العبثيّة، ثيمة تكرّرت في روايات الياس خوري بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. عبثيّة إمّا نحن نخوضها لتحرير الأرض والثورة على الجلّاد غير آبهين بحياتنا كأفراد، وإمّا يديرها الآخرون باسمنا كما يحصل في لبنان في حربه مع إسرائيل.
لكنّ ما يحصل اليوم في الحرب الإسرائيلية الدائرة من غزة إلى بيروت تخطّى العبثيّة إلى أدب الديستوبيا… مشاهد الفوضى والدمار والقتل والقمع والتحكّم تحيلنا إلى إعادة قراءة أدب الياس خوري الذي لا يمكن حصره نظراً لتنوّعه وتعدّد قضاياه من فلسطين إلى الحرب الأهلية اللبنانية إلى بيروت والفرد والمكان والأنظمة الشمولية الغازية والمحتلّة.
ما يحصل اليوم في الحرب الإسرائيلية الدائرة من غزة إلى بيروت تخطّى العبثيّة إلى أدب الديستوبي
“وجوه” المدينة “البيضاء”
عبثيّة وديستوبيا تحيلاننا اليوم إلى رواية الياس خوري “الوجوه البيضاء” (1981)، حيث المدينة أو المكان تائه مشوّه مظلم ولا يعرف الفرد فيه المجرم من البريء، ولا الفاسد من المناضل، ولا المقاوم من المرتزق. مدينة تائهة هائمة يتداخل فيها اللاوعي الفردي باللاوعي الجماعي، حيث المكان (وهو عند الياس خوري بيروت والقدس ويافا وحيفا وكلّ فلسطين، ومعها دمشق وبغداد ومصر) مهدّد بالتمزّق والانقسام والتشتّت. وهي أمور حاربها خوري المثقّف الوجودي والمفكّر الطليعي النهضوي والناشط السياسي الحرّ، في مقالاته ورواياته وفي مبادراته الخلّاقة على الأرض. فلم تغِب بيروت مدينته عن أدبه، وأصرّ خلال الحرب على ترسيخ مشروع ثقافي نهضوي فيها مخالف للسائد الطائفي ورافض للأحزاب اليمينية ورافض للاحتلال وللوجود السوري في لبنان.
مشروع ثقافيّ عربيّ
كان صاحب “الجبل الصغير” و”رحلة غاندي الصغير” و”يالو” صاحب مشروع ثقافي وسياسي توعويّ. وحقّق ذلك في عزّ الحرب عندما عاد إلى البلاد في 1983 ليكون مدير “مسرح بيروت”، ثمّ رئيسَ تحريرٍ لـ “ملحق النهار الأدبيّ” حيث خلق مساحة حرّة لعشرات الكتّاب والكاتبات والمعارضين والثوريين، وخصوصاً الشباب منهم، في لبنان وسوريا والعالم العربي.
أراد أن تكون حرّية التعبير مقدّسة ولا شيء يعلو فوق الكلمة. فتح المجال للإبداع والتعبير لكثيرين يوم كان الموقف خطراً على صاحبه. أدار الملحق بأن أعطى الحرّية الكاملة للكتّاب للتعبير عن رأيهم وخلق صلة تواصل لبناء منظومة ثقافية ضدّ الديكتاتوريات والرقابات. وهدف إلى الدفاع عن المظلومين والتزام قضايا سياسية محقّة من فلسطين إلى سوريا ولبنان والعراق وما بينها. فكما قال المفكّر والكاتب أحمد بيضون “الياس لا يعدّ ولا يحصى”.
كان صاحب “الجبل الصغير” و”رحلة غاندي الصغير” صاحب مشروع ثقافي وسياسي توعويّ. وحقّق ذلك في عزّ الحرب عندما عاد إلى البلاد في 1983 ليكون مدير “مسرح بيروت”
سيرة اللّبنانيّ الفلسطينيّ السّياديّ
سيرة الياس خوري الغنيّة المتنوّعة والمتشعّبة هي رواية بحدّ ذاتها.. رواية اللبناني الهويّة والفلسطيني الهوى والسوريّ الروح، رواية شاهدة على حروب ونكبات وموجات نزوح وإبادات جماعية لا تحصى.
هي سيرة ناصعة ملحمية التزم فيها الموقف الإنساني، سواء في مقالاته أو نشاطه السياسي أو في رواياته (باب الشمس، اسمي آدم، نجمة السماء، رجل يُشبهني) أو في خلق وعي سياسي.
بنى جسوراً للنقاش والتفكير في قضايا سياسية وثقافية لنصرة الحقّ والعدالة والحرّية. وكان فنّاناً في إعلاء الصوت وعدم الرضوخ مُعطياً صوتاً للمنافي وللّاجئين الواقعين في البير وللحدود المتلاشية وللهويّات المتغيّرة وللمطالب الجذريّة وللّغات الجديدة.
بعد أسبوع على غياب الياس خوري وعدم استيعاب أصدقائه وزملائه الكتّاب من مصر إلى السعودية والكويت وعُمان إلى العراق وسوريا ولبنان، رحيله، وبعد جماهيرية لمسناها عبر الصحف وصفحات السوشيل ميديا، “أساس” يسأل من أيّ باب دخلت جماهيريّة الياس خوري العالم العربيّ؟
و12 مثقّفاً وكاتباً عربيّاً يجيبون.
في الجزء الأوّل من هذه التحية، يكتب كلٌّ من: شيرين أبو النجا وسيف الرحبي وسيّد محمود وابراهيم عبد المجيد وعلي بدر.
يمكننا القول إنّ خوري لم يُدرس بشكل كافٍ ولم يُدرس بشكل كامل. وفي رأيي أنّه كان يتطوّر وكان لديه حبّ المغامرة والتجريب الشديد في الكتابة
شيرين أبو النّجا: نظرته إلى الآخر سحرت طلّاب الأدب العربيّ
تعتبر الدكتورة في الأدب الإنكليزي في جامعة القاهرة شيرين أبو النجا أنّ لانتشار اسم الياس خوري في مصر وتوسّع جماهيريّته سببين: الأوّل مباشر هو تحويل رواية “باب الشمس” التي صدرت في عام 1998 إلى فيلم مع المخرج يسري نصرالله عام 2004. والفيلم كانت طبيعته جديدة على السينما المصرية أو تحديداً في صالات السينما المصرية، سواء من حيث الإنتاج المتعدّد الجنسيّات أو الممثّلين. إنّها صورة غير معهودة، وموضوع غير مطروق من قبل. ويسري نصرالله المخرج، وهو معروف بتقدّميّته وجرأته وقدرته على التجريب والمغامرة، هو الذي اختار النصّ واقترح تحويله إلى فيلم. وهو الوحيد الذي كان يمكن أن يأخذ هذه المبادرة وينجح فيها.
ترى الناقدة والروائية المصرية أنّ السبب الثاني غير مباشر ويؤدّي إلى نتائج عبر التراكم، وهو انتعاش أقسام الأدب العربي أوّلاً في أميركا الشمالية، ثمّ أوروبا، ثمّ العالم العربي. فطوال الوقت تتمّ دراسة الأدب العربي عبر عيون الآخر. ولكن الآن أقسام الأدب العربي في الجامعات العربية أصبحت منتعشة وقادرة على مواكبة الساحة الإبداعية الراهنة.
عمدت أقسام الأدب العربي في العالم إلى دراسة الياس خوري، وليس هو وحده طبعاً، بل هناك أسماء حداثية عربية أخرى كثيرة، بعدما كنّا ندرس فقط الأدب الكلاسيكي وأدب عصر النهضة . من هنا بدأ الجمهور يتعرّف على الياس خوري: ناحية من ساحات الجامعات وأقسام الأدب العربي، وناحية من الصورة والسينما.
يمكننا القول إنّ خوري لم يُدرس بشكل كافٍ ولم يُدرس بشكل كامل. وفي رأيي أنّه كان يتطوّر وكان لديه حبّ المغامرة والتجريب الشديد في الكتابة.
أعتقد أنّ الكتابة وصلت إلى مداها في رواية “أولاد الغيتو، اسمي آدم”، حيث نسمع صوتين، صوت ابن الغيتو والصوت الفلسطيني. وهي حالة تدخل في ما يشبه (وليس تماماً) أدب المعارضة . النظر إلى الآخر ومحاولة فهم رؤية الآخر، وهذه نقطة كان محمود درويش يكتب عنها طوال الوقت وكان مهموماً بها. وخوري قام بتقديم ديوان محمود درويش الأخير، أي أنّ درويش ليس غريباً على خوري. هي منظومة فكرية كاملة تبدأ من فلسطين أو القضية الفلسطينية وتبني أفكارها على هذا الأساس، وتُنتج معارفة من داخل هذه القضية ومن داخل الإشكاليات وهذا الحصار. وهنا تكمن براعة إنتاج أفكار من داخل الحصار.
يعتبر الرحبي أنّه ليست لإلياس خوري جماهيرية واسعة بمعنى الشعبية النمطية المتّبعة في العالم العربي، بل لديه جماهير نوعية لأنّ قراءته ليست سهلة
سيف الرحبي: عمق دلاليّ وجماليّ وقرّاء نوعيّون
يرى الكاتب العُماني ورئيس تحرير مجلّة “نزوى” سيف الرحبي أنّ الياس خوري بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي يشقّ طُرقه الإبداعية المتعدّدة الخاصة، حافراً في مشهد الثقافة العربية مقاله المختلف نصّاً مكتوباً وموقفاً وطنيّاً وإنسانياً نبيلاً تجلّى في وقوفه الحازم إلى جانب قضايا الشعوب المحتلّة والمضطهَدة وفي مقدَّمها القضيّتان الفلسطينية واللبنانية في حروبها الكثيرة وسلمها القليل، بجانب بداياته الروائية عن “علاقات الدائرة” و”أبواب المدينة” تلك الرواية الكابوسيّة بامتياز، وحتى “الوجوه البيضاء” الشهادة الأكثر سطوعاً على الحرب اللبنانية الدامية وغيرها من الروايات التي تندرج في هذا السياق، إلى “باب الشمس” ملحمة الشتات الفلسطيني.
يعتبر الرحبي أنّه “ليست لإلياس خوري جماهيرية واسعة بمعنى الشعبية النمطية المتّبعة في العالم العربي، بل لديه جماهير نوعية لأنّ قراءته ليست سهلة، لا نقداً ولا رواية، وحتى مقالته الصحافية غير سهلة إلا لقرّاء معيّنين. لكنّ نتيجة للعمق الدلالي والجمالي في أدبه، على الرغم من القسوة وعلى الرغم من أنّه يعالج مواضيع جدّيّة جداً، ثمّة جماليّات وطرائق خاصّة جداً لإلياس جعلت دائرة قرّائه النوعيّين تتّسع أكثر من غيره ويتعاطون معه بصدق أكبر. هذا إلى جانب مواقفه الأخلاقية والوطنية والإنسانية”.
يقول: “بالنسبة لي شخصياً بدأت قراءته من بلاد الشام حين كنت أعيش في سوريا من أواخر السبعينيات إلى 1984، وكنت أتنقّل بين بيروت والشام… ففي هذه الفترة كان خوري محدود القراءة عربياً، وفيما بعد اتّسعت رقعة القراءة لتكون عربية وعالمية أيضاً. فهو مقروء عالمياً بصورة جيّدة وجدّية في أوروبا والولايات المتحدة”.
حول موجات خطاب الكراهية والعداء ضدّ الياس خوري التي ظهرت من جمهور الممانعة عبر السوشيل ميديا، يعلّق سيف الرحبي: “من ناحية العداء، فثمّة أعداء لكلّ ما هو خيّر وإنساني وعميق. وهذا موجود على مرّ التاريخ. ولا ننسى الاستقطابات الأيديولوجيّة التي تتسلّل إلى الأدب والتي يسمو عليها الأدب أصلاً والإبداع الحقيقي. لكنّ الأيديولوجية أيضاً عبر عناصر وناس معيّنين تخترق ساحة الأدب والإبداع وتعمل فيها تمزيقاً وخصاماً وتنقل إليها أمراض السياسة وانحطاط الواقع”.
يصف الرحبي مسيرة خوري بالحافلة بكتابات نوعية في النقد الأدبي الشعري والروائي بجانب مسؤوليّاته الصحافية والتحريرية في مؤسّسة الدراسات الفلسطينية وملحق النهار الثقافي. وهي مسيرة حافلة بغزارة العطاء والثراء الإبداعي بكلّ تجلّياته، وأسهمت جوهرياً في تطوّر الكتابة والوعي العربيّين، مسيرة على نحو من الاستمرار والتدفّق والحيوية حتى اللحظة الأخيرة التي يلوح فيها شبه الغياب الحتميّ والموت. ظلّ يكتب من سرير المرض وسط جلبة الجراح والأنين. تفتقده بلاد الشام عامّة ولبنان وفلسطين كما الساحة العربية المستباحة.
الرحمة على روحه النقيّة التي أبقت على أمل الإنسان والكتابة حتى في أحلك الظروف الوحشية التي تمرّ بها البلاد والعالم.
يصف الرحبي مسيرة خوري بالحافلة بكتابات نوعية في النقد الأدبي الشعري والروائي بجانب مسؤوليّاته الصحافية والتحريرية في مؤسّسة الدراسات الفلسطينية وملحق النهار الثقافي
سيّد محمود: جماهيريّة مصريّة شبابيّة
يمكن قراءة جماهيرية الياس خوري في مصر عبر مستويين من التّلقّي، بحسب الكاتب والناقد المصري سيّد محمود. الأوّل هو تلقٍّ مرتبط بجيل الستّينيات الذي ينتمي إليه خوري نفسه. وهذا الجيل كان على صلة بالراحل ومساره النضالي والفنّي.
هذا الجيل لأسباب تتعلّق بظروف السنّ وظروف الحياة والموت والمرض، لم يعد له التأثير القويّ نفسه كما كان في السابق، نتيجة أنّ نجوم هذا الجيل مثل جمال الغيطاني وصنع الله إبراهيم وغيرهما من الأسماء الكبيرة إمّا وافتهم المنيّة أو انزووا لأسباب صحّية، وبالتالي لم يكن لهم تأثير مباشر.
لكن مع صعود الجوائز الأدبية أصبح هناك جيل من القرّاء أقلّ تركيزاً على الكتّاب المصريين وصار مهتمّاً بالتعرّف على الأصوات العربية، والياس خوري هو واحد من هذه الأصوات. ولا شكّ أنّ فيلم “باب الشمس” في عرضه الأخير خلق له شعبية كبيرة، ووجود رواياته مثل “أولاد الغيتو، اسمي آدم” على لوائح الجوائز العربية والعالمية ساعده في استقطاب أسماء كبيرة.
أمّا الجانب الأهمّ فهو صعود القضيّة الفلسطينية في العام الأخير الذي فرض أولويّات جديدة على القرّاء الشباب الذين أصبحوا أكثر فضولاً تجاه القضية الفلسطينية والتعرّف عليها عبر الأدب. وهذا يشرح كم أصبح غسان كنفاني حاضراً في ذهنية الشباب اليوم، وتصدُّر كتب رضوى عاشور اليوم المبيعات في دار الشروق في مصر.
مع صعود الجوائز الأدبية أصبح هناك جيل من القرّاء أقلّ تركيزاً على الكتّاب المصريين وصار مهتمّاً بالتعرّف على الأصوات العربية، والياس خوري هو واحد من هذه الأصوات
إبراهيم عبد المجيد: روح تملأ الفضاء بالأمل
أمّا الروائي المصري إبراهيم عبدالمجيد فلم يكن إلياس خوري بالنسبة له “مجرّد كاتب مجدّد يكتب ويجسّد الخراب في لبنان مثلاً في بعض رواياته، ولا فلسطين عبر التاريخ فقط”، لكنّه كان بالنسبة له إنساناً لا يتكرّر كثيراً. ويروي: الكثير يمكن قوله عن بناءاته الفنّية في أعماله، وعن لغته التي تتغيّر وفقاً لشخوصه ومحنتها ومكانها، لكنّني أحبّ أن أعبّر عن فاجعتي بوفاته. حبّي له أنساني أنّنا جميعاً معرّضون للنهاية. هو أيضاً كان يكتب غير مكترث بالموت، مثل أيّ كاتب عظيم يبني عالماً موازياً لما حوله، يعيشه ويهنأ به على الرغم من الآلام. عرفته من رواياته وعرفته أيضاً من لقاءاتنا التي باعد بينها الزمان، حين كانت تحدث في مصر مؤتمرات أدبية يضيئها بحضوره فتمتلئ القاعة بالمحبّين.
بعيداً عن الروايات عرفه المصريون في فيلم “باب الشمس” الذي أخرجه يسري نصر الله عن الرواية العظيمة التي تحمل العنوان نفسه، وكان مصدر إعجاب وحفاوة في مصر من الأجيال الجديدة والقديمة مثلي. آخر مرّة رأيته فيها عام 2016 في الدوحة حين كان أحد الفائزين بجائزة كتارا عن روايته “أولاد الغيتو، اسمي آدم”. الجوائز التي فاز بها والتكريمات كثيرة، وهي التي تفخر به هو. كنت قد دعيت إلى حفل إعلان الجائزة بينما أعاني من المرض، لكنّني سافرت، وبينما أنا جالس أقبل عليّ قبل بدء الحفلة يسألني عن صحّتي، على الرغم من أنّني لم أنشر عن مرضي شيئاً. عرفت أنّه يسأل عنّي. طمأنته عليّ وجلست فخوراً بفوزه الذي هنّأته عليه. تزاملنا حتى اليوم في الكتابة في جريدة القدس العربي، وعلى الرغم من أنّ القدس العربي محجوبة في مصر، لكنّني كنت حريصاً على الوصول لمقالاته حرصي على الوصول لمقالاتي.
يرحل الياس خوري وغزّة تتعرّض لإبادة جماعية من الصهيونية العالمية ومن والاها، لكن ستبقى غزة وتبقى أعمال إلياس خوري نوراً في فضاء العالم
تتجاوز محبّة إلياس خوري كونه كاتباً مجدّداً عظيماً إلى الائتناس به في كلّ لقاء. يرحل إلياس خوري وغزّة تتعرّض لإبادة جماعية من الصهيونية العالمية ومن والاها، لكن ستبقى غزة وتبقى أعمال إلياس خوري نوراً في فضاء العالم، وبينها ما تُرجم إلى لغات أخرى. لو يسمع الموتى لقلت له لا تحزن يا إلياس ففلسطين ستملأ الفضاء، وسيتفكّك الكيان الصهيوني الذي يُدعى إسرائيل، فروحك وروح محمود درويش تملآن الفضاء بالأمل. لن يطول الوقت حتى نلتقي يا صديق وحبيب العمر. لن أعتبر رحيلك حقيقياً أبداً، فأنت هادينا وهادي كلّ الأجيال بالأمل يا أحبّ الناس.
علي بدر: علاقة إشكاليّة مع الواقع العراقيّ
في الواقع الثقافي العراقي بقيت مواقف الياس خوري إشكالية وغير مفهومة، بحسب الكاتب والناشر العراقي المقيم في بلجيكا علي بدر الذي يقول: “لا أتحدّث عن نفسي”. فمن جهة لم يفهم الكثير من الذين كانوا مع الاحتلال، أو من المعادين له شكليّاً، رؤية ونظرة إلياس خوري الرافضة لصنوف الغزو الكولونياليّ، وبالتالي رفض الواقع الجديد الذي بُني على واقعة الغزو حتى وإن تخطّاها. ومن جهة أخرى، بقيت مواقفه المتشدّدة من المثقّفين الذين انخرطوا في مشروع الدولة الجديدة، وإن كانت مبنيّة على نقص كبير في المعلومات، مؤوّلة بنوع من الحنين إلى السلطة الماضية.
تتجاوز محبّة إلياس خوري كونه كاتباً مجدّداً عظيماً إلى الائتناس به في كلّ لقاء
أنا من جهتي لم أشكّ لحظة واحدة في صدق نوايا إلياس، لكنّني كنت أشعر بجهله الكبير بالواقع العراقي. فهو يعكس دون علم منه الواقع اللبناني على الواقع العراقي فترتبك نظرته وتتشوّش، ومع ذلك لا أظنّ أنّ هذا أثّر على مكانته الأدبية في العراق مطلقاً، إذ كانت رواياته وجمهور رواياته يتجاوزان مواقفه السياسية الخاصة بالعراق. طرحت رواياته الإشكاليات الخاصة بأحوال المجتمعات التي تمرّ بالتناقضات والحروب الأهليّة. لقد صوّر بقوّة تصدّع هذه المجتمعات وتدهور شخصيّاتها. ما كان مهمّاً في العراق هو الاستبداد السياسي أكثر من تجارب التناقضات السياسية الاجتماعية في الحروب الأهلية، لكن بعدما مرّ العراق بتجارب متشابهة بعد عام 2003 عادت رواياته بصورة كاسحة. لقد شعرنا بالحاجة إلى قراءته مجدّداً في ضوء الواقع الجديد الذي استحدث في العراق من قتال أهليّ وتصدّعات اجتماعية، فتمّت قراءة الياس خوري بصورة مختلفة كليّاً عن الوضع السابق الذي بقيت رواياته فيه على هامش الثقافة المحلّية العراقية.
إقرأ أيضاً: “أساس” يزور نازحي المدارس البيروتية… وشباب الحزب يعترضون