من إنذارات العدوّ الإسرائيلي بالإخلاء. وقد تولّى باسيل التواصل مع السفير البابوي في لبنان للضغط من أجل تحييد هؤلاء عن أيّ استهداف لهم مع تأييد من باسيل والحزب معاً لعدم تركهم مناطقهم ومنع حصول أيّ فتنة. القوات اللبنانية تسعى أيضاً لذلك لكن من منطلق حسابات سياسية مختلفة تماماً.
إقرأ أيضاً: ما حدود التّفويض الذي منحه السّيّد لبرّي؟
5- يؤكّد مطّلعون أنّه مع تضعضع قيادة الحزب وعدم تشكيل “مرجعية” حصرية حتى الآن تتكلّم باسم الحزب شبيهة بمرجعية نصرالله فإنّ الحزب ليس بوارد فتح أيّ نقاش رئاسي، لكنّ القريبين منه، وحتّى من دون اتّكائهم على معلومة من جانبه، يجزمون بأنّ “انتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية لن يكون ضمن خيارات الحزب في الداخل مهما كانت نتائج الحرب، ومجرّد تسويقه أميركياً سيكون بمنزلة مرشّح تحدٍّ له، وأمّا مسيحياً فسيقوم جبران باسيل بالواجب في الضغط لمنع وصوله إلى قصر بعبدا. ولناحية الرئيس برّي فعارفوه ينقلون عنه كلمته الشهيرة: “اكتويت من العسكر”.
لمتابعة الكاتب على X: