هل من السّهل إسقاط حكومة بنيامين نتنياهو قبل موعد الانتخابات الأميركيّة؟ ثلاثة عوامل تعصف بحكومة نتنياهو طارحة مصيرها على طاولة البحث:
1- التظاهرات الشعبية لأهالي الأسرى بيد حركة حماس.
2- تأجيل الحكومة بتَّ مسائل داخليّة شائكة على خلفيّة المسائل الخلافيّة بين حليفيْ نتنياهو “حزب شاس” (الأرثوذكسي المشرقيّ) بزعامة أرييه درعي و”القوّة اليهوديّة” بزعامة إيتامار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش.
3- الخلاف حول مسألة “محور فيلادلفي” بين رئيس الوزراء ووزير دفاعه يوآف غالانت ومن خلفه المؤسّستان العسكريّة والأمنيّة.
استيقظَ الإسرائيليّون صباح الأحد على خبر إعلان مقتل 6 من الأسرى لدى حركة “حماس” أثناء مُحاولة تحريرهم من أحد أنفاق مدينة رفح. تضاربت الأنباء حول الطّريقة التي قُتِلَ بها الأسرى. لكنّ الإجماع كانَ حولَ مسألة واحدة هي أنّ الجيش الإسرائيليّ فشلَ في تحريرهم. وسرعان ما بدأ أهالي الأسرى والمُعارضة الإسرائيليّة حراكاً شعبيّاً للمطالبة بإنجاز صفقة التبادل مع “حماس” ووقف الحرب وإسقاط حكومة نتنياهو.
وصلَ الأمر بمعارضي نتنياهو حدّ الدّعوة إلى إضرابٍ عامّ شملَ بلديّات كبرى مثل تل أبيب وغفعاتيم وهود هشارون وكفار سابا، كما تعطّل مطار بن غوريون عن العَمَلِ لساعات. وذلكَ بعدما أعلَنَت “المنظمة العامّة للعمّال” (الهِتسدروت) المشاركة في الإضراب. إذ ينضوي تحتَ “الهستدروت” حوالي 800 ألف عامل، وتملك وتشرِف على مؤسّسات اقتصاديّة تُساهم في ثلثيْ الإنتاج الزّراعيّ الإسرائيليّ، ونصف الصّناعة الثّقيلة، وربع الإنتاج الصّناعيّ و40% من وسائل النّقل. وتشترك أحياناً مع رأس المال الحكومي أو الخاصّ أو الأجنبي في إقامة المشاريع وإدارتها في الداخل والخارج.
علاقة “شاس” بحزب “عظمة يهوديّة” بقيادة بن غفير و”الحزب الصّهيوني الدّينيّ” بقيادة سموتريتش ليسَت في أحسن أحوالها، وذلكَ لخلافات بين الجانبيْن
هل يقلب “شاس” الموازين؟
لكنّ الموقف الأبرز لم يكُن من قلب المعارضة، بل جاءَ من الحاخام الأكبر لليهود السّفارديم (أي اليهود الشّرقيين) يتسحاق يوسف، أثناء جنازة أحد الأسرى الـ6، حين دعا إلى إبرام صفقة “ولو أدّت للإفراج عن مئات أو آلاف القتلة المُلطّخة أيديهم بالدّماء”، في إشارة منه إلى الأسرى الفلسطينيين المُتّهمين بقتل إسرائيليين. وأوضح الحاخام يوسف أنّ “الشريعة اليهودية توجب عليهم بذل قصارى جهدهم لإعادة كلّ الأسرى”.
المُهمّ في كلام يوسف ليسَ في كونه الحاخام الأكبر لليهود السّفارديم فقط، بل كونه “الأب الرّوحيّ” لحزب “شاس” بعد وفاة والده الحاخام عوفاديا يوسف عام 2013. ويُشارك في حكومة نتنياهو المُوسّعة ممثّلاً بـ5 حقائب وزاريّة هي: وزارة الدّاخليّة، وزارة العمل، ووزارة الشّؤون الدّينيّة ووزارتيْ دولة. كما يمتلك كتلة من 11 نائباً في الكنيست الإسرائيليّ. ويُمثّله رئيسه وزير الدّاخليّة أرييه درعي في الكابينت المُصغّر الذي يبحث شؤون الحرب والحالات الطّارئة.
كما أنّ علاقة “شاس” بحزب “عظمة يهوديّة” بقيادة بن غفير و”الحزب الصّهيوني الدّينيّ” بقيادة سموتريتش ليسَت في أحسن أحوالها، وذلكَ لخلافات بين الجانبيْن حولَ مسائل داخليّة تتعلّق بتجنيد الحريديم وإدارة شؤون الحاخامات في إسرائيل. إذ يريد “شاس” إقرار قانون ينصّ على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المُدن من السّلطات المحليّة إلى وزارة الشّؤون الدّينيّة التي يتولّاها أحد أعضائه، وهو موشيه ملخيئيلي، ويلقى معارضةً من الثّنائيّ بن غفير وسموتريتش.
بعدَما سحبَ نتنياهو مشروع القانون من جدول أعمال جلسة الكنيست منتصف حزيران الماضي، خرجَ أرييه درعي ليقول: “إنّ الحلّ الكامل للحكومة مسألة وقتٍ”.
صوّبَت المعارضة الإسرائيليّة ومعها وزير الدّفاع نحوَ تمسّك نتنياهو بالبقاء في محور “فيلادلفي” لتحميله مسؤوليّة مقتل الأسرى الـ6
يُضاف إلى ما سلف أنّ درعي كانَ من أشدّ الرّافضين لتوجيه ضربة عسكريّة لإيران بعد ردّها على قصف قنصليّتها في دمشق في 13 نيسان الماضي. وقال درعي يومها إنّ على إسرائيل أن تستمِع إلى أصدقائها في الولايات المتحدة. كما قال إنّ موقفه هذا جاءَ بعد “مشاورات مع الحاخامات الذين من بينهم يتسحاق يوسف”، ونقلَ عنهم قولهم: “نحن بحاجة إلى معرفة كيفية التراجع، والتحلّي بالصّبر، والاستماع إلى شركائنا وعدم القيام بأشياء لمجرّد الانتقام وإظهار أنّنا فعلنا ذلك”.
هل يريد “شاس” إسقاط الحكومة؟
من المبكر الحديث عن إمكانيّة أن يلجأ حزبٌ يمينيّ مُتطرّف مثل “شاس” إلى أن يحمِلَ على عاتقيْه إسقاط أوّل حكومة يمينيّة مُتطرّفة في تاريخ إسرائيل. لكنّ أرييه درعي يعلم جيّداً أنّ أكثر حسابات نتنياهو بشأن الحرب ترتبطُ مباشرةً بإمكانية إسقاط حكومته من قِبل تحالف بن غفير وسموتريتش، اللذين يمتلكان كتلةً من 14 نائباً و6 وزراء في الحكومة، وانسحابهما يعني ذهاب إسرائيل مرّةً جديدة نحوَ انتخابات نيابيّة مبكرة.
كانَ الجديد ما كشفته i24news الإسرائيليّة يومَ الأحد من أنّ رئيس حزب “شاس” قال لأهالي الأسرى الإسرائيليين إنّه سيسعى مع المعارضة لتشكيل حكومة وحدة وطنيّة عبر إدخال أحزاب المُعارضة إلى الحكومة بدلاً من تحالف بن غفير – سموتريتش.
سبقَ هذا التّسريب ما نقلته وسائل إعلام عبريّة عن تأييد درعي لدعوة وزير الدّفاع يوآف غالانت إلى إعادة بحث مسألة “محور فيلادلفي” في جلسة الحكومة التي سارَع نتنياهو إلى إلغائها يومَ الأحد الماضي.
نتنياهو يتحدّى الجميع.. بانتظار الانتخابات
صوّبَت المعارضة الإسرائيليّة ومعها وزير الدّفاع نحوَ تمسّك نتنياهو بالبقاء في محور “فيلادلفي” لتحميله مسؤوليّة مقتل الأسرى الـ6. إذ إنّ 4 منهم كانوا مُدرجين على لوائح تبادل الأسرى في المرحلة الأولى. واعتبروا أنّ إصرار نتنياهو على نسفِ كلّ المبادرات الرّامية لحلحلة مسألة الحدود الفلسطينيّة – المصريّة هو السّبب المُباشر لمصرع الأسرى.
من المبكر الحديث عن إمكانيّة أن يلجأ حزبٌ يمينيّ مُتطرّف مثل “شاس” إلى أن يحمِلَ على عاتقيْه إسقاط أوّل حكومة يمينيّة مُتطرّفة في تاريخ إسرائيل
كما برزَ موقفٌ مهمّ لعضو مجلس الحرب السّابق بيني غانتس الذي قال إنّ “نتنياهو كانَ يخشى العمليّة البرّيّة في قطاع غزّة، وكانَ يرفضُ إطلاقاً العمليّة العسكريّة في رفح، واليوم يشرح للبلاد أهميّة محور واحد لم يكُن يرغب في دّخوله”.
جاءَ كلام غانتس بعد ساعات قليلة من الكلمة التي ألقاها نتنياهو مساءَ الإثنين. وكانَ رئيس الوزراء الإسرائيليّ يرفع سقف التحدّي لمُعارضيه ومن خلفهم الرّئيس الأميركيّ جو بايدن الذي اتّهمَه أنّه “لا يبذل ما يكفي للتّوصّل إلى اتفاقٍ حول الأسرى”. إذ كانَ أحد الأسرى الـ6 الذين قُتِلوا في رفح يحمل الجنسيّة الأميركيّة.
لكنّ انتقاد بايدن لنتنياهو لا يبدو أنّه حقّق مبتغاه، بل العكس. خرجَ نتنياهو باستعراضٍ أمام الرأي العامّ الإسرائيليّ ليشرَحَ ما سمّاه “أهميّة البقاء في فيلادلفي” باعتباره “الرّئة التي تتنفّس منها حماس لإدخال السّلاح”. كما قال إنّ السيطرة على المحور هي لمنع نقل الأسرى إلى مصر أو إيران، وإنّ إسرائيل لن تخرجَ من المحور ليسَ بعد 43 يوماً بل حتّى بعد 43 سنة. وقال إنّه حين قرّر رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون الانسحاب من غزّة، كانَ هو يُعارضُ الانسحاب من فيلادلفي.
ما فات نتنياهو أنّه شخصيّاً شغلَ منصب رئاسة الوزراء في إسرائيل قبل وبعد انسحابِ شارون من غزّة، بمجموعٍ يصل إلى 15 سنة، وأنّ كلامه لا يدين شارون بقدرِ ما يدينه. كما أنّ أكثر التقديرات العسكريّة والأمنيّة تشير إلى أنّ أغلبيّة ترسانة “حماس” من الأسلحة والصّواريخ صُنِّعَت محليّاً في غزّة. وهذا ما يؤكّد القول إنّ تمسّكَ نتنياهو بالبقاء في “محور فيلادلفي” يريد في خلفيّته قطع كلّ الطّرق أمام المُفاوضات وعرقلة مسارها في الأسابيع الـ8 الباقية حتى الانتخابات الأميركيّة.
يريد “شاس” إقرار قانون ينصّ على نقل صلاحيات تعيين الحاخامات في المُدن من السّلطات المحليّة إلى وزارة الشّؤون الدّينيّة التي يتولّاها أحد أعضائه
من هذا المُنطلق باتَ من الممكن القول إنّ رئيس الوزراء الإسرائيليّ ومُعارضيه يتسابقون مع الانتخابات في الولايات الُمتحدة. فنتنياهو يريد المماطلة قدرَ الإمكان إلى حين جلاء غبار المعركة الرّئاسيّة على أعتاب البيت الأبيض ليُقرّر كيف يمضي بقراراته ويُحصّل ما استطاع من أراضي غزّة والضّفّة إلى ذلكَ الحين. أمّا مُعارضوه الذين ينتمي أغلبهم إلى المؤسّسة العسكريّة والأحزاب العلمانيّة مثل زعيم حزب “يش عتيد” يائير لابيد والجنرالات بيني غانتس وغادي آيزنكوت وغابي أشكينازي فيُفضّلون التّعاطي مع إدارة ديمقراطيّة تتعاطى مع إسرائيل على أساسٍ مؤسّساتيّ ومن منطلق “صهيوني ليبراليّ” يتقاطع مع رؤيتهم لإسرائيل على عكس رئيس مثل دونالد ترامب يُفضّل التعاطي من المنطلق الشّخصيّ ومن خلفيّة “صهيونيّة مسيحانيّة” تتقاطع مع اليمين الإسرائيليّ.
أمّا الرّئيس الأميركيّ بايدن فيحتاج إلى صفقة بأسرع وقتٍ ممكن لكي يُجيّرها في الحملة الانتخابيّة لنائبته كامالا هاريس التي تُنافس دونالد ترامب في الولايات المُتأرجحة التي يلعب الصّوت العربيّ والمُسلم دوراً أساسيّاً فيها.
إلى ذلكَ الحين، يبقى رهان معارضي نتنياهو على انقلابٍ أبيض يكون بطله حزب “شاس” وبعض أعضاء الليكود مثل وزير الدّفاع يوآف غالانت. وإنّ إجازة الكنيست الإسرائيليّ تنتهي في شهر تشرين الأوّل المُقبل، أي قبل شهرٍ من موعد الانتخابات، فهل يقلب “شاس” الطّاولة وموازين القوى في إسرائيل ويستمع لـ”نصائح الشّركاء في الولايات المُتحدة” كما قال زعيمه أرييه درعي بعد الهجوم الإيراني في 13 نيسان؟
إقرأ أيضاً: “أرنب” واشنطن: انسحاب تدريجيّ من فيلادلفي قبل 2025
في محاولة لاستشراف الإجابة ينبغي العودة إلى عام 1993، حين أُقرَّت “اتفاقيّة أوسلو”، فعلى الرّغم من معارضة الحزبِ اليمينيّ المُتشدّد لها، إلّا أنّه كانَ متحالفاً مع إسحاق رابين، وامتنَعَ أعضاؤه الـ8 عن التّصويت ضدّ الاتفاقيّة حين عُرِضَت أمام الكنيست وأُقِرَّت بـ61 صوتاً مقابل معارضة 50. الجدير بالذّكر أنّ الإدارة الدّيمقراطيّة في الولايات المُتحدة برئاسة بيل كلينتون كانت بأمسّ الحاجة إلى الاتفاقيّة وصورة الزّعيم ياسر عرفات يُصافحُ رابين، تماماً كما هي حاجة الحزب الدّيمقراطيّ إلى اتفاقيّة تبادلٍ للأسرى اليوم قبل الغد.
لمتابعة الكاتب على X: