باكراً بدأت معركة الانتخابات البرلمانية العراقية المقرّرة في تشرين الأوّل من العام المقبل 2025 أو قبل ذلك إذ أنّ الاشتباك السياسي بين السوداني والمالكي قد يدفع باتخاذ قرار اجراء انتخابات مبكرة. المعنيّ الأوّل بمستقبل موقع رئاسة الوزراء الذي تنتجه هذه الانتخابات وما يسمح به من قدرة على الإمساك بمفاصل القرار السياسي والتنفيذي في المعادلة السياسية.
أحدثت قضيّة خليّة التجسّس التي تُقاد من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إرباكاً داخل “الإطار التنسيقي”، وكشفت أنّ الأمور بين “الإطار” والرئيس قد وصلت إلى مرحلة متقدّمة من عدم الثقة غير القابلة للترميم بين الطرفين. فالمهمّة الأساس لخليّة التجسّس بقيادة الموظّف في دائرة الإدارة في مكتب رئيس الوزراء محمد جوحي هي التجسّس على قيادات “الإطار التنسيقي”. في خطوة الهدف منها معرفة ما تفكّر به هذه القيادات ومواقفها الحقيقية من الحكومة من أجل اتّخاذ إجراءات استباقية تسمح للسوداني بقطع الطريق على أيّ موقف ضدّه. واتّسعت دائرة التجسّس والابتزاز لتشمل عدداً من النواب للتأثير على مواقفهم وتوجّهاتهم داخل العملية التشريعية.
أحدثت قضيّة خليّة التجسّس التي تُقاد من مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إرباكاً داخل “الإطار التنسيقي”
السوداني مُحرج
لا شكّ أنّ الكشف عن شبكة التجسّس أسهم في إضعاف موقف السوداني بشكل واضح وكبير. على الرغم من بعض النجاحات التي حقّقها خلال تولّيه لموقع قيادة السلطة التنفيذية والقيادة العامّة للقوّات المسلّحة. خاصّة في المشاريع الخدمية والبنى التحتية والاقتصادية، التي بدأت تشكّل مصدر قلق لكلّ القوى السياسية التي ترفض أن تتحوّل هذه الإنجازات إلى ورقة يستخدمها السوداني لفرض واقع على العملية السياسية تعيد فرضه رئيساً للحكومة لدورة ثانية. وما يعنيه ذلك من منحه قدرة على التفلّت من هيمنة “الإطار التنسيقي”.
ربّما المؤشّر إلى اتّساع الشرخ بين السوداني وقيادات “الإطار التنسيقي” قد ظهر بوضوح في الاجتماع الأخير لـ”الإطار” الذي استبعد السوداني من حضوره. وفشل بعض “الإطار” في إقناع الآخرين بمنع استبعاده. خاصة قائد فصيل “عصائب أهل الحقّ” قيس الخزعلي.
إبحث عن المالكي
الموقف التصعيدي لـ”الإطار التنسيقي” ضدّ السوداني يقوده رئيس ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق “الزعيم” نوري المالكي، المعنيّ الأوّل بمهمّة خليّة التجسّس، الذي يشكّل مصدر قلق حقيقي للسوداني ومستقبله السياسي. إذ يعرف الأخير أنّ وصوله إلى قيادة السلطة التنفيذية كان بناء على تسوية قادها المالكي من داخل “الإطار التنسيقي” مع القوى الكردية والسنّية، واحتفظ بموقفه المتحفّظ غير المعارض بشدّة لوصول السوداني.
لا شكّ أنّ الكشف عن شبكة التجسّس أسهم في إضعاف موقف السوداني بشكل واضح وكبير. على الرغم من بعض النجاحات التي حقّقها خلال تولّيه لموقع قيادة السلطة
الكشف عن خليّة التجسّس التي حشد فيها السوداني جهازَي الاستخبارات والأمن الوطنيَّين، وتورّط بها سكرتيره العسكري اللواء عبدالكريم السوداني، أعطى المالكي دفعاً كبيراً للذهاب إلى خيار فتح المعركة الانتخابية مبكراً. وتركيز الجهود لإفشال المساعي التي يبذلها السوداني من أجل دخول هذه الانتخابات وفرض أمر واقع من خلال تشكيل لائحة انتخابية تسمح له بامتلاك واحدة من الكتل الكبرى داخل المكوّن الشيعي. بحيث يكون قادراً على عقد تحالفات تعيده إلى رئاسة الوزراء لدورة جديدة أو أكثر.
تلويح المالكي بإجراء انتخابات مبكرة قد لا يكون الخيار الأوّل لديه في هذه المرحلة. إلا أنّه في المقابل رفع من وتيرة العمل من أجل إقرار قانون جديد للانتخابات يعيد إنتاج آليّات احتساب نسب الأصوات للفائزين بناء على قانون “سانت ليغو” النسبي المعتمد. فضلاً عن فتح جميع الأبواب لحوارات جادّة مع أطراف تربطه بهم علاقات متوتّرة. خاصة التيار الصدري الذي بدأ الاستعداد للعودة إلى العملية السياسية من بوّابة الانتخابات البرلمانية المقبلة.
لا يزال إصرار المالكي على الحوار مع التيار الصدري يصطدم حتى الآن بحائط صمت زعيم هذا التيار مقتدى الصدر. إلّا أنّ إصرار وتمسّك المالكي بالوصول إلى مثل هذا التفاهم يخدم جهوده في قطع الطريق وإضعاف قبضته على العملية السياسية. ما يسمح بعودة السوداني الذي بدأ العمل مبكراً من أجل التوصّل إلى تفاهم تحالفيّ مع الصدر يضمن له الوصول إلى أهدافه.
تلويح المالكي بإجراء انتخابات مبكرة قد لا يكون الخيار الأوّل لديه في هذه المرحلة. إلا أنّه في المقابل رفع من وتيرة العمل من أجل إقرار قانون جديد للانتخابات
اطمئنان “الزعيم” إلى تكتّل الإطار ضدّ السوداني
من الطبيعي أن لا يكون المالكي، الذي يصرّ أنصاره على وصفه بـ”زعيم العراق”، وحيداً في معركته السياسية ومحاولات لجم طموحات السوداني في الانتخابات المقبلة. لأنّ فضيحة خليّة التجسّس التي طالت كلّ قيادات “الإطار التنسيقي” ضربت أيّ إمكانية للثقة بين هؤلاء القيادات والسوداني في المستقبل. وبالتالي سيقف هؤلاء إلى جانب المالكي فقط في جهود استبعاد السوداني، والاحتفاظ بمساحات الاختلاف الأخرى التي تحكم العلاقة بينهم وبين المالكي.
قد يكون الموقف من رفض عودة السوداني الخيار الحاسم لدى هذه القيادات. حتى لو استطاع السوداني الحصول في هذه الانتخابات على حجم مقاعد يقارب خمسين مقعداً من نحو 170 مقعداً هي حصّة المكوّن الشيعي في البرلمان. باعتبار أنّ حجم المقاعد لا يعني حتماً أن يكون رئيس هذه الكتلة رئيساً للوزراء. ويستشهد المالكي بما حصل معه عام 2014 عندما حصلت كتلة دولة القانون على 103 مقاعد، إلا أنّ التطوّرات التي شهدها العراق والحرب مع داعش فرضت معادلة جديدة منعته من العودة لدورة ثالثة إلى السلطة التنفيذية.
لا تعني هذه المواقف من قبل “الإطار التنسيقي” أنّ السوداني لم يعد يملك أوراقاً تساعده على إعادة تدعيم موقعه. خاصة ما يتعلّق بموقف القوى الدولية والإقليمية. وربّما المؤشّر إلى محاولة لعب السوداني على هذا العامل ظهر في ما تمّ الكشف عنه من توصّل إلى اتفاق حول مستقبل وجود القوات الأميركية وقوات الناتو في العراق.
يأتي الإعلان عن التوصّل إلى تفاهم على خروج القوات الأميركية والدولية بعد مواقف رسمية عراقية سياسية وعسكرية في الأشهر الأخيرة تحدّثت عن صعوبة تنفيذ هذا الاتفاق
خروج الأميركيين… والثقة بالسوداني
الكشف عن الانتهاء من وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق انسحاب القوات الدولية من العراق وإعادة تنظيم عمل المستشارين العسكريين الأميركيين وتعريف دورهم الجديد، يحاول السوداني توظيفه بتصويره رسالة ثقة أميركية بحكومته وقيادته للقوّات المسلّحة من ناحية. ومن ناحية أخرى يحاول تسويقه باعتباره يدلّ على عمق الثقة الإيرانية به، التي تشكّل المرجعية السياسية للقوى والفصائل الشيعية و”الإطار التنسيقي” وإن بنسب متفاوتة. وبالتالي فإنّ إمكانية أن يلعب الطرفان، الإيراني والأميركي، دوراً إيجابياً في عودته إلى السلطة. سيكون معطىً أساسياً في مشهد المرحلة المقبلة.
يأتي الإعلان عن التوصّل إلى تفاهم على خروج القوات الأميركية والدولية بعد مواقف رسمية عراقية سياسية وعسكرية في الأشهر الأخيرة تحدّثت عن صعوبة تنفيذ هذا الاتفاق وأنّ الحاجة العراقية إلى وجود هذه القوات ومساعدتها ما زالت قائمة. وبالتالي وُضِعَ جدولٌ زمنيٌّ ذي محطّتين:
– الأولى في أيلول 2025 وتقضي بانسحاب الجزء الأكبر من هذه القوات.
– والثانية في أواخر عام 2026 ويتمّ فيها الانسحاب النهائي.
إقرأ أيضاً: العراق مصدوم… من يعرقل وصول الفيول إلى لبنان؟
وهذا يعني أنّ تفاهماً أكبر قد حصل بين الإدارة العسكرية الأميركية والمؤسّسة العسكرية الإيرانية حول هذه الآليّات. التي يمكن اعتبارها خطوة متقدّمة في سياق التفاهمات خلف الكواليس التي تجري بين الطرفين. والتي جعلت العراق المحطّة الأولى لزيارات الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان للخارج.