ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة:
1- ملفّ تعليم السوريين المقيمين بشكل غير شرعي في لبنان.
2- ملفّ المتقاعدين العسكر.
3- ملفّ ثالث مؤجّل حتى نهاية العام مرتبط باحتمال التمديد مُجدّداً لقائد الجيش هذه المرّة، ربّما بشطبة قلم السراي وليس بقانون في مجلس النواب.
أمس حاولت الحكومة نزع فتيل اللغم الأوّل بتراجعها خطوة إلى الوراء بغية تعديل القرار 63.
منذ دخولها مدار تصريف الأعمال في 31 تشرين الأول 2022 بعيد انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية لم تقصّر حكومة نجيب ميقاتي في التصرّف وكأنّها “وصيّة” بالكامل على صلاحيات رئاسة الجمهورية إلى حدّ “التقمّص”.
خاضت الحكومة أكثر من كباش مع الفريق المسيحي المُقاطِع لجلساتها، خصوصاً التيّار الوطني الحرّ، لكنّ المراسيم الصادرة بثلاثة تواقيع باسم نجيب بميقاتي لم تتأثّر بالمواجهات الكلامية ولا بالسقوف السياسية التي رفعت ضدّها.
للمفارقة أنّ العديد من هذه المراسيم كانت تصدر لمصلحة وزارات الوزراء المقاطعين. وربّما أكثر المحطّات التباساً تجلّت في تعيين رئيس للأركان بقرار وزاري، من دون صدور مرسوم، بعد تخطّي صلاحيّات وزير الدفاع برفع الاسم والتوقيع على المرسوم، وفي طرحها بنوداً من خارج جدول الأعمال، وآخر هذه البنود السماح للسوريين الذين لا يملكون أوراقاً ثبوتية أو أوراقاً من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالتسجيل في المعاهد والمدارس المهنية، مع العلم أنّ الفقرة 11 من المادة 53 من الدستور تعطي رئيس الجمهورية صلاحية عرض أيّ أمر من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
حتى الآن لا معطيات حاسمة من جهة الرئيس نبيه بري حيال تولّي مجلس النواب مُجدّداً هذه المهمّة أو حتى استعداد الثنائي الشيعي لتوفير الغطاء للتمديد
تغطية الحزب
هنا تحديداً تكمن نقطة أساسية تتجلّى في توفير وزيرَي الحزب الغطاء لصدور القرار من دون الاعتراض عليه أو محاولة منعه، الأمر الذي دفع باسيل إلى معاتبة حليفه الشيعي، مع العلم أنّ الأمين العامّ للحزب أطلق مواقف عالية السقف في الاعتراض على واقع النزوح السوري في لبنان إلى حدّ الدعوة إلى فتح البحر من دون تدخّل من الجيش.
في ذلك دلالة، وفق مصادر متابعة، على حجم التنسيق الذي واكب مراحل عمل حكومة ميقاتي المصرّفة للأعمال وتحديداً مع الثنائي الشيعي والذي تُوّج بمشاركة وزيرَي الحزب في الجلسة التي قام فيها الرئيس ميقاتي بالتوقيع، نيابة عن رئيس الجمهورية، على قانون التمديد لقادة الأجهزة في الوقت الذي غادر فيه نواب الحزب قاعة مجلس النواب حين أقرّ القانون في البرلمان.
لكنّ القرار رقم 63 الصادر في جلسة 11 أيلول والمتعلّق بالسماح للطلّاب السوريين بالتسجيل في المؤسّسات التعليمية المهنية للعام الحالي من دون حيازتهم إقامة صادرة عن المراجع الرسمية أو بطاقات من UNHCR أدّى إلى فتح التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية النار على الحكومة. وهذه النقمة المسيحية دفعت رئاسة الحكومة إلى إدراج بند إعادة البحث في قرار مجلس الوزراء رقم 63 في الجلسة التي دعت إليها الأمانة العامّة لمجلس الوزراء أمس لمتابعة البحث في مشروع الموازنة في محاولة لتنفيس الاحتقان المسيحي ضدّ هذا القرار.
قوطبة حكوميّة
عمليّاً، قوطبت دعوة الحكومة على اجتماع المجلس السياسي في التيّار الوطني الحرّ بعد ظهر أمس الذي خصّص للتداول وأخذ القرارات الفورية في ما يتعلّق بالقرار 63، فيما وصف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع القرار بـ “فضيحة العصر”.
هواجس الحرب والنزوح السوري ومطالب العسكريين وهمّ الموازنة وكلفتها تتساوى أهمّية لدى الحكومة مع استحقاق التمديد لقائد الجيش
كما سبقت اجتماع التيّار في ميرنا الشالوحي زيارة وفد منه وزير التربية عباس الحلبي في محاولة للضغط على الحكومة لإلغاء قرارها، فيما نقل وفد التيار “تعاون الوزير معنا لحلّ هذه الأزمة”. ونفّذ القواتيون وقفة اعتراضية أمس أمام مبنى المديرية العامّة للتعليم المهني والتقني في الدكوانة. في المقابل كان الحزب الاشتراكي يحاول من عين التينة إقامة نوع من التوازن مع “هجمة” التيار والقوات.
أزمة العسكريّين
إلى ذلك، وضمن سياق التنسيق القائم بين رئيس الحكومة وقيادة الجيش استضافت اليرزة أمس اجتماعاً هو الثاني بغية توحيد المطالب بين جبهتَي “تجمّع العسكريين المتقاعدين” ورابطة “قدامى القوات المسلّحة” في ظلّ مخاوف حكومية من سقوط لغة التفاوض وعدم التمكّن من التوصّل إلى صيغة ترضي موظّفي القطاع العامّ ككلّ، والعسكريين بشكل خاصّ، من خلال إقرار صرف المزيد من المساعدات الاجتماعية إلى حين إقرار موازنة 2025.
لكنّ مصادر “تجمّع العسكريين المتقاعدين” تؤكّد لـ “أساس” أنّنا “قد نتوصّل إلى صيغة مرضية بالتوافق بيننا وبين قيادة الجيش، والاجتماع الأوّل كان مشجّعاً حيث حازت مطالبنا على موافقة قيادة الجيش والرابطة. ثمّ سنتوجّه بمطالب موحّدة إلى الحكومة مع رفضٍ كاملٍ للتنازل عن خطّ الحدّ الأدنى المتمثّل باستيفاء 40% من أصل راتبنا قبل الأزمة على أن يتمّ إدراجه في صلب الراتب ضمن قانون في الموازنة المقبلة. وما عدا ذلك لا معنى له لأنّ المساعدات الاجتماعية لا قيمة لها إن بنسبتها أو ببقائها خارج الراتب، وهي تمثّل اليوم 14% من أصل الراتب الذي بدوره نقبضه اليوم بنسبة 1.5% مقارنة براتبنا قبل الأزمة”.
تعليق التّحرّكات
من جهتها تسعى الحكومة إلى تكثيف جلساتها الوزارية المفتوحة للبحث في مشروع الموازنة. وقد علّق العسكريون المتقاعدون تحرّكاتهم أمس باتّجاه السراي خلال انعقاد الجلسة بانتظار ما سيُسفِر عن لقاء اليرزة في شأن توحيد المطالب بين العسكريين المتقاعدين ثمّ التفاوض لاحقاً مع الحكومة.
ثلاثة ألغام تُزنّر الحكومة و”تدفشها” أكثر باتّجاه فتح جبهات مع الناقمين على أدائها وسط ورشتها المفتوحة لإقرار الموازنة
التمديد 2؟
هواجس الحرب والنزوح السوري ومطالب العسكريين وهمّ الموازنة وكلفتها تتساوى أهمّية لدى الحكومة مع استحقاق التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون الذي يقترب أوان بحثه على الطاولة قبل نحو ثلاثة أشهر من انتهاء الولاية الممدّدة له. فسيناريو العام الماضي لا يزال ماثلاً أمام ميقاتي لجهة تقاذف الكرة بينه وبين الرئيس بري والضغط السياسي من أجل إنجاز الحكومة هذه المهمّة وليس مجلس النواب إلى أن رسا الخيار السياسي في اللحظات الأخيرة على إقرار قانون التمديد لقادة الأجهزة كافّة.
حتى الآن لا معطيات حاسمة من جهة الرئيس نبيه بري حيال تولّي مجلس النواب مُجدّداً هذه المهمّة أو حتى استعداد الثنائي الشيعي لتوفير الغطاء للتمديد، مع العلم أنّ بعض المراجع السياسية تتعاطى مع التمديد كأمر واقع محسوم إذا لم يصَر إلى انتخاب رئيس للجمهورية قبل نهاية العام.
لمتابعة الكاتب على X: